إيران تاريخيا حملت أحقادا إمبراطورية تجاه العرب، كان ذلك في القديم البعيد منذ زمن الأكاسرة الذين تعاطوا بكبرياء وغطرسة تجاه جيرانهم.
أحد الأسئلة المفتوحة والمثيرة بين يدي تطور الأحداث الأخيرة والخطيرة في المنطقة: "من الأخطر على العرب في حاضرهم ومستقبلهم تركيا أم إيران؟".
الشاهد أن قائلا يقول إن كلاهما أسوأ من صاحبه، وإن أنقرة وطهران لا تحملان خيرا للعرب في الوقت الحالي، كما أنهما لم تكونا في أي وقت سابق من أصحاب النوايا الحسنة أو الطوايا الصالحة لدول المنطقة، وهذا في حقيقة الأمر صواب، غير أن تفكيك المقاربة بصورة أعمق يكشف لنا عن أبعاد أكثر هولا فيما يتصل بتركيا بنوع خاص.
كارثة المشروع الإمبراطوري التركي أنه يجد من يدعمه ويزخمه في الداخل وهذه هي الطامة الكبرى التي يتوجب التنبه لها؛ إذ إنها على العكس من وكلاء إيران، فهؤلاء يعيشون بين جنباتنا وتاليا يوجهون لنا الطعنات ويتبدى انتماؤهم لعدو يجاهر ويفاخر بدمويته.
تاريخيا حملت إيران أحقادا إمبراطورية تجاه العرب، كان ذلك في القديم البعيد منذ زمن الأكاسرة الذين تعاطوا بكبرياء وغطرسة غير مسبوقين تجاه جيرانهم في المنطقة؛ الأمر الذي امتد لاحقا إلى أحفاد الإمبراطورية الشاهنشاهية، وتاليا فيما بعد الثورة الإيرانية المنحولة دوجمائيا تبدت المشاعر في عداء قاتل تجاوز الغرور الإمبراطوري، عطفا على الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة كما هو الحال مع جزر الإمارات العربية المتحدة الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى.
لا تداري أو تواري إيران العداء لدول الخليج العربي أو بقية دول الشرق الأوسط، وتعمل جاهدة على خلق وكلاء لها، كي يضحوا لاحقا خناجر في الخاصرة العربية، وكلاء يستخدمون كوقود لحروب الملالي الخلفية، كما الحال مع الحوثي في اليمن، والحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في جنوب لبنان، وصولا إلى حماس في غزة.
غير أن ما تتسم به جماعة الوكلاء لإيران، هو الوضوح بمعنى أن الجميع يعلمون ولاءاتهم في الحال، وتوجهاتهم في الاستقبال من غير لف أو دوران، وبدون تهوين أو تهويل؛ الأمر الذي يجعل المشروع الإمبراطوري الإيراني واضحا وضوح الشمس في كبد السماء، بكل ما يحمله من ملامح الطمع والجشع والفوقية الإمبريالية تجاه العرب والمسلمين السنة على وجه التدقيق.
على أن الحال التركي ربما يضحى أكثر خطورة من الشأن الإيراني، والخطورة التي نحن بصددها لا تتصل بالهجوم المسلح الأخير على شمال شرق سوريا فقط، هذا فقط وجه من أوجه بربرية العثمانلي المهووس، الذي يظن أن التاريخ قابل للرجوع إلى الوراء ولإحياء أزمنة الظلام التركية التي خيمت على المنطقة العربية وأدت إلى مزيد من الجهل والمرض والتخلف.
كارثة ما يقوم به الأغا العثمانلي هو محاولة اللعب على المتناقضات في الداخل العربي، وبمعنى أكثر شفافية مغازلة التيارات الإسلاموية التي تسكن حنايا أضلع العالم العربي، فيما انتماؤها المؤكد هو للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين بنوع خاص، هؤلاء الذين ظن أردوغان عند لحظة بعينها في بدايات العقد الحالي أنهم سيصبحون كعب الخيل الذي ينفذ منه إلى جميع العواصم العربية، ليعيد الاحتلال التركي ولو أيديولوجيا في بداية الأمر إلى أن يتمكن تاليا من ترتيب جيوشه اللوجستية.
يستلفت النظر في القوات السورية التي تقوم بغزو واضح وفاضح للشريط الحدودي مع سوريا، ومحاولة تغير جغرافية المكان، عطفا على الطبيعة الديموغرافية للسكان، أن أردوغان أطلق عليها اسم "جيش محمد"، في محاولة لا تغيب عن أعين الناظرين لقدر الزيف والخداع في المشهد.
غير أن ما نراه زيفا أو كذبا هناك من ينظر إليه على أنه نصر مبين، وعلى غير المصدق التطلع إلى شبكات التواصل الاجتماعي حيث يجد ما لا يمكن تصوره من ردات فعل الطوابير الخامسة التي تكبر وتهلل لمجازر يرتكبها التركي ضد العزل من الأكراد ومن يسكن أراضيهم، مجازر لا تختلف كثيرا عما قام به أسلافه في زمن جمال باشا السفاح وغيره تجاه الأرمن ولاحقا اليونان، واليوم يشرب الأشقاء في شمال سوريا من الكأس عينها، وفي ظل ما يمكن أن نطلق عليه مؤامرة دولية.
كارثة المشروع الإمبراطوري التركي أنه يجد من يدعمه ويزخمه في الداخل وهذه هي الطامة الكبرى التي يتوجب التنبه لها؛ إذ إنها على العكس من وكلاء إيران، فهؤلاء يعيشون بين جنباتنا وتاليا يوجهون لنا الطعنات ويتبدى انتماؤهم لعدو يجاهر ويفاخر بدمويته.
الطابور الخامس السوري يتمثل في سوريين خرجوا في مدنهم وقرارهم فرحين مبتهجين بالغزو التركي، في مشهد يتقاطع ويتشارع مع أبسط مبادئ الوطنية وقيم الحرية الحقة، فيما الأكثر سوادا وظلمة فتبدو من خلال مشاركة ما يطلق عليه جيش سوريا الحر في الهجوم على الأراضي السورية، وقتل أبنائها، انطلاقا من مشروع إرهابي وليس مشروعا وطنيا يبدد ولا يصون وحدة الأوطان.
من المشاهد المدعاة للتأمل العميق وربما الحزن الموقف الدولي مما يجري في سوريا لا سيما الموقف الروسي، وما لا نفهمه الاعتراض الروسي في مجلس الأمن على قرار أمريكي بوقف الحرب الطاحنة الدائرة هناك من الجانب التركي، لا سيما بعد أقدمت روسيا على مواجهة الإرهاب على الأراضي السورية لسنوات.
تحركت الدولة الأمريكية العميقة بسرعة شديدة لإنقاذ المشهد؛ فهناك خطوط استراتيجية لا يمكن الاقتراب منها أو المس بها من قبل صانع القرار الحقيقي في الداخل الأمريكي، ولهذا نرى تغيرا سريعا في توجهات ترامب، تغيرات تحت ضغوطات؛ فالنفوذ الأمريكي في العالم سيصاب -بلا شك- بخسائر جمة من جراء تمرد أردوغان على واشنطن، ولا سيما أن الأمر يشجع الدول المارقة مثل إيران وكوريا الشمالية على التمادي في مواجهة واشنطن.
أفضل الكلام هو ما أشار إليه الوزير أنور قرقاش من أن ما يجري في سوريا هو نتاج لحالة انهيار النظام العربي، ويؤكد الحاجة إلى التئام الشمل بأسرع ما يمكن.
من كليلة ودمنة يتعلم الإنسان المثل.. أكلت يوم أُكل الثور الأبيض، فهل ما يجري في سوريا يدعو لإطلاق نفير بوق القرن في جميع البقاع والأصقاع العربية قبل القارعة التي باتت على الأبواب إلا ما رحم ربك؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة