أردوغان يقود تركيا منذ سنوات إلى ساحة الحروب ليتجاوز معادلة "صفر مشاكل" إلى معادلة "صناعة الأزمات".
تشهد تركيا اليوم وضعاً صعباً بسبب سعي أردوغان إلى فرض أجندته على المنطقة والشعب التركي.. فقد التهم التضخم أموال الأتراك بعد أن فقدت الليرة التركية أكثر من 20% من قيمتها خلال أقل من عام، تزامنا مع تدخلات أردوغان في العراق وسوريا وغيرهما من دول الإقليم، ودعم تنظيم الإخوان الإرهابي وأجندته الشيطانية.
لا يشك أحد أن تركيا تدفع اليوم ثمن سياسة أردوغان المتهورة التي دفعت شعوب الخليج العربي إلى الحديث عن مقاطعة السياحة التركية بسبب تصرفات أردوغان السياسية، ناهيك عن الأسباب الأخرى مثل انتشار السرقة وتفشّي حوادث الاعتداء على السياح العرب والخليجيين منهم خاصة، بسبب تزايد معدلات الكراهية التي نشرها أردوغان وحزبه من خلال خطاباتهم السياسية ومشاريعهم الإيديولوجية.
هل يمكن التغاضي عن سمعة تركيا التي تلطخت بالسواد بسبب الكشف عن دور نظام أردوغان في احتضان الآلاف من الإرهابيين الدواعش وتسهيل دخولهم وخروجهم عبر المعابر الحدودية التركية من وإلى سوريا والعراق؟ وهو ما مثّل سببا مباشرا في انعدام الأمن وتزايد حالات الاعتداء على السياح في مدن تركيا
إن أردوغان يقود تركيا منذ سنوات إلى ساحة الحروب ليتجاوز معادلة "صفر مشاكل" إلى معادلة "صناعة الأزمات".. فسعى الرئيس التركي عبر السنوات السبع الماضية بكل مكابرة وغرور إلى فرض أجندة الإخوان على دول المنطقة قادت إلى خلافات جذرية، وصلت إلى حد الخصام مع العديد من دول المنطقة، وفي مقدمتهم مصر الشقيقة، التي يصر أردوغان على التدخل في شؤونها عبر تقديم كل أنواع الدعم والتسهيلات للإخوان الإرهابيين للهجوم على النظام المصري من خلال الفضائيات التي تتخذ من إسطنبول مقرا لها، بل وصل الأمر إلى تبني فكر الإخوان ونهجهم في الحياة السياسية التركية من خلال رفع شعار "رابعة" الإرهابي كشعار رسمي لحزب العدالة والتنمية، ومهاجمة الشعب المصري الشقيق الذي اختار طريق التخلص من الإخوان في ثورة 30 يونيو.
بالتوازي.. فإن أردوغان لا يزال يزج بالجيش التركي في صراعات مسلحة غرضها الوحيد منح الفرصة للتنظيمات الإرهابية التابعة للإخوان بأن تلتقط أنفاسها في ظل تراجعها وهزيمتها خلال السنوات الأخيرة، كما يحدث في سوريا والعراق.
فهل يمكن التغاضي عن سمعة تركيا التي تلطخت بالسواد بسبب الكشف عن دور نظام أردوغان في احتضان الآلاف من الإرهابيين الدواعش وتسهيل دخولهم وخروجهم عبر المعابر الحدودية التركية من وإلى سوريا والعراق؟ وهو ما مثّل سببا مباشرا في انعدام الأمن وتزايد حالات الاعتداء على السياح في مدن تركيا.
وهل وصل الحال في يوم أن يتحول حديث العالم عن جمال تركيا وإسطنبول الساحرة إلى الحديث عن تحول تركيا إلى سجن كبير؟ حيث دفع الشعب التركي منذ محاولة الانقلاب الفاشلة ثمناً باهظاً لمسرحية هابطة، فأردوغان توسع في القمع خلال عام ونصف، حيث أصبحت السجون تئن من كثرة المعتقلين السياسيين الذي تجاوز عددهم 230 ألف شخص، أي ما يقرب من ربع مليون سجين، وهل لنا أن نتصور نظاماً في العالم يسجن ربع مليون شخص فقط لمعارضتهم سياساته وعدم انصياعهم لتعليمات الديكتاتور؟
ولم يقتصر الأمر على السجون بل امتد إلى جهاز القضاء التركي العريق، الذي يسعى أردوغان إلى تقليم أظافره عبر استبعاد أكثر من 4 آلاف قاض ومدع عام، ويمكن أن نفهم معنى الرقم إذا علمنا أن عدد المنتسبين لسلك القضاء في تركيا لا يتجاوز 15 ألف قاض ومدع عام.
إن نظام أردوغان لا يحترم الحريات ولا يعرف إلا سجن المعارضين، وبينما يخرج علينا أردوغان بدموع التماسيح مدافعاً عن الحريات في المنطقة ورسم صورة زائفة بأنه نصير المظلومين فإن يديه تُلقي بالشباب التركي كل يوم في السجون.
هل لنا من سبيل لإنقاذ تركيا من الإفلاس؟ فالاقتصاد التركي يسير بسرعة نحو منحدر خطير بعد أن خسرت الليرة التركية نحو 20% من قيمتها أمام الدولار مما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق للتضخم وارتفاع الأسعار، وتراجع القوى الشرائية الحقيقية للأتراك، أو ما يعرف لدى علماء الاقتصاد بالإفقار الجماعي للمجتمع، إلى جانب ارتفاع نسبة البطالة إلى أكثر من 20%.
لم يتوقف الأمر عند انهيار الليرة وحسب، بل إن التوقعات السلبية تحاصر الاقتصاد التركي، فوكالة موديز للتصنيف الائتماني هبطت قبل أيام بتوقعاتها لنمو الاقتصاد التركي إلى 2.5% فقط بدلاً من 4%، وحذرت المؤسسات النقدية الدولية من إضعاف الديكتاتور أردوغان استقلالية البنك المركزي، وخطورة سياساته الاقتصادية هذه على مستقبل تركيا، كما صنفت وكالة ستاندرد آند بورز الاقتصاد التركي بتصنيف سالب بي بي، فالاقتصاد التركي يدفع ثمن سياسة أردوغان المتغطرسة وتدخلاته في شؤون البلدان المجاورة، وتكاليف العمليات العسكرية في سوريا والعراق، وإرهاق الموازنة بنفقات البحث عن المجد الشخصي، ناهيك عن دعم تنظيم الإخوان الإرهابي في المنطقة.
أما ما يزيد الأمور سوادًا فهو دفع تركيا إلى أتون الحرب الأهلية.. فأردوغان مثله مثل كافة أبناء حسن البنا وسيد قطب، يرى أن الديمقراطية هي سلم للصعود فقط وأن الشعب لا يعرف مصلحته، فالسلطة هي الهدف الوحيد لهؤلاء الذين يرفعون شعارات الدين الإسلامي السمح، وتصل بهم الغطرسة إلى التهديد بأن البديل هو الدم، شاهدنا ذلك في الشقيقة مصر بلسان المعزول مرسي وأتباعه الذين هددوا بحرب أهلية في حال خروجهم من السلطة، وفي تركيا هدد أحد المقربين من أردوغان وهو أحمد مارانكي بقتل المعارضين في حال عدم فوز حزب أردوغان بالانتخابات في 25 يونيو، في تهديد صريح بالحرب الأهلية وسفك دماء الأتراك وجعل تصويتهم تحت تهديد السلاح.
إن تهديدات مارانكي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، فالسلطة أو قتل الشعب هو "دين" أردوغان ورفاقه، فقد سبق وهدد اوزان ايرديم، النائب من حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان، بنشوب حرب أهلية في تركيا في حال رفض الأتراك تعديلات الدستور في أبريل 2017 التي منحت أردوغان سلطات ديكتاتورية.
فهل يمكن أن ننقذ السفينة التركية من الربان الفاشل الذي يقودها إلى الغرق والانقسام والحرب الأهلية؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة