الأزمة في تركيا هي درس في التاريخ العالمي وعلى والأتراك أن يتعلموا هذا الدرس جيدا وتركيا عليها أن تتعلم من التاريخ.
خلال العقدين الماضيين لم يكن الاقتصاد التركي يحقق نموا حقيقيا يستند إلى ثبات نحو المستقبل، وقد أسهم الترويج الإعلامي حول متانة الاقتصاد التركي إلى جلب المال الذي لا يستثمر في الصناعة التركية بقدر ما ركزت تركيا على ترويج للتملك العقاري، حيث الوسيلة الأسرع لكي تمتلئ البنوك بالمال القادم من الخارج، ولم تعلن تركيا خطة تنموية تشمل مفاصل الاقتصاد الحقيقي، وكانت الصناعات التركية خلال العقدين الماضيين تمارس ذات الدور الاقتصادي الذي كانت تمارسه منذ خمسة عقود، إذن السؤال هنا: أين المشكلة وما مستقبل تركيا؟
الاقتصاد التركي ليس مجهولا ولم يحقق خلال العقدين الماضيين أكثر من فكرة الترويج وليس فكرة التنمية، فعملية جلب المال من دول الشرق الأوسط والاستثمار في العقار ليس تفوقا اقتصاديا، لهذا فإن ما تواجهه تركيا اليوم هو جزء من حقيقة لا بد أن تستوعبها
تركيا دولة اعتمادية بشكل كبير على حلفائها، فصياغتها السياسية التي رسمت لها بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، تعتمد ثلاث منهجيات مهمة؛ أولها ألا يكون التاريخ الطويل للإمبراطورية العثمانية ملهما لشعاراتها المستقبلية، وهذا هو الخطأ الأول الذي ارتكبه أردوغان والذي دغدغت مشاعره فكرة إمبراطور، المنهجية الثانية أن تظل تركيا تحت الرقابة الغربية وحلفاء الحرب العالمية الثانية عسكريا وتجاريا، وهذا ما لم يدركه أردوغان الذي اعتقد أنه يمكنه أن يخرج من الدوران في فلك الحلفاء متى أراد ذلك، ثالثا أن تبقى تركيا في إطار سياسي وجغرافي محدد لا يسمح لها بالذهاب إلى جنوبها، حيث مراتع إمبراطوريتها ولا إلى الشمال، حيث الحلفاء الذين أخرجوها بهذا النموذج إلى العالم.
الأزمة في تركيا هي درس في التاريخ العالمي، وعلى والأتراك أن يتعلموا هذا الدرس جيدا، وتركيا عليها أن تتعلم من التاريخ، فهي ليست جزءا منفصلا عما يحدث في الشرق الأوسط، وهذا النشاط السياسي الذي أحدثه حزب العدالة والتنمية منذ قدومه للسلطة في بداية القرن الحالي يوحي بأنه يخلق الإمبراطورية العثمانية من جديد، فالخطوط الحمراء دوليا لا يجوز تجاوزها، وهذا شأن دولي وليس فكرة تخص الشرق الأوسط، فحتى أقوى دول أوروبا "ألمانيا" تخضع لهذا المسار التاريخي الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، ولن يسمح بعودة تلك الأفكار الإمبراطورية أو العرقية التي كانت السبب وراء حرب عالمية راح ضحيتها الملايين.
تركيا وأردوغان في مواجهة الواقع، وليسا في مواجهة المؤامرات، كما يروج الإعلام والأيديولوجية المستنبطة من فكر الإخوان المسلمين ولن تخترق جدار التاريخ لتغير تاريخ المنطقة ليلبس أردوغان تاج الإمبراطورية كما يحلم، الاقتصاد التركي ليس مجهولا، ولم يحقق خلال العقدين الماضيين أكثر من فكرة الترويج وليس فكرة التنمية، فعملية جلب المال من دول الشرق الأوسط والاستثمار في العقار ليس تفوقا اقتصاديا، لهذا فإن ما تواجهه تركيا اليوم هو جزء من حقيقة لا بد أن تستوعبها، "الدور التركي المرسوم دوليا لم ولن يتغير مهما كانت المعطيات".
تركيا في مواجهة حقيقية أمام طموحات سياسية لن يسمح العالم بتنفيذها، فحجم التمظهر الذي نشاهده في الإعلام حول مؤامرات العالم ضد تركيا كما يعتقد الإمبراطور ليس حقيقيا، وعلى تركيا أن تحافظ على مكانتها ليس بالقفز على الواقع ولكن عبر الإيمان واتباع سياسة الوضع الراهن للأمة التركية من خلال قراءة تاريخية عميقة، عدا ذلك فإن مواجهة القلق ستكون أكثر قسوة من الترويج له.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة