طوابير "السلع الأساسية".. من ينقذ التونسيين من رحلة شقاء يومية؟
طوابير طويلة من المواطنين أمام مراكز التسوق والمحلات لاقتناء بعض المواد الغذائية الأساسية المفقودة من الأسواق منذ الأشهر الماضية.
محلات ومولات تجارية كبرى علقت لافتات كتبت عليها أنه تم تحديد كمية لشراء بعض المواد بأن لا تتجاوز علبتين أو كيسين فقط لكل زبون.
واقع جديد تشهده السوق التونسية بفقدان مواد استهلاكية أساسية ومن بينها الحليب والزبدة والسكر والزيت المدعم والمياه المعدنية والمشروبات الغازية، إضافة لارتفاع حاد بأسعار المواد الغذائية الأخرى.
وتحتكر الحكومة عبر الديوان التونسي للتجارة استيراد القهوة والشاي والسكر والأرز والتي تقوم بتزويد السوق بها.
- لهذه الأسباب.. التضخم يغذي آلام الاقتصاد التونسي
- هجرة "أدمغة" تونس بعد ضعف الأجور.. نزيف الكفاءات
هذا الواقع الجديد فسره الرئيس التونسي قيس سعيد بأنه نتيجة لممارسات المحتكرين ولا يعود إلى ندرة الإنتاج. كما اعتبر أن هناك “تعطيلا في توزيع عدد من البضائع لغايات سياسية” وأن النقص “لا يتعلق بالقدرات المالية للدولة بقدر ما يتعلق بمحاولة افتعال الأزمات”، وفق بيانات للرئاسة.
لكن الوضع الجديد بات يؤرق التونسيين الذين لم يسبق أن عاشوا فقدان للمواد الغذائية الأساسية حيث أصبح الحصول على كيلوجرام من السكر أو قارورة زيت مدعم معجزة.
رحلة مضنية يوميا يكابدها التونسيون الذين أصبح كل اهتمامهم شراء المواد الاستهلاكية والبحث عنها من محل لآخر علهم يملؤون القفة (سلة)، كما يقال في تونس.
كما تضاعفت أسعار بعض المواد مثل الزيت النباتي، ما دفع عددا من الشركات إلى إقرار زيادتين في أسعار منتجاتها منذ مطلع 2022، ما زاد من معاناة التونسيين.
المضاربة
هذه المعاناة لخصها، لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك (مستقلة) الذي أكد لـ"العين الإخبارية" أن المواطن التونسي أصبح يذوق الأمرين من أجل اقتناء غذائه وذلك بسبب وجود نقص كبير في توفير المواد الاستهلاكية الأساسية، وخاصة السكر والزيت النباتي لأسابيع عدة، ما أربك نسق التزويد العادي للسوق.
وأرجع سبب النقص إلى لوبيات الاحتكار والمضاربة بهدف الترفيع في الأسعار بعد إخفاء المنتجات ثم إظهارها بأسعار مضاعفة عما كانت.
وأكد أن المواطن هو الضحية الوحيد الذي لم يعد راتبه يكفيه لآخر الشهر بسبب هذا الارتفاع الصاروخي في الأسعار.
وتواجه المالية العمومية في البلاد تحديات خطيرة بعد تأخر صرف القسط الأول من قرض صندوق النقد الدولي لتمويل الميزانية وتوفير ما تحتاج إليه البلاد من نفقات اجتماعية واقتصادية.
ضعف مخزون العملة الصعبة
ويرى مراقبون للوضع الاقتصادي التونسي بأن فقدان بعض المواد هو ناجم عن تآكل العملة الصعبة في تونس.
ويرى معز حديدان الخبير الاقتصادي أن أسباب فقدان بعض المواد الاستهلاكية تتمثل في ضعف مخزون العملة الصعبة إضافة لعجز الحكومة في تزويد السوق بكل المنتجات في الوقت نفسه.
وأكد في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أنه يجب على الدولة التخلي عن دعم المواد الأساسية وهي تسير في الطريق الصحيح.
وأوضح أن تونس ستسجل، مع نهاية السنة، أكبر عجز تجاري في تاريخها ببلوغ مستوى 22 مليار دينار، مما سيؤثر على احتياطي العملة الصعبة والذي لن يكون كافيا لتسديد ديون البلاد بالسوق المالية.
وسبق أن قال أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، يوم الإثنين الماضي، على هامش انعقاد منتدى النقابات القاري، إن الاتحاد سيكون "سداً منيعاً ضد الخيارات التفريطية للحكومة".
وجدد الطبوبي موقف المنظمة "الرافض رفع الدعم عن الطبقة الوسطى والفقيرة التي تمثل 80 في المئة من إجمالي الشعب التونسي"، لافتاً إلى أن "انعدام المواد الأساسية هو نتيجة محدودية الموارد المالية للدولة، وليس نتيجة للاحتكار والمضاربة".
ولفت إلى أن الوضع الاجتماعي تفاقم في الأشهر الأخيرة مع ازدياد معاناة المواطنين، مشدداً على أهمية أن تكون "السياسات العامة في خدمة حاجات المواطنين".
وفي مارس/آذار الماضي خفضت وكالة "فيتش" الدولية للتصنيف الائتماني، تصنيف تونس السيادي من مرتبة "B-" إلى "CCC".
وقالت الوكالة إن "هذا التصنيف يعكس مخاطر السيولة المالية والخارجية المتزايدة في سياق المزيد من التأخير في الاتفاق على برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي".
وتوقعت أن يستمر العجز في ميزانية تونس عند مستويات مرتفعة في حدود 8.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، مقارنة بنسبة 7.8 بالمئة العام الماضي 2021.