تركيا ومصر في 2022.. اختراقات بمسار العلاقات
اختراق شهدته العلاقات المصرية التركية في 2022 يعقب مدا وجزرا ويمهد الطريق نحو مرفأ تطبيع سيشكل النقلة الأكبر بمسار العلاقات الثنائية.
2022، العام الذي يعتبره خبراء عام الاختراق في العلاقات المصرية التركية، لا سيما بعد المصافحة التاريخية بين الرئيسين عبدالفتاح السيسي ورجب طيب أردوغان، بمونديال كأس العالم في قطر؛ بعد تعثر في مسار تطبيع العلاقات، وعام استكشافي للعلاقات بين البلدين (2021).
هذا ما أكده محللون سياسيون في أحاديث خاصة لـ"العين الإخبارية"، مرجحين في الوقت ذاته أن يشهد 2023 نقلة أكبر في العلاقات وانفراجة جيدة بعودة سفيري البلدين، على أن يتم تطبيع العلاقات فى الشهور الأولى شريطة أن تلتزم تركيا بأغلب المطالب المصرية وأبرزها الملف الليبي وشرق المتوسط.
وفي 2022، أبدى الجانب التركي، في أكثر من تصريح رسمي وموقف عملي، رغبة حثيثة في الانتقال بعلاقاته مع مصر إلى دائرة أخرى أوسع وأرحب، في ظل مقاربة جديدة تركز على ضرورة التسريع بمستوى العلاقات الثنائية، وعدم بقائها رهن القنوات الحالية على الصعيدين الأمني والاستخباراتي، في إطار ما يجري من تطورات في الإقليم وخارجه.
وطرقت تركيا أبواب القاهرة عبر مواقف عملية منذ بداية العام تتعلق بالعلاقات الثنائية، فأقدمت على خطوات لإبداء حسن نواياها تجاه القاهرة بتصفية منصات إعلامية إخوانية دأبت على الهجوم على القيادة السياسية في مصر، منذ عدة شهور.
لكن مسار تطبيع العلاقات تعثر قليلا، مع إعلان القاهرة على لسان وزير خارجيتها سامح شكري، أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، توقف الجلسات الاستكشافية بين بلاده وأنقرة.
وقال حينها إنه "لم تطرأ تغيرات في إطار الممارسات من قبل أنقرة"، مشيراً إلى غضب مصر من الوجود العسكري التركي في ليبيا، ومؤكداً أن "من الأمور التي تثير القلق هو عدم خروج القوات الأجنبية من ليبيا حتى الآن".
وترفض القاهرة الوجود العسكري لتركيا في ليبيا ضمن منطقة تعتبرها عمقاً استراتيجياً لأمنها الوطني، كما تتمسك بإدانة ما تعتبره "تدخلات أطراف إقليمية من بينها أنقرة في الملفات والأزمات العربية".
ولاحقا، بدأت العلاقات في العودة للتحسن، ومثل تسلم القائم بأعمال السفارة التركية في القاهرة صالح موتلو مهام عمله في يونيو/حزيران الماضي الصعود الأهم في العلاقات، وما تلاه من مشاركة وفد مصري رفيع المستوى ضم مسؤولين من جهاز الاستخبارات المصرية في لقاء دولي استضافته تركيا حول الأزمة الليبية في 21 من يوليو (تموز) الماضي.
ثم جاءت النقلة الأبرز في العلاقات خلال العام، بمصافحة السيسي وأردوغان، في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، على هامش افتتاح بطولة كأس العالم بقطر، وهو ما أذاب كتلة الجليد بينهما وأعطى دفعا للمصالحة بعد سنوات من التوتر والخصام، على خلفية الإطاحة بحكم الإخوان من مصر بثورة شعبية.
اختراق
في تعقيبه حول مسار العلاقات في 2022.، اعتبر الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن 2022 بمثابة عام الإنجازات بالنسبة للعلاقات المصرية التركية، وذلك بعد عام استكشافي أو استطلاعي للعلاقات بين البلدين (2021) جرت خلاله اتصالات تمهيدية، ولقاءات دبلوماسيين.
وقال فهمي إن "2022 كان عام الاختراق فى المواقف، لا سيما بعد المصافحة التاريخية بين الرئيسين المصري والتركي، حيث لعبت دولة قطر دور الوسيط المباشر لتقريب وجهات النظر".
وشهد العام -بحسب فهمي- محاولات حثيثة للتقارب التركي تجسدت في تصريحات هامة صدرت من أردوغان ووزير الخارجية وكبار المسؤولين الأتراك، والتي أكدت في مجملها أن مصر دولة مهمة ومحورية يجب التنسيق معها، وضرورة وجود مقاربة جديدة.
تصفير المشاكل
ورأى فهمي أن تصريحات الرئيس التركي الإيجابية تجاه مصر، أمر يرتبط في جانب منه بسياسة "صفر مشاكل" فى الإقليم، وآخر مرتبط بالانتخابات الرئاسية والنيابية القادمة، وشعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم والضغوطات التي يتعرض لها من المعارضة.
وعلى الجانب المصري، قال الأكاديمي المصري المختص في الشأن الدولي، إن القاهرة التزمت بالتهدئة، وأطلقت رسائل مباشرة تعلقت بجملة من المطالب على صعيد العلاقات الثنائية، والإقليمية.
وإذ يرى على صعيد العلاقات الثنائية تجاوبا تركيا نسبيا مع مطالب القاهرة فى بعض الملفات الخاصة بجماعة الإخوان، ووقف تحريض بعض منصاتها الإعلامية ضد مصر، أكد فهمي أنه على الصعيد الإقليمي، هناك ملفات عالقة ومحل خلاف سواء في ليبيا خاصة بعد إعلان القاهرة ترسيم حدودها من جانب واحد أو شرق المتوسط، علاوة على التدخلات التركية في العراق وسوريا.
نقلة نوعية
وتوقع "فهمي" أن يشهد عام 2023 نقلة أكبر في العلاقات وانفراجة جيدة بعودة سفيري البلدين، مرجحا أن يتم تطبيع العلاقات في الشهور الأولى شريطة أن تلتزم تركيا بأغلب المطالب المصرية.
وأوضح أن "تركيا تريد في العام الجديد مقاربة شبيهة كالتي جرت مع إسرائيل، وتمثلت في وجود تطبيع فى العلاقات، دون الاتفاق فى كافة القضايا وتكون هناك ملفات قيد الدراسة، مثل مسألة ترسيم الحدود وشرق المتوسط، والملف الليبي خاصة بعد إعلان القاهرة ترسيم حدودها من جانب واحد".
وبحسب الخبير، فإن "مصر ليس لديها مشكلة فى استئناف العلاقة شريطة أن تلتزم تركيا وأن تكون فى مقاربة واضحة وأن يكون هناك حرص على تعميق العلاقات المشتركة بين البلدين".
من جهته، قال الدكتور بشير عبد الفتاح، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، إن عام 2022 شهد نقلة نوعية، واختراقا فى العلاقات التركية المصرية بمصافحة الرئيس عبد الفتاح السيسي لنظيره التركي فى قطر خلال افتتاح كأس العالم.
وأضاف أن هذا العام شهد جولتين من المباحثات الاستكشافية بين مصر وتركيا لكنهما لم تسفرا عن تطور يذكر، وقد يتوقف الأمر عند هذا الحد خاصة أن الانتخابات التركية فى يونيو/حزيران القادم، مشيرا إلى أن الرئيس التركي لا يبدو مستعدا لتقديم مزيد من التنازلات في القاهرة إلا إذا حدثت مفاجآت.
وأشار إلى أن "أردوغان بدأ التركيز على الجانب السوري، حيث يتطلع إلى لقاء مع الرئيس السوري، ما يعني أن المسار السوري سيكون أسرع نسبيا من المسار المصري، وإمكانية التفاهم مع سوريا أكبر بكثير من القاهرة؛ لأن الملفات مع القاهرة خلافية مثل ملف ليبيا وشرق المتوسط".
بملعب أردوغان
بالنسبة للخبير المصري، فإنه "ربما يكون معدل التقارب مع دمشق أسرع، وقد يستبدل الرئيس أردوغان المسار السوري بالمسار المصري إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا ما لم تحدث مفاجآت".
ولفت عبد الفتاح إلى أن "إيران وروسيا تتحركان في المسار السوري للتقريب بين دمشق وأنقرة، بينما لا توجد مساع حثيثة بشأن التقارب المصري التركي باستثناء بعض المحاولات القطرية، بالتالي فإن معدل التطور فى العلاقات بين القاهرة وأنقرة سيكون بطيئا لحين إجراء الانتخابات التركية في يونيو/حزيران المقبل".
وعلى الجانب المصري، يتابع الخبير، فإن القاهرة ليست متعجلة لكنها تمضي بهدوء بعد أن وضعت خارطة طريق واضحة وشروطا محددة للتقارب مع تركيا، ورهنت إحداث نقلة نوعية في العلاقات بمدى التزام الأخيرة بتطبيق هذه الشروط.
وأضاف أن "الكرة في ملعب الرئيس التركي الذى قد يركز على سوريا في المرحلة المقبلة".