سواكن.. جزيرة سودانية بين أساطير الأولين وأطماع المحتلين
من موقعها إلى تسميتها وتاريخها مرورا بطبوغرافيتها، تثير جزيرة سواكن السودانية الجدل وتدخل ضمن أساطير تزيد من غموضها وسحرها
على الساحل الغربي للبحر الأحمر، تقبع "جزيرة سواكن" الهادئة في أقصى شرقي السودان، وتثير حولها الأساطير والروايات، كما تجذب أطماع المحتلين، وتمثل نقطة مهمة في خرائط وخطط المؤامرات.
ومن موقعها إلى تسميتها مرورا بطبوغرافيتها، تثير هذه الجزيرة الجدل وتحوم حولها العديد من الروايات التاريخية والأساطير المحلية التي تزيد من غموضها والأسئلة بشأنها.
موقع فريد
الجزيرة التي ترتفع عن البحر نحو 66 مترا، تبعد عن العاصمة السودانية الخرطوم بنحو 560 كيلومترا، وقريبة من مدينة بورتسودان بنحو 70 كيلومترا، وتعد مركزا بحريا مهما بالبحر الأحمر.
تضم الجزيرة منطقة أثرية تاريخية وتحمل آثار أول ميناء سوداني، وكانت سابقا الميناء الرئيسي للسودان، وقد بنيت المدينة القديمة فوق الجزيرة المرجانية قبل أن تتحول منازلها حاليا إلى آثار وأطلال.
موقعها القريب من موانئ القنفذة وجدة والليث وينبع في السعودية، ومينائي القصير وسفاجا في مصر، زاد من أهميتها وحرك أطماع المحتلين نحوها.
طبوغرافيا غريبة
الجزيرة لها طبوغرافيا مميزة بشكل شبه مستدير وأرض مسطحة داخل شرم ضيق يفتح على البحر الأحمر ومتصل بالبر بطريق ممهد.
ساحل سواكن غني بالشعاب المرجانية ويتميز بوجود بعض التلال التي تزين الجزيرة وتضفي عليها جمالا وربما سحرا وغموضا، ما يجعلها مؤهلة لأن تكون مقصدا سياحيا عالميا أيضا.
أصل التسمية
لم يكتفِ الغموض والإثارة بالطبيعة الجغرافية للجزيرة فحسب، ولكنه يمتد إلى تاريخ تأسيسها غير المعروف الذي يفتح الباب أمام العديد من الروايات التي تثار حول تسمية "سواكن" الأقرب إلى سكن باللغة العربية.
ويقول البعض إن التسمية مصرية وتعود إلى اللغة المصرية القديمة، وإنها تحرفت من "شواخن" بمعنى "محطة" إلى "شواكن" ثم "سواكن"، لأن لغات البجا السودانية تخلو من "حرف الخاء".
أما الرأي الأكثر انتشارا حول التسمية فيعود إلى قصص أسطورية يرجع تاريخها إلى عصر الملك سليمان وبلقيس ملكة سبأ، حيث يربط الكثيرون سر التسمية إلى كلمة "سجون"، ويؤكدون أن الجزيرة كانت سجنا لكل من "الإنس والجن" في عهد النبي سليمان وبلقيس.
ويشير آخرون إلى أن التسمية ترجع إلى "سوا- جن"، حيث إنهم رأوا أن مبانيها الضخمة لا يمكن أن يبنيها إلا الجن، كما أن الكثير يتحدث عن أساطير حول الجزيرة بشأن بعض الحيوانات الخاصة بها، وامتلاكها قدرات خارقة.
أطماع المحتلين
باتت "سواكن" عاصمة للدولة العثمانية ومقرا للحكم في الحبشة منذ عام 1517، بعدما غزاها السلطان سليم الأول، قبل أن تنضم إلى ولاية الحجاز العثمانية تحت إدارة "والي جدة"، وخاصة أن طريق حجاج القارة الأفريقية البحري إلى الأراضي المقدسة كان ينطلق منها.
الدولة العثمانية رفضت ضمها إلى مصر في عهد محمد علي باشا، قبل أن تسمح له بتأجيرها بمقابل مادي سنوي، ثم تنازلت عنها للخديو إسماعيل في مصر مقابل جزية سنوية في 1865.
عانت الجزيرة بعد ذلك من الإهمال خلال الاحتلال البريطاني، وبعد هزيمة الثورة المهدية، واسترداد البريطانيين للسودان سنة 1899، أنشأوا ميناءً بديلا في بورتسودان، وزعموا أن ميناء سواكن غير ملائم للسفن الكبيرة.
المؤامرة تتجدد
الجزيرة التي زارها رحالة كثر، من بينهم "ابن بطوطة"، و"صمويل بيكر"، كما زارها قادة وزعماء من بينهم خديو مصر عباس حلمي، واللورد اللنبي المندوب السامي البريطاني في مصر، واحتلها العثمانيون الأتراك والإنجليز؛ لا تزال تثير شهية المحتلين الجدد.
وشهدت الجزيرة مؤامرة جديدة للسيطرة عليها مع نهاية العام الماضي، بعدما أبرم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتفاقا مشبوها مع الرئيس السوداني المعزول عمر البشير يسيطر بموجبه النظام التركي على الجزيرة، ويقيم فيها قاعدة عسكرية للتآمر على مصر، وتهديد الأمن الاستراتيجي العربي بزعم الاستثمار.
المؤامرة التركية القطرية توقفت عن العمل في جزيرة سواكن مع تزايد الاحتجاجات التي كانت تنادي بسقوط النظام الإخواني في السودان، ولكن مع اقتلاع النظام وتحفظ الجيش الوطني السوداني على رأسه (البشير) باتت الاتفاقية المشبوهة في مهب الريح، لا سيما مع تزايد المطالب بعودة سواكن إلى الحضن السوداني العربي.