أردوغان المسكون بجنون العظمة وأوهام الخلافة وخيالات الهيمنة والنفوذ واستعادة مجد الخلافة العثمانية.
في تركيا، كان الاقتصاد هو الرافعة الكبرى التي صعد عليها أردوغان وحزبه، وربما يكون هو الرافعة الكبرى نفسها التي ستسقطه أمام شعبه وناخبيه، بينما هو مشغول باستغلال الجيش التركي إلى أقصى مدى لمصالحه الشخصية لا لمصالح بلاده.
لا يفكر عاقل يوشك اقتصاده على الانهيار، وعُملته تهوي لمستويات تاريخية، في التوسع عسكرياً، لأن ذلك يمثل وصفة ذهبية لتدمير الدول، وضمان عدم قدرتها على الصعود والتعافي مجدداً، بمعنى أن الخيار الواعي الذي يتخذه أردوغان هو خيار شمشون ضد الفرقاء السياسيين داخل بلاده، فهو لا يريد ترك المنصب الذي صنعه على عينه على مدى سنواتٍ طويلة، وغيّر لأجله الدستور وهيكل الدولة لأي أحد آخر، ولا يريد ترك قيادة الدولة إلا وهي منهارة، بحيث لا يدع مجالاً للقادم بعده إلا للغوص في أوحال تاريخية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه دون أي وقت لمحاسبة أردوغان، على كل ما ارتكبه خلال سنوات حكمه.
يبدو محل اتفاق أن المؤسسة الوحيدة، التي لم تتأثر بالفشل الاقتصادي وانهيار العملة في تركيا هي مؤسسة الجيش، وبالتالي فهي الخيار الوحيد أمام أردوغان.
وأردوغان المسكون بجنون العظمة وأوهام الخلافة وخيالات الهيمنة والنفوذ واستعادة مجد الخلافة العثمانية، بدأ في التفريط والغفلة عن واقع بلاده، ونسي تماماً مستقبلها، فبعد تدمير الاقتصاد وتدمير الجيش، لن يبقى لتركيا الكثير لتعيش عليه في المستقبل.
الجيش التركي مشتتٌ في العديد من البلدان، فقسمٌ منه في الصومال، وقسمٌ آخر في قطر، وهو يعاني في ملاحقة الكرد في شمال العراق، وينتهك سيادة الدولة العراقية، وهو لم يتخلص بعد من تبعات الدعم اللامحدود، الذي قدمه للإرهابيين في تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة»، وها هو يكلّف بمهمة جديدةٍ وخطيرة، تتمثل في استعمار الدولة الليبية، ويسعى لبسط سيطرته على بحرٍ بحجم البحر الأبيض المتوسط، ويتحرش بشكل خارج عن القوانين الدولية بدولة اليونان والدولة المصرية، وهي مغامرات منهكةٌ للدول العظمى ذات الاقتصاد القوي والمتماسك، فكيف بدولة شبه منهارة واقتصادٍ عليلٍ وعملةٍ متهالكة.
الرهان التركي في الدول العربية قائم بأكمله على أوهام الأيديولوجيا، لا على حقوقٍ معترفٍ بها ولا على مصالح ثابتةٍ ومستقرة ومستمرة، ولذلك لا تجد عربياً يخدم المستعمر التركي، إلا وهو ينتسب لجماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة «الإخوان المسلمين»، فهم من كافة الدول العربية عندما يفشلون يلجؤون لتركيا، ويعيشون فيها بأموال قطر التي تشكل مع تركيا، منذ ما كان يعرف بـ«الربيع العربي»، مركز الثقل الجديد للإسلام السياسي والإرهاب.
«الإخوان» الخونة بلا دينٍ ولا أخلاقٍ، ولذلك فكل خائنٍ منهم يجد طريقه إلى تركيا، وحماقة الرهان على هؤلاء الخونة بالنسبة لتركيا تكمن في أن قيمة هؤلاء جميعاً، كانت عندما كانوا في بلدانهم يستطيعون الخيانة والغدر، أما بعد انكشاف عمالتهم وخيانتهم، فهم مجرد عبء لا تطيق تحمّله تركيا ولا قطر، ويكفي هنا استحضار الصراع العلني بين أجنحة الإسلام السياسي والعروبيين الإسرائيليين الموالين لتركيا وقطر، والشتائم المقذعة المتبادلة بين الطرفين.
وأخيراً، فقد خرجت كل منظومة الإسلام السياسي والدول الداعمة لها عن طورها، بعدما تم إسقاط مشروعهم في مصر وعدد من الدول العربية، فحَقَدَ أردوغان على السعودية والإمارات ومصر، وبدأ يتخبط في سياساته وقراراته، كما بدأت حليفته قطر عاجزة عن احتواء خلافات المرتزقة من «الإخوان» وغيرهم، فلم يبق لهم إلا الهروب إلى الأمام والقفز في المجهول.
نقلا عن الاتحاد الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة