استقلالية المصرف المركزي التونسي.. مراجعة أم تقييد؟
طُرح مجددا في تونس ملف استقلالية البنك المركزي، بعد أن دعا الرئيس التونسي قيس سعيد مؤخرا إلى مراجعة قانون استقلالية هذه المؤسسة.
والجمعة، انتقد الرئيس التونسي قيس سعيد، بنودا من قانون البنك المركزي التونسي تتعلق بالاستقلالية المطلقة للبنك، مؤكدا ضرورة المضي في إصلاح هذه الفصول "من أجل تحسين مساهمة مؤسسة الإصدار النقدي في التمويل المباشر لموازنة الدولة".
وقال قيس سعيد، أثناء زيارته مقر البنك المركزي التونسي: "إن سياسات البنك يجب أن تكون في تناسق مع السياسات الحكومية"، معتبرا أن البنك المركزي قام بدور مهم في السيطرة على نسب التضخم، غير أنه مطالب بالمساهمة المباشرة في تمويل الموازنة.
واعتبر الرئيس التونسي أن البنوك تحصل على معدلات فائدة مرتفعة عند إقراض الدولة، بينما كان بالإمكان الحصول على هذه الأموال من تمويلات مباشرة من البنك المركزي. وأكد أن مراجعة قانون استقلالية البنك المركزي "لن تحد من استقلالية هذه المؤسسة".
وقال سعيّد "للأسف يتمّ اللجوء إلى البنوك التجارية التي تنتفع بالفوائض أكثر من البنك المركزي"، في إشارة إلى قانون 2016 الذي ينصّ على أنّه "لا يمكن للبنك المركزي أن يمنح تسهيلات لفائدة الخزانة العامة للدولة وتسهيلات في شكل كشوفات أو قروض أو يقتني سندات تصدرها الدولة".
وقد تمكن البنك المركزي التونسي من الحصول على استقلالية تامة عن السلطة التنفيذية قبل سبع سنوات، بمقتضى القانون 35 المؤرخ في 25 أبريل/نيسان عام 2016، ويضبط النظام الأساسي في نص الفصل الثاني منه على أن البنك مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي.
ويحدد الفصل الثاني مسؤوليته ويذكر أنه مستقل في تحقيق أهدافه ومباشرة مهامه والتصرف في موارده، ويخضع للمتابعة والمساءلة من قبل مجلس نواب الشعب.
تحذير
وقد دعا المدير العام الأسبق للسياسة النقدية للبنك المركزي، محمد سويلم، إلى المحافظة على استقلالية البنك المركزي.
وأكد في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن تعديل القانون الأساسي للبنك، يجب أن يقتصر على الفصل 46 والمتعلّق بتعيين محافظ البنك المركزي.
وقد نبه من تداعيات اقتراض الدولة المباشر من البنك المركزي التي ستؤثر مباشرة على ارتفاع نسب التضخّم الذي سينجر عنه تدهور المقدرة الشرائية والتحكّم في الأسعار.
كما ستتمثل تداعيات افتراض الدولة المباشر من البنك المركزي في انهيار قيمة العملة، وارتفاع سعر الصرف، وبالتالي استنزاف الرصيد الاحتياطي من العملة الأجنبية، وفق سويلم.
من جهته؛ قال الخبير الاقتصادي التونسي حسن عبد الرحمان إن استقلالية البنك المركزي هي الضامن لعدم غلاء الأسعار.
كما حذر في تصريحات لـ"العين الإخبارية" من تداعيات الحد من استقلالية البنك المركزي، في ظل غياب التوازنات المالية ومرور الاقتصاد التونسي بفترة حرجة.
وأشار إلى أن الهدف من استقلالية البنك المركزي هو "الاستجابة للحوكمة العصرية والنأي بالبنك المركزي عن أي تجاذبات سياسية محتملة أو إملاء سياسات نقدية معينة".
وتابع: "لكن، الحد من استقلالية البنك المركزي سيضرب سيادة الدينار التونسي خاصة وأن البنك المركزي مع انعدام السيولة النقدية سيضطر لإقراض الدولة، وفق أوامر من السلطة التنفيذية عن طريق طباعة الأوراق النقدية وضخها في الاقتصاد وهو ما سينجر عنه ارتفاع كبير في نسب التضخم وانخفاض في قيمة العملة المحلية".
وأكد الخبير في الاقتصاد ووزير التجارة الأسبق، محسن حسن، أنّ تونس في أمسّ الحاجة إلى مراجعة القانون الأساسي للبنك المركزي بما يمكّن من تمويل الخزانة العامة مباشرة في حدود يضبطها القانون.
وأضاف الخبير أنّ التمويل المباشر وفق سقف معيّن وبشروط يضبطها القانون سيقلّص من الضغوط على المالية العمومية ويوفّر موارد مالية للخزانة العامة لمجابهة التحديات المطروحة.
وسيمكّن هذا الإجراء من جهة أخرى، حسب الخبير الاقتصادي من توجيه السيولة البنكية لتمويل الاستثمار الخاص وإنقاذ النسيج الاقتصادي عوض الربح السريع عن طريق الاستثمار في رقاع الخزانة القابلة للتنظير وأذون الخزانة.
وأكّد حسن أنّ البرلمان مطالب بمراجعة القانون الأساسي للبنك المركزي أسوة بما وقع في مصر وما هو معمول به في المغرب حيث يموّل بنك المغرب الخزينة العامة في حدود 5% من الموارد الجبائية للسنة الماضية.
البرلمان على الخط
وقد طرحت كتلة الخط الوطني السيادي في برلمان تونس مؤخرا، ملف استقلالية البنك المركزي للنقاش بعد إيداع مشروع قانون يهدف إلى إعادة النظر في بنود قانون النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي المصدَّق عليه عام 2016 تقضي بفتح باب الاقتراض المباشر للدولة من خزينة مؤسسة الإصدار النقدية.
ويضع برلمانيون تعديل القانون الأساسي للبنك المركزي ضمن خطة الإصلاحات الاقتصادية العاجلة التي تحتاجها البلاد في إطار معاضدة الجهود الحكومية على تعبئة موارد مالية لفائدة الموازنة بأقل كلفة ممكنة، في ظل ارتفاع نسب الفائدة على القروض الممنوحة للدولة محلياً ودولياً.
وتأتي مطالب إعادة النظر في قانون البنك المركزي التونسي بعد 7 سنوات من حصوله على الاستقلال التام عن السلطة التنفيذية بمقتضى قانون أقره البرلمان في أبريل/ نيسان 2016. وصادق البرلمان التونسي على القانون حينها، بعد أن دافعت الحكومة عن خياراتها عبر منح البنك مزيداً من الاستقلالية لتعزيز أدائه، والنأي به عن أي تجاذبات سياسية محتملة.
وبمقتضى قانون 2016 لم يعد مسموحاً للحكومة إصدار أي تعليمات للبنك المركزي، كما حصل على السلطة المطلقة في ضبط السياسة النقدية، والإنفاق والتحكم في الاحتياطي النقدي، والتصرف في الذهب.
وتلجأ حكومة تونس بشكل مكثف للسوق الداخلية من أجل تعبئة موارد لفائدة الموازنة أو إعادة جدولة ديون حل أجلها، كذلك وقعت في مايو/أيار الماضي اتفاق تعبئة موارد بالعملة الصعبة بقيمة 400 مليون دينار، أي نحو 133 مليون دولار، حُصِّلَت من 12 مصرفاً محلياً.