في أزمة استغلال اللاجئين.. رهانات تركيا تقودها لمآلات خاسرة
أردوغان وظف أزمة اللاجئين وحصل على ميزات عدة إلا أن سياسة رفع العصا الغليظة في وجه أوروبا قد تفرز تداعيات خطرة على تركيا.
بعد أكثر من 3 أعوام على اتفاق اللاجئين بين تركيا والدول الأوروبية في عام 2016، عادت الأزمة لتكتسب أهمية وزخمًا خاصًا في دول الاتحاد الأوروبي من جديد بعد استغلال مخزٍ لها من قبل أنقرة.
واتهم الاتحاد الأوروبي الرئيس التركي رجب أردوغان بالاستغلال المخزى لأزمة إنسانية، وذلك بعد تهديد أنقرة في 5 سبتمبر/أيلول الجاري، بفتح الحدود أمام اللاجئين السوريين للوصول إلى أوروبا، في حال لم تحصل أنقرة على مساعدات مالية كافية، ودعم لإقامة منطقة آمنة في الشمال السوري.
ويُعِدَ أردوغان ورقة اللاجئين نعمة مكنته بعض الوقت من الضغط على أعصاب أوروبا للحصول على مساعدات مالية، عبر إبرام اتفاق في مارس/آذار 2016 لوقف عبور المهاجرين من أراضيها إلى أوروبا مقابل مساعدات مالية كبيرة، حصلت منها تركيا على 5,6 مليار يورو من أصل 6 مليارات.
كما وظف أردوغان ورقة اللاجئين من أجل تقليص الانتقادات الأوروبية لأنقرة بفعل توجه السلطة نحو تكريس الممارسات السلطوية، والانخراط السلبي في أزمات الإقليم.
والواقع أن أزمة اللاجئين عادت لتثير قلق أوروبا بعد تراجع سيطرة أنقرة على حدودها وتزايد أعداد اللاجئين المتدفقين من تركيا باتجاه الجزر اليونانية بشكل كبير، بينما لا تفي الحكومة التركية بالتزاماتها بموجب اتفاق اللاجئين.
دوافع متعددة
تتعدد الدوافع وراء تصاعد حملات العنصرية ضد السوريين في تركيا، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:
استيعاب الضغوط: يسعى أردوغان لاستثمار ورقة اللاجئين لممارسة أكبر قدر من الضغوط على الاتحاد الأوروبي من أجل دفعه إلى اتخاذ إجراءات أكثر فعالية بشأن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، وتخفيف انتقادات الاتحاد للسلوك التركي السلطوي في الداخل.
على صعيد متصل، تسعى أنقرة عبر تهديد أوروبا بأزمة اللاجئين لاستيعاب ضغوط الاتحاد الأوروبي الذي يعارض عمليات تنقيب تركيا في شرق المتوسط عن الغاز.
وبسبب استمرارها في عمليات التنقيب عن الغاز قبالة سواحل قبرص شرق البحر المتوسط، أقر الاتحاد الأوروبي في يوليو الماضي عقوبات على تركيا، منها تعليق المفاوضات حول اتفاق النقل الجوي الشامل مع تركيا ووقف اجتماعات مجلس الشراكة والاجتماعات رفيعة المستوى مع تركيا في الوقت الحالي.
كما وافق على اقتراح المفوضية بتخفيض مساعدات تركيا قبل الانضمام لعام 2020 ودعا بنك الاستثمار الأوروبي إلى مراجعة أنشطة الإقراض في تركيا.
ابتزاز أوروبا مالياً: تتعامل أنقرة مع قضية اللاجئين بهدف الحصول على مزيد من المساعدات المالية من الاتحاد الأوروبي.
وحملت تصريحات أردوغان الأخيرة رسالة مفادها أن أنقرة قادرة على إزعاج الاتحاد عبر إغراقه باللاجئين، ولذا يجب على الأوروبيين الالتزام بالدعم المالي المطلوب؛ لأنهم ليسوا في مأمن من تزايد اللاجئين.
وربما تسعى تركيا التي تعاني حالة من التدهور والركود التي لحقت باقتصادها، وأدت إلى تراجع قيمة الليرة التركية، إلى إطالة أمد أزمة اللاجئين بهدف استغلالهم كورقة ضغط سياسي والحصول على مزيد من المساعدات المالية، وكذلك تحفيز الاتحاد الأوروبي على ضخ مزيد من الاستثمارات في شريان الاقتصاد التركي، خاصة أن ما يقرب من 60% من الاستثمارات الأجنبية في تركيا هي أوروبية بالأساس.
وكانت دول أوروبية قد سحبت جزءا من استثماراتها في تركيا بفعل تصاعد المخاوف من توترات الداخل التركي، وتعاظم المخاطر الجيوسياسية بسبب تدخل تركيا السلبي في أزمات الإقليم.
جلب ضغط أوروبي لتمرير المنطقة الآمنة: تريد تركيا التي تحتضن ما يقرب من 3,6 مليون لاجئ سوري إقامة منطقة آمنة بالقرب من الحدود مع سوريا، وعللت طلبها بوجود تهديد بنزوح الملايين من اللاجئين الجدد من مدينة إدلب السورية.
وفي مسعى للضغط على أوروبا لدعم إنشاء المنطقة الآمنة، هدد أردوغان في تصريحات له في 5 سبتمبر الجاري بإغراق أوروبا باللاجئين.
وحمل التهديد في مضمونه رسائل عدة من بينها ما أشار إليه فعلياً نائب الرئيس التركي، فؤاد أوقطاي، في 6 سبتمبر الجاري عندما قال إن "تركيا ليست حارسة لأي دولة ولا مستودع مهاجرين، وليست أيضا بلدا يدفع فاتورة الأزمات التي افتعلها الآخرون".
فضلا عن أنه يحمل مطالبة تركيّة تدفع الاتحاد الأوروبي للانضمام إلى حملة أنقرة للضغط على الولايات المتحدة من أجل التسريع بإنشاء المنطقة الآمنة في شرق الفرات، وذلك سعياً من أنقرة لكسب دعم الأوروبيين في الضغط على واشنطن حيال هذا الملف.
التحايل على تصدع بناء الحزب الحاكم: تتزايد مساحة التصدع الذي يشهدها بنيان حزب العدالة والتنمية، والتي وصلت ذروتها عشية الانتخابات البلدية في مارس الماضي، وانتهت بخسارة الحزب للمدن الكبرى، وفتحت الباب أمام انكشاف حالة التوتر داخل الحزب، وبدا ذلك في استقالة عدد كبير من أعضائه، إضافة إلى إحالة قيادات ورموز تاريخية، في الصدارة منهم أحمد داود أوغلو منظر الحزب إلى التأديب تمهيداً لطرده.
وفي هذه البيئة الضاغطة، ترى نخب الحكم أن ملف اللاجئين ورقة رابحة لاستنزاف أوروبا مالياً من جهة، ومن جهة ثانية استعادة ثقة الرأي العام التركي في سياسات الحزب، خاصة بعد أن كشفت استطلاعات الرأى عن تراجع نسب التأييد للحزب وسط قواعده التقليدية.
دعاية سياسية: إن حديث أردوغان مؤخرا عن فتح الحدود، وإغراق أوروبا باللاجئين لا يعدو كونه دعاية سياسية، لنظامه السياسي الذي يشهد تراجعاً في مناعته الإقليمية والدولية للسياسة ناهيك عن محاولة منع توظيف بعض التيارات المعارضة في الداخل لأزمة اللاجئين، التي كانت إحدى الأوراق الرابحة للمعارضة في الانتخابات المحلية، حيث تحدثت بصورة مكثفة عن التخوفات من تأثير اللاجئين المقيمين في تركيا على الهوية، ومنافستهم للأتراك في سوق العمل في ظل تدهور الوضع الاقتصادي لأنقرة.
ومع نجاحات المعارضة في كشف مخاطر سياسة الباب المفتوح الذي اعتمدها حزب العدالة والتنمية تجاه التعامل مع أزمة اللاجئين، عاد الحزب الحاكم لتغيير خطابه السياسي وسياساته تجاه اللاجئين السوريين سواء بالتشدد في منح تصاريح العمل أو تقييد حركة اللاجئين إضافة إلى تشجيع العودة.
مآلات خاسرة
رغم أن أردوغان تمكن من توظيف أزمة اللاجئين للضغط على أوروبا ونجاحه في الحصول على ميزات مالية وسياسية؛ فإن تبني سياسة رفع العصا الغليظة في وجه أوروبا قد تفرز تداعيات خطرة على تركيا، منها مضاعفة تشويه الصورة الذهنية لتركيا في الغرب، خاصة مع توبيخ حكومات أوروبية، وبخاصة ألمانيا للسلوك التركي تجاه أزمة اللاجئين، خصوصاً أن الإجراءات المتشددة مؤخراً تجاه اللاجئين السوريين في إسطنبول، وترحيل الذين لا يحملون أوراق ثبوتية، كانت تداعياتها مؤلمة على أوروبا.
ودفع السلوك التركي الخشن بعض اللاجئين للرحيل إلى جهة بلغاريا ورومانيا للعبور إلى ألمانيا أو النمسا وفقاً لمعلومات أصدرتها EUROPOL المؤسسة الأوروبية المسؤولة عن التنسيق الأمني على الحدود الأوروبية.
وفي أغسطس/آب الماضي انتقل 8103 مهاجرين من تركيا إلى جزر بحر إيجة اليونانية، بحسب بيانات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
ويوجد على هذه الجزر حاليا نحو 24 ألف مهاجر، يبحثون عن الحماية في أوروبا.
في المقابل، قد تصبح عضوية تركيا في العائلة الأوروبية مستحيلة، خاصة بعد مماطلة تركيا في تطبيق اتفاق اللاجئين 2016، الذي ينص على إعادة المهاجرين إلى تركيا، إذا تبين انتقالهم بشكل غير شرعي إلى الجزر اليونانية ولم يحصلوا على لجوء في اليونان.
إلى جانب ذلك، قد تخسر الحكومة التركية مساعدات أوروبية يمكن أن تعزز قدرتها على مواجهة تبعات الأزمة الاقتصادية، باعتبار أن التوتر في العلاقات بين الطرفين أدى إلى تراجع المساعدات التي تقدمها أوروبا إلى تركيا، حيث قررت المفوضية الأوروبية، في 27 سبتمبر/أيلول 2018، تخفيض مساعداتها إلى أنقرة، ووصلت نسبة التخفيض إلى 40% خلال الفترة من 2018 و2020.
في سياق متصل، ربما تفقد تركيا دعم أوروبا لحماية مصالحها في سوريا، وفي الصدارة منها تعزيز إقامة منطقة آمنة، خصوصاً أن أوروبا لم يعد بإمكانها تجاهل أن السياسة التركية في المنطقة أسهمت في عرقلة جهود تسوية أزمات الإقليم، وبخاصة الأزمة في سوريا وليبيا.
خلاصة القول إن تهديد أردوغان بشأن إغراق أوروبا باللاجئين يعبر عن توجه تركي مستقر تجاه الغرب، في ظل الثبات المستمر في السياسة التركية تجاه الاستغلال السياسي لأزمة اللاجئين، واعتبارها نعمة لا يمكن تعويضها في ابتزاز العائلة الأوروبية التي تناهض لحاق تركيا بعضويتها.
فضلاً عن إبداء اتجاهات أوروبية عديدة شكوكًا في مدى إمكانية التعويل على تركيا في الوقت الراهن بشكل يضع حدودًا للمسارات المحتملة التي قد تتجه إليها أزمة اللاجئين خلال المرحلة المقبلة.
aXA6IDMuMjEuNDYuNjgg
جزيرة ام اند امز