من النشاط إلى الركود.. لماذا تجمدت أندية الدوري التونسي في الميركاتو؟
سادت حالة من الركود بين الأندية التونسية في سوق الانتقالات الصيفي لموسم 2022-2023، على غير المعتاد في السنوات الأخيرة.
ورغم أن سوق الانتقالات الصيفية بدأ منذ مطلع يوليو/ تموز الحالي، إلا أن السبات كان واضحا على تحركات الأندية التونسية في أسوأ أزمة ركود منذ سنوات.
ويقول الصحفي والناقد الرياضي مجدي السعيدي "تعيش 99% من الأندية وضعا اقتصاديا مزريا وأزمة مالية خانقة لعدة أسباب، أهمها غياب عائدات بيع التذاكر بسبب خوض المباريات دون حضور جمهور لمدة 10 أعوام تقريبا، إضافة إلى تراجع تسويق اللاعبين التونسيين نحو الدوريات الأوروبية والخليجية الذي كان يدر عائدات مالية مهمة للأندية".
وأضاف "الأزمة المالية في البلاد شملت كل القطاعات وأثرت بشكل كبير على المؤسسات التي يمتلكها رجال الأعمال، الذين يترأسون الأندية، مما دفعهم للاستقالة من مناصبهم، مثل منصف خماخم رئيس الصفاقسي ورضا شرف الدين رئيس النجم الساحلي، وبالتالي تراجع تمويل الأندية".
وباستثناء الترجي، الذي حافظ على توازنه المالي، تعاني أندية الأفريقي والصفاقسي والنجم الساحلي من أزمة مالية خانقة، إذ عجزت عن تسديد ديونها المستحقة للاعبين ومدربين سابقين، لتواجه عقوبة المنع من إبرام صفقات، وبالتالي الغياب عن سوق الانتقالات.
ولا يبدو أن الأندية الثلاثة قادرة على استعادة توازنها المالي وتسديد ديونها المتراكمة في الفترة الحالية للدخول في سوق الانتقالات الصيفية وتعزيز تشكيلتها قبل انطلاق الموسم الجديد.
ولم تكن الأزمة المالية وليدة اللحظة، بل هي نتاج الإنفاق الكبير في المواسم السابقة مع انخفاض الإيرادات لتراجع عائدات حقوق البث التلفزيوني وبيع تذاكر المباريات.
وتابع السعيدي قائلا لوكالة "رويترز": "الأندية أصبحت عاجزة عن توفير ميزانية خاصة بالتعاقدات وتوفير مبالغ مالية لضم لاعبين جدد.. كل الأندية تقريبا غارقة في الديون الناتجة عن انتدابات عشوائية وفاشلة وسوء تصرف في التعاقد مع لاعبين".
وأضاف "في الأعوام السابقة صرفت مبالغ طائلة على التعاقد مع لاعبين قيمتهم الفنية والكروية ضعيفة، مما اضطرها للتخلي عنهم والدخول معهم في نزاعات وقضايا وصلت أروقة الفيفا والمحاكم الرياضية الدولية وكلفها المنع من إبرام صفقات جديدة.
وأكمل "التعاقدات العشوائية السابقة جعلت الأندية غارقة في الديون وغير قادرة على التعاقد مع لاعبين جدد في الفترة الصيفية الحالية باستثناء الترجي، الذي لم تصله الأزمة ويملك مجلس إدارة ينفق بسخاء".
وأكد أنه "لم تدخل بقية الفرق بعد سوق الانتقالات بسبب الأزمة المالية وعقوبات الحرمان من إبرام صفقات".
وأنفقت الأندية ببذخ على عقد صفقات ودفع رواتب اللاعبين والمدربين في الأعوام السابقة، لتفقد السيطرة على توازنها المالي وتسقط في أسوأ أزمة مالية.
وفي وقت سابق، استبعد يوسف العلمي رئيس الإفريقي، قدرة إدارة النادي على تسديد ديونه السابقة ورفع عقوبة المنع من عقد صفقات، وقال إنه من الصعب تحقيق المعادلة بين سداد الديون لرفع عقوبة المنع من التعاقد مع لاعبين جدد وتوفير الأموال لتسيير الشؤون اليومية للفريق.
ولا يبدو حال النجم الساحلي والصفاقسي أفضل، إذ يواجه المنافسان التقليديان على لقب الدوري التونسي مشكلات مالية حادة.
ويقف الصفاقسي عاجزا أمام هجرة أبرز لاعبيه بسبب عجز النادي عن تسديد مستحقاتهم المالية قبل تجديد عقودهم، بينما لن يكون بوسعه التعاقد مع لاعبين جدد بسبب عقوبة المنع من التعاقدات.
الترجي يستغل الموقف
يعد الترجي، صاحب الرقم القياسي برصيد 32 لقبا في الدوري، المستفيد الأكبر من أزمة منافسيه التقليديين بعدما وجد الفريق المتوج بلقب الدوري للموسم السادس على التوالي، نفسه دون منافسة في سوق الانتقالات الصيفية.
وعزز الترجي تشكيلته بالتعاقد مع حسام دقدوق ومحمد بن علي ثنائي دفاع الصفاقسي، وعزيز فلاح لاعب وسط النجم الساحلي في صفقة انتقال مجاني.
كما يسعى الترجي إلى مواصلة تعزيز تشكيلته بلاعبين آخرين من أجل المنافسة على لقب دوري أبطال أفريقيا ومواصلة هيمنته المحلية.
تقليص عدد الأجانب
وفي خطوة لمنع الأندية من مواصلة الانفاق والانزلاق إلى مزيد من الديون، قرر الاتحاد التونسي وقف تسجيل لاعبي دول شمال أفريقيا كلاعبين محليين وتقليص عدد اللاعبين الأجانب.
وسيكون على كل فريق الاكتفاء بقيد 6 لاعبين أجانب في الموسم المقبل، ثم يتقلص هذا العدد إلى 4 لاعبين في الموسم الذي يليه.
وقال السعيدي "إنه حل اضطراري اتخذته الجامعة (اتحاد الكرة) للضغط على التكاليف، وذلك بعد دراسة قامت بها، كشفت أن مشاكل الديون والنزاعات التي تواجهها الأندية في أروقة المحاكم الرياضية الدولية سببها الأجانب في الدوري.
وشدد على أن "القرار سيجبر الأندية على تقليص الإنفاق على التعاقدات مع لاعبين وتخفيف الديون".
فرصة سانحة للشباب
وربما يكون هذا القرار فرصة لظهور اللاعبين الشباب، إذ تضم الأندية التونسية العديد من اللاعبين الشبان، لكنهم يشتكون دائما من ندرة فرص اللعب باستمرار في التشكيلة الأساسية لاكتساب الخبرة.
وبرز في صفوف الأفريقي ثنائي الهجوم الواعد آدم قرب وحمدي العبيدي ولاعب الوسط ياسين الدريدي، فيما تألق محمد الضاوي وراقي العواني في تشكيلة النجم الساحلي، بينما يستعد الصفاقسي لمنح الفرصة للاعبين من الفريق الثاني.
وتأمل الأندية التونسية أن يتطور أداء الجيل الجديد من اللاعبين الموسم المقبل.
من جهته قال لاعب منتخب تونس السابق أنيس العياري، إن "هذا القرار سيعود بمنفعة كبيرة على البطولة"، واعتبر أنها خطوة إيجابية لمستقبل الدوري التونسي.
وأوضح "سياسة التعاقدات السابقة كانت فاشلة، حيث لم يقدم اللاعبون الأجانب ولاعبو شمال أفريقيا الإضافة لمسابقة الدوري، بل بالعكس دفعوا الأندية نحو دوامة من المشاكل المالية وتراكم الديون".
وتابع "ستضطر الأندية للتعويل على اللاعبين الشباب ومنحهم الفرصة للعب وتطوير مستوياتهم واكتساب الخبرة.. إنها فرصة لبروز جيل جديد من اللاعبين الموهوبين".
واختتم "القرار سيفسح المجال للاعبين الشبان للبروز والتألق ويكبح جماح الأندية في التعاقد مع لاعبين أجانب لم يقدموا الإضافة الفنية والكروية".
ويستعد الأفريقي والنجم الساحلي والصفاقسي للدفع بأبرز لاعبي الفريق الثاني في الموسم المقبل بعد منع الأندية من التعاقدات.
aXA6IDE4LjExOS4xMTMuNzkg جزيرة ام اند امز