تتهرب أنقرة من الاتفاقيات الدولية التي تُرغمها على مدّ سوريا والعراق بالمياه من نهري دجلة والفرات.
يبدو أن حرب تركيا الحالية ضد سوريا والعراق سيطول أمدها حتى لو أنهت الهجمات العسكرية التي تشنها منذ سنوات على أراضي كلا البلدين بذريعة حماية أمنها القومي، رغم أن كل المناطق التي تستهدفها أنقرة تقع خارج حدودها البرّية، فما هو السلاح التالي الذي ستلجأ لاستخدامه ضد الدولتين الجارتين؟.
إن المعطيات الميدانية على الأرض في سوريا والعراق تشير إلى نيّة الجيش التركي في فرض سياسة أمر واقعٍ جديد، من خلال التغيير الديمغرافي للتركيبة السكانية في المناطق التي يحتلها، لكنه يفشل في تحقيق هذا الهدف بالشكل المطلوب، ولا يختلف الوضع كثيراً في شمال العراق وإقليم كردستان عن الحال في سوريا، فالجيش التركي يحاول أيضاً تغيير ديمغرافية المناطق التي تمكّن من الانتشار فيها، لكنه رغم ذلك لم يستطع التقدّم أكثر أو تهجير السكان بالحجم المطلوب من بيوتهم في قراهم وبلداتهم المأهولة والواقعة على الحدود العراقية ـ التركية. ولذلك تلجأ أنقرة لاستخدام سلاحها الجديد ضد سوريا والعراق وهو المياه.
لقد بنت أنقرة سدّ إليسو العملاق على نهر دجلة داخل أراضيها وقد ملأته السلطات المختصة في بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي دون أي اعتبارٍ لآثاره الداخلية أو الخارجية الكارثية. فعلى الصعيد التركي غُمِرت مدينة "حسن كيف" الكردية التاريخية وهُجِر منها سكانها، ومن ناحية أخرى أدى هذا الأمر إلى انخفاض منسوب مياه النهر في كلّ من سوريا والعراق.
ولا تقتصر المشاريع التركية المائية على نهر دجلة وحده، فعشرات السدود بُنيت على نهر الفرات أيضاً والهدف الدائم لأنقرة هو استخدام الثروة المائية كسلاحٍ ضد سوريا والعراق، خاصة وأن كلا البلدين يعتمدان على النهرين لتوليد الكهرباء وري الأراضي الزراعية وكذلك استخدام مياههما للشرب.
وكذلك تتهرب أنقرة من الاتفاقيات الدولية التي تُرغمها على مدّ سوريا والعراق بالمياه من نهري دجلة والفرات وتتخطى الاتفاقيات الثنائية المبرمة معهما. ولهذا كله قد نكون أمام كارثة كبيرة في حال استمرار هذا الوضع الذي ربما قد يرغم سكان الشمالين السوري والعراقي على الهجرة من مناطقهم دون هجماتٍ عسكرية تركية مباشرة، خاصة وأن معظمهم يعتمدون على الزراعة.
والحرب التركية وصلت إلى حدّ قيام الجيش التركي ومعه الجماعات المسلحة المؤيدة له بقطع المياه عن أكثر من مليون شخصٍ الأسبوع الماضي في محافظة الحسكة السورية ،علماً أنها لا تُستخدم للري أو توليد الكهرباء وإنما تغذي بيوت سكان المحافظة من منطقةٍ فيها تضم محطة مياه رئيسية، وقعت تحت سيطرة أنقرة بعد هجومها الأخير على سوريا أوائل اكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وبالتالي تستخدم أنقرة سلاح المياه ضد سوريا والعراق دون أي تردد، وسيكون لذلك آثاره المدمّرة أكثر من الحرب التي تشنها عسكرياً على كلا البلدين، لذا من الضروري أن تلجأ السلطات السورية والعراقية إلى البحث عن بديلٍ مائي جديد قد يكون بحفر الآبار بشكلٍ كثيف في المناطق المتضررة من سياسات أنقرة العدوانية، أو اللجوء إلى مجلس الأمن والمنظمات العربية والدولية كالأمم المتحدة للضغط عليها وإجبارها على الالتزام بالمعاهدات الدولية، لمنح سوريا والعراق حصتهما المشروعة من المياه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة