نستطيع القول إنّه إذا ما أردنا الحفاظ على شبابنا من الانجراف وراء شخصيات من ملح في ظل واقع مفروض على العرب، فلا بدّ من تحقيق تكاتف عربي
الانتخابات المحلية أو النيابية في كل البلدان هي شأن داخلي مرهون بإرادة الشعوب وتقريرها من يحكمها ويقودها ولكن مايحدث في تركيا هذه المرة بعد نحو عقد ونصف العقد على تصدر حزب العدالة والتنمية التركي المشهد وحكمه البلاد يبدو مختلفا تماما خاصة وأنّ النتائج تتوالى تباعا لتفاجئ ليس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بل والعالم المراقب لهذه الإنتخابات وكيف أن حزب أردوغان قد فقد مراكز ثقله كـ"أنطاليا" و"أزمير" و "اسطنبول" لصالح المعارضة.
في الواقع تبدو النتائج طبيعية بعد ممارسة الرئيس التركي وحزبه أقصى درجات التفرد بالسلطة وإقصاء الأخر والتركيز على ذلك والابتعاد عن الشارع وعدم تلبية حاجياته الاقتصادية العامل الرئيس التي جعلت من أردوغان وحزبه نجمين سطعا في مرحلة ركود من الأحزاب الحاكمة التركية التي أنهكها الاقتصاد التركي المتهاوي حينها لم يكن أمام المواطن التركي من خيارات سوى الانحياز إلى حزب العدالة والتنمية الناشئ الذي يسعى لإثبات نفسه آنذاك في الإنتخابات المبكرة التي أعلنتها حكومة "بولند أجاويد الائتلافية عام 2002 .
نستطيع القول إنّه إذ ما أردنا الحفاظ على شبابنا من الانجراف وراء شخصيات من ملح في ظل واقع مفروض على العرب لا بدّ من تحقيق تكاتف عربي على كافة المستويات الشعبية والحكومية والسياسية، وتفعيل الدور العربي المتكافل المتضامن انطلاقاً من مبادئ الأخوّة والمصير المشترك
تغير مقياس المواطن التركي لقادته وعلى وجه التحديد الرئيس ورفع الأتراك البطاقة الحمراء بوجه حزب العدالة حين شعروا بأنّ ثمة خطر يهدد بلادهم جراء سياسيات هذه الحزب ورجالاته. ولكنّ هذا مالم يكن في واقعنا العربي تجاه شعبية أردوغان التي مازال البعض "أشخاصا كانوا أو حكام دول " يدافعون عن الرجل وكأنه المخلّص (راجع ماحدث في القمة العربية بـ تونس مؤخرا حين انسحب أمير قطر فقط لأنّ الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيظ رفض التدخلات التركية والإيرانية في الشؤوون الداخلية للبلدان العربية).
في قراءة بسيطة لما قام به أردوغان في البلدان العربية سواء سوريا أو العراق أو مصر وتونس وليبيا نجد أنّ الآثار السلبية لسياسته التخريبية لا تقارن بما ارتكبه الرجل داخل بلده الأم ومع ذلك قال له الشعب التركي لا في الانتخابات المحلية. السؤال المحير هنا هو لماذا تتراجع شعبية أردوغان في تركيا بينما يبقى محافظا على جماهيرته داخل ذهنية بعض أبناء جلدتنا !؟؟
ساعده بذلك عاملان اثنان:
الأول أنّه ليس سرا القول إنّ الرئيس التركي استغل الأوضاع المضطربة لتوجيه خطابه العاطفي واللعب على العامل الديني من القدس إلى الجولان وليس انتهاء بحوادث الإرهاب التي تصيب المسلمين وكان آخرها ما حدث في نيوزيلندا. هذا ما يجد فيه بعض المتحمسين لأردوغان منفذا يعللون به الكم الكبير من الولاء له .
والثاني هو تواطؤ بعض الدول العربية مع تركيا أردوغان بتكريس سياستها وإعلامها لتلميع صورة الرجل وتسويقه كزعيم روحي وسلطان المسلمين، وهو ما ساهم إلى حد كبير في بلوغ الرجل درجات ماكان سيصلها لولا هذه الأفعال غير الحميدة والخروج عن خط العروبة.
نستطيع القول إنّه إذ ما أردنا الحفاظ على شبابنا من الانجراف وراء شخصيات من ملح في ظل واقع مفروض على العرب لا بدّ من تحقيق تكاتف عربي على كافة المستويات الشعبية والحكومية والسياسية، وتفعيل الدور العربي المتكافل المتضامن انطلاقاً من مبادئ الأخوّة والمصير المشترك، بعيداً عن النزاعات الشخصية القائمة على الاختلافات السياسية والرؤى السلطوية لملء الفراغ الفكري لدى المواطن العربي الذي يبحث عن قوته التي لا تتحقق بانفراده ببلده أو دولته وإدراكه بأنه لا سبيل للقوة إلا بالتكافل والالتقاء مع من يمت له بصلة. فعندما وجد الصلة العربية ضعيفة مفقودة صار يبحث عن صلة أخرى
هذا ما أدركته أنقرة وطهران وعملتا على استغلاله فانقسم بعض الشباب العربي بينهما، منهم من يمجد "السلطان" وآخرون يهتفون بحياة "المرشد" وهذا واقع في غاية السوء يحتاج على وجه السرعة حلولا ناجحة وإلا سنكون أمام كارثة فقْدِ مجتمعاتنا العربية لصالح من يتربصون بها من محيطها إلى خليجها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة