تركيا وإسرائيل قبل التطبيع.. علاقات سرية وتعاون واستثمار
"علاقات سرية وطيدة وتعاون واستثمارات مطردة".. هكذا كانت العلاقات بين تركيا وإسرائيل قبل الإعلان رسميا عن تطبيعها اليوم.
وكانت تركيا من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل، وبدأت علاقات رسمية معها عام 1949؛ حيث رفرف العلم فوق مبنى سفارتها في تل أبيب.
تطبيع العلاقات
وأعلنت إسرائيل وتركيا، الأربعاء، عودة كاملة للعلاقات بينهما، وعودة سفراء البلدين، إثر اتصال هاتفي بين رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وقال حساب رئاسة الوزراء على تويتر، إن "إسرائيل وتركيا تعيدان السفيرين"، في إشارة إلى التطبيع الكامل بينهما.
وتعليقا على الاتفاق على عودة السفراء، قال لابيد، إن استئناف العلاقات مع تركيا تعزيز مهم للاستقرار الإقليمي، وبشرى اقتصادية هامة جدا بالنسبة لمواطنينا.
فيما قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، في بيان: "إن إسرائيل وتركيا تعيدان السفيرين والقنصلين العامين".
من جانبه، قال الرئيس الاسرائيلي إسحاق هرتسوج في بيان: "أشيد بتجديد العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع تركيا، وهو تطور مهم قدناه خلال العام الماضي، وسيشجع علاقات اقتصادية أكبر وسياحة متبادلة، وصداقة بين الشعبين الإسرائيلي والتركي".
وأردف: "علاقات حسن الجوار وروح الشراكة في الشرق الأوسط، أمران مهمان لنا جميعًا، يمكن لأعضاء جميع الأديان؛ المسلمون واليهود والمسيحيون العيش معًا في سلام، ويجب عليهم ذلك".
من جهته قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إن كلا من تركيا وإسرائيل ستعيد تعيين سفير لدى الأخرى في خطوة مهمة في جهود البلدين لتطبيع العلاقات.
وأضاف جاويش أوغلو: "تعيين السفيرين إحدى خطوات تطبيع العلاقات. جاءت هذه الخطوة الإيجابية من إسرائيل نتيجة لهذه الجهود، وقررنا كتركيا أيضا تعيين سفير لدى إسرائيل في تل أبيب، وبدأنا عملية تحديد من سنعينه".
علاقات وطيدة وتعاون مطرد
ورغم الفتور الذي كان يبدو على السطح في بعض الأحيان في العلاقات التركية الإسرائيلية خلال عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، إلا أنه لم تحدث قطيعة فعلية بين الطرفين.
وتوطدت العلاقات السياسية والدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل وجرى تبادل متواصل للزيارات بين المسؤولين الكبار في البلدين.
ووصف وزير الخارجية الإسرائيلي العلاقات مع تركيا في بداية العام 2006 بأنها "كاملة ومثالية".
وفي العام 2007 قام الرئيس الإسرائيلي، آنذاك، شيمون بيريز بزيارة إلى تركيا، عقد فيها مباحثات مع الرئيس آنذاك عبد الله غول في نوفمبر/ تشرين الثاني.
ودعي الرئيس الإسرائيلي لإلقاء خطاب في مجلس الأمة التركي، وكانت هذه المرّة الأولى التي يدعى فيها رئيس إسرائيلي لإلقاء خطاب أمام برلمان لبلد أكثرية سكانه من المسلمين.
وسعى أردوغان منذ توليه الحكم لتعميق العلاقات مع إسرائيل، لينتقل بها إلى مرحلة العلاقة "الاستراتيجية".
وفي مارس/آذار 2022، استقبلت أنقرة نفسها الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، في زيارة "علنية نادرة" وصفها أردوغان بأنها "فرصة لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين تركيا وإسرائيل".
العلاقات التجارية والاستثمارات
وبالإضافة للتنسيق السياسي والتعاون بين البلدين، كانت العلاقات التجارية والاستثمارات رأس الحربة في العلاقات بين البلدين.
وأكدت البيانات الرسمية الصادرة عن معهد الإحصاء التركي وجمعية المصدرين الأتراك والبنك المركزي أن العلاقات الاقتصادية وحجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل يزداد قوة، ويدعمه تصاعد حجم الاستثمارات المباشرة المتبادلة بين البلدين.
ووصلت صادرات تركيا إلى إسرائيل أعلى مستوى لها على أساس شهري في أبريل/نيسان 2022، ببلوغها 711 مليون و200 ألف دولار.
جاء ذلك بحسب بيانات صادرة عن مجلس المصدرين الأتراك، نقلها الموقع الإخباري الرسمي "تي آر تي خبر".
ووفق البيانات فإن الصادرات إلى إسرائيل خلال أبريل، ارتفعت بنسبة 33.6% مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي، رغم التوترات السياسية بين البلدين.
واحتلت إسرائيل خلال أبريل/نيسان، المرتبة التاسعة بين الدول الأكثر استيرادا للمنتجات التركية.
وأسفرت الخطوات الفعالة التي اتخذتها تركيا لتحسين علاقاتها مع إسرائيل إلى تسريع التجارة بين البلدين، وأصبحت إسرائيل واحدة من الأسواق التي حطمت فيها تركيا رقما قياسيا في التصدير.
وحققت تركيا أعلى نسبة صادرات إلى إسرائيل خلال الربع الأول من العام الجاري، بقيمة 1.8 مليار دولار.
ووصل إجمالي صادرات تركيا في أبريل/نيسان الماضي إلى 23.4 مليار دولار.
وكانت صادرات تركيا إلى إسرائيل وصلت إلى مليار و851 مليون دولار، في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2021، بزيادة قدرها 35% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وأصبحت إسرائيل الدولة الثامنة لصادرات تركيا في هذه الفترة، حسبما أورد مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة في تقرير له.
وفي عام 2020 صدّرت تركيا 4.7 مليار دولار إلى إسرائيل. وبهذا الرقم احتلت الأخيرة المرتبة التاسعة بين الدول التي تصدر لها تركيا أكثر من غيرها.
غاز المتوسط.. أهمية استراتيجية وقاطرة للتعاون
وكانت تركيا قد عادت مؤخرا إلى إنعاش علاقاتها مع إسرائيل بشكل علني بعيد عن السرية، في ظل الحديث عن "غاز المتوسط".
وتحسين العلاقات الاقتصادية يأتي على رأس أولويات تركيا التي تضررت بشدة من أزمة عملة صاحبها تضخم بنسبة قاربت 70%، وفاقمها الأزمات والصراعات العالمية.
وبينما كانت تمضي إسرائيل قدمًا مع دول أخرى في مشروع خط غاز في الجزء الشرقي من البحر المتوسط، واستبعدت تركيا من هذا المشروع ثار استياء حكومة أنقرة.
ووفق مراقبين فإن تطبيع تركيا علاقاتها مع إسرائيل يرجع إلى أملها في المشاركة في حصة بغاز المتوسط.
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن لديه "آمالا قوية جدا" في التعاون مع إسرائيل في مجال الطاقة، وأفصح أنه سيبحث الأمر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وكشفت زيارة وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، إلى إسرائيل، مؤخرا، النقاب عن مشروعات وخطط في مجال الطاقة.
وبيّن التقارب الواضح علنيًا اليوم، عن إحياء تركيا لمشروع لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا؛ حيث تسعى أنقرة لتقليل اعتمادها على روسيا.
وأعرب الرئيس رجب طيب أردوغان عن استعداده "للتعاون (مع إسرائيل) في مشاريع الطاقة وأمن الطاقة" مع احتمال شحن الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا حيث يثير الصراع في أوكرانيا مخاوف بشأن الإمداد.
وقال أردوغان إن تركيا لديها الخبرة والقدرة على تنفيذ مثل هذه المشاريع، في حين أظهرت التطورات الأخيرة في المنطقة مرة أخرى أهمية أمن الطاقة.
ويعود هذا التعاون إلى العام 2016، حينما اتفق البلدان على البدء في دراسة جدوى إنشاء خط أنابيب تحت البحر لضخ الغاز الإسرائيلي إلى المستهلكين الأتراك وإلى أوروبا، لكن لم يتم إحراز أي تقدم وسط التوتر بين الجانبين.
وتعتمد أنقرة بشكل كبير على روسيا في وارداتها من الطاقة، حيث لبت مصادر روسية 45% من طلبها على الغاز العام الماضي، وهي حريصة على تنويع الإمدادات، مع التركيز عن كثب على موارد إسرائيل النامية.
وتستورد تركيا الغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب "إيست ميد" من روسيا وأذربيجان وإيران. كما أنها تشتري الغاز الطبيعي المسال من الموردين بما في ذلك قطر ونيجيريا والجزائر والولايات المتحدة.
وترى تركيا أن مشروع الغاز مع إسرائيل أكثر جدوى من خط أنابيب "إيست ميد" على الرغم من التحديات.
خلال زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ لتركيا في مارس 2022، كان من أهم القضايا المطروحة على الأجندة موضوع مشروع خط الأنابيب الذي يهدف إلى نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عن طريق تركيا، وهو المشروع الذي يحظى بأهمية إثر تعثُّر مشروع "إيست ميد" لنقل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا، وفي ظل الأزمة الأوكرانية التي دفعت الغرب إلى البحث عن بدائل للغاز الروسي إلى أوروبا.
ومن أهم ملفات التعاون-الخلاف العالقة بين تركيا وإسرائيل، مخطط مشروع نقل إسرائيل وتصدير غازها المكتشف على سواحلها إلى أوروبا عبر تركيا.
ففي عام 2016 وقّعت إسرائيل مع قبرص واليونان اتفاقاً من أجل نقل غاز إسرائيل وقبرص عبر اليونان إلى أوروبا فيما عرف بمشروع "إيست ميد"، لكن وبشكل مفاجئ أعلنت واشنطن في يناير/كانون الثاني 2022 سحب دعمها لهذا المشروع الذي تعمل على تنفيذه شركات أمريكية.
وعليه فإن التقرير يرى أن مدّ أنبوب للغاز من إسرائيل إلى ميناء جيهان في مرسين جنوب تركيا لنقله بعد ذلك إلى أوروبا هو الاقتراح الأسهل والأقل كلفة، إذ إن كلفته تقدر بنحو 2.5 مليار دولار فقط.
لكن مشكلة المشروع أن هذا الخط يجب أن يمر بالمياه الإقليمية لقبرص، ومع استمرار الخلاف السياسي بين تركيا وقبرص، فإنه من غير المتوقع أن يحظى هذا المشروع بموافقة قبرص.
لكن تركيا طرحت من خلال عدد من الرسائل السياسية السرية إلى إسرائيل وواشنطن عام 2020 فكرة فصل الخلافات السياسية بين قبرص وتركيا عن مشاريع التعاون في الطاقة بين دول المنطقة، وذلك من خلال إسناد مشاريع الطاقة إلى شركات دولية عالمية لا تتبع لقبرص أو تركيا، في محاولة من أنقرة لتسهيل تنفيذ هذا المشروع.
وحينها بدأت بالفعل مفاوضات سرية بين تركيا وإسرائيل من أجل بحث إمكانية تنفيذ هذا المشروع، لكن المشاكل السياسية بين البلدين حالَت دون تذليل خلاف الرأي حول تقاسم مالية هذا المشروع، حيث رفض الجانب الإسرائيلي بيع الغاز إلى تركيا بأسعار تفضيلية في إطار هذا المشروع، كما رفض الحصة التي طلبتها تركيا من بيع هذا الغاز إلى أوروبا، وبقي المشروع معلقاً منذ ذلك الوقت دون تفاهمات.
وبالإضافة إلى سدّ حاجات تركيا من الغاز، فإن خط الغاز الإسرائيلي إلى تركيا سيُعيد أنقرة لاعباً مهماً في شرق المتوسط، وسيساعد أنقرة على تقوية أوراقها في مواجهة التحالف اليوناني-القبرصي في المنطقة.
aXA6IDMuMTM3LjIxOS42OCA= جزيرة ام اند امز