لغز "سيف الفرات" التركي في شمال سوريا
قرْع طبول الحرب في شمال سوريا من قبل أنقرة، ما هي الرسالة؟ ومن هو المستهدف؟
الدخول العسكري التركي إلى سوريا ليس الأول ولن يكون الأخير كما يبدو وسط كل هذا الحراك العسكري والسياسي، لكن الملفت أن أسبابه ودوافعه كانت هي ذاتها بالنسبة لأنقرة في العقدين الأخيرين: "الحرب على التنظيمات الإرهابية ومن يساندها هناك في تهديد الأمن القومي التركي".
الذي تبدل في العمليات التركية كان المستهدف والذي تحول من نظام أسرة الأسد عام 1998 إلى تنظيم داعش في عملية "سليمان شاه" في أواخر فبراير / شباط 2015 الهادفة لتغيير موقع ضريح جد الأتراك التاريخي والد السلطان العثماني الأول أرطوغرول من تهديدات التنظيم في منطقة منبج ونقله إلى نقطة اشمه الحدودية، ثم إلى عملية "درع الفرات" في 24 أغسطس/ آب 2016 متعددة الأهداف العلنية والسرية التي نجحت واشنطن في تعطيل إنجازها ميدانيا وسياسيا.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال يومها إن "درع الفرات" بالتنسيق مع «الجيش السوري الحر» هي رسالة إلى تنظيم «داعش» وإلى مَن يحاول لعب ورقته يومياً ضد تركيا، لكنها رسالة إلى حزب «الاتحاد الديموقراطي الكردي» في سوريا أيضاً، وأنّ بين أهدافها وضع حدّ للمشكلات في المناطق الحدودية التركية ـ السورية والدفاع عن الجغرافيا السورية ووحدتها وتماسكها والمساهمة في حلّ مشكلات اللاجئين السوريين في تركيا.
في درع الفرات المواجهة كانت مع "داعش" لكنّ الرسالة هي لحزب "الاتحاد الديموقراطي الكردي" في سوريا. الهدف كان إعادة وحدات الـ»بي. ي. دي» الكردية إلى شرق الفرات وإخراجها تحديداً من منبج بعد الضمانات الأمريكية المقدمة لأنقرة في هذا الشأن، وتحريك فرص المفاوضات السياسية في الملف السوري داخلياً وإقليمياً، وتوفير منطقة أمنية وأرضية أوسع للمعارضة السورية نحو مدينة الرقة للإطاحة بـ«داعش» هناك ولإنهاء تمركزها الأمني والسياسي في قلب المعادلة السورية وتعطيل مشروع الفدرالية أو الكونفدرالية الكردي الذي يحاول حزب «الاتحاد الديموقراطي» فرضه مستفيداً من الظروف والأجواء المحلية والإقليمية.
على ضوء هذه التفاصيل التي أعلنها أردوغان، يبرز سؤالان أساسيان يتعلقان بنجاح أنقرة في الوصول إلى ما سعت إليه قبل عام أم لا: هل انتهى مشروع ربط الكانتونات الكردية في سوريا بعضها ببعض؟ وهل قبلت واشنطن بمحاصرة "الشريك الكردي" في سوريا؟
الإجابة جاءت قبل أيام مع المعلومات التي كشفت صحيفة "قرار" التركية عنها حول استعدادات عسكرية تركية وبداية العد التنازلي لانطلاق عملية جديدة في شمال سوريا تحت اسم "سيف الفرات".
ما الذي يقلق تركيا؟
ما الذي تهدف إليه عملية "سيف الفرات"؟
ما أبرز الأسباب التي أثرت على القرار التركي باتجاه تحريك خطة توسيع الانتشار في الشمال السوري؟
كيف ستكون ارتدادات ونتائج التحرك التركي على أنقرة التي فشلت في إقناع إدارة أوباما بقبول ودعم سياستها السورية ثم فشلت مرة أخرى مع الرئيس الأمريكي الجديد في إقناعه بالتخلي عن الرهان على ورقة حزب الاتحاد الديمقراطي؟
قرْع طبول الحرب في شمال سوريا من قبل أنقرة مجددا رسالة تركية باتجاه استكمال المواجهة المؤجلة منذ فترة طويلة مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي فهل تسمح واشنطن بذلك أم أنها هي المستهدفة تركياً هذه المرة بسبب حمايتها للوحدات الكردية وعرقلة الخطط التركية في سوريا؟
"سيف الفرات" بعد أكثر من 10 أشهر على "درع الفرات" في إطار عملية تحرك عسكري وسياسي تركي جديد وسط ظروف ومتغيرات أمنية واسعة في المنطقة نفسها. عملية ستبدأ كما يقال من منطقة منغ وتل رفعت شماليّ حلب، ولن تنتهي قبل تنظيف المنطقة وصولًا إلى تل أبيض، ومن المفترض أن يوصل ريف حلب الشمال بالريف الغربي كنتيجة أولى لهذه المعركة. وتشمل ما يردد الإعلام التركي التخطط لإنشاء قاعدة عسكرية تركية دائمة فوق قمة جبل الشيخ بركات بريف حلب الغربي.
مرة أخرى تبرز الخطة التركية الجديدة في الاستعداد لاستهداف شرق الفرات نفسه، إذا ما خرجت الأمور عن السيطرة كردياً، وتعرّضت القوات التركية إلى مقاومة حقيقية من الوحدات الكردية، وفشلت واشنطن في ضبط الإيقاع الكردي.
العملية العسكرية التركية في شمال سوريا برأينا أيضا عملية رد غير مباشر على مشروع الاستفتاء الكردي في إقليم كردستان العراق. تنافس تركي أمريكي على من يرضي أربيل أكثر في شهر سبتمبر / أيلول أكثر خصوصا أمام الصمت التركي والنبرة الهادئة حيال قرار الاستفتاء رغم كل التصعيد والتهديد التركي القديم.
وهي تهدف أيضا لإنجاز خطة مناطق تخفيف التوتر المتفق عليها روسيا وإيرانيا وتركيا وتحديدا القسم المتعلق منها بمنطقة إدلب والهادف لانتشار عسكري تركي واسع بالتنسيق مع موسكو تكون عملية بديلة لدرع الفرات وتوفر لتركيا البقعة الجغرافية الواسعة التي تريدها في إطار المنطقة الآمنة التي تسهل عودة آلاف اللاجئين السوريين إلى أراضيهم وتخفيف أعباء أنقرة المادية واللوجستية في هذا الملف وتولي إدارة شؤونها مع الروس في إطار اتفاقيات الأستانة.
التحرك العسكري التركي لا يمكن إبعاده إطلاقا عن التوتر التركي الأمريكي الذي اندلع قبل عامين بسبب التباعد في تحديد المواقف والسياسات حيال قضايا ثنائية وإقليمية على رأسها الموقف من أكراد شمال سوريا. وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، لم يتردد أكثر من مرة في التعبير عن قلقه من التقارب التركي الروسي وتأكيده أن أهداف الإدارة الأمريكية تقوم "على عدم تعقيد العلاقات مع تركيا بشكل أكبر، والعمل على إيجاد سبل لإعادة الانخراط بين الجانبين وتعزيز العلاقات" لكن الكثير من المعطيات تقول إن الأمور تتقدم باتجاه آخر سواء بسبب الموقف الأمريكي في عملية الرقة وشكل عودتها السياسية والعسكرية إلى سوريا وتذكيرها الدائم لحكومة العدالة والتنمية أنها ترصد عن قرب مسار الداخل التركي السياسي والاجتماعي والدستوري.
بين الأهداف التركية توجيه رسائل جديدة لواشنطن أنها ستبدل من نظرتها إلى إيران في المنطقة كلما شعرت أن الإدارة الأمريكية تتحرك باتجاه تهديد مصالح تركيا الإقليمية، وهو مؤشر آخر على اقتراب الانفجار التركي الأمريكي بسبب خيارات أنقرة الهادفة لموازنة علاقاتها في المنطقة من خلال البحث عن مكاسب سياسية واقتصادية عبر طهران رغم معرفتها بالهدف الإيراني الأول في سوريا وهو إقامة الكاريدور الواصل بينها وبين البحر الأبيض المتوسط.
مرة اخرى تتحدث القيادات السياسية التركية عن استعدادها للذهاب إلى الرقة، لكنّها تصرّ على أنّ الطريق إلى هناك يجب أن تكون عبر منبج.
في مطلع اغسطس / آب الماضي كان الإعلام الإيراني والسوري التابع للنظام يُردّد أنّ حكومة «العدالة والتنمية» سقطت في مصيدة سوريا ووحولها المتحرّكة، ما الذي ستقوله طهران عن هذه المعركة عند انطلاق العملية التركية؟ هل ستساندها أم ستتجاهلها على عكس ما حدث في درع الفرات؟
رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم ألمح إلى تطوّرات مهمة في الأزمة السورية ستحصل قريبا.
الرقة تحررت من داعش دون أية مساهمة تركية، وواشنطن تريد أن تواصل تقدمها عسكريا وسياسيا في سوريا. القوات الكردية تواصل، بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية، السيطرة على مزيد من الأراضي شرقاً وشمالاً، فأيّ مشروعٍ سيفوز، خصوصا وأن مشكلة تركيا الأهم تبقى في محاولة مفاوضة واشنطن وموسكو معا على ملفات قد تعرضها للبقاء خارج المعادلات، إذا ما أخطأت في الحسابات والتنفيذ؟
قدوم بريت ماكغورك منسق عمليات الحرب على داعش باسم البيت الأبيض إلى أنقرة من شمال سوريا حيث كان في زيارة دعم تفقدية لمواقع قوات سوريا الديمقراطية لرفع المعنويات وتجديد التضامن الكردي الأمريكي في سوريا، رسالة أمريكية واضحة لأنقرة أن لا تغيير في المواقف والسياسات. الاتصال الهاتفي المباشر بين الرئيسين التركي والأمريكي تلاه على الفور اتصال هاتفي آخر بين أردوغان وبوتين، ما هي مدلولات تراتبية هذه الاتصالات ورسائلها في المشهد السوري؟
تركيا تريد الرهان على موسكو لكنها لا تريد إغضاب واشنطن شريكها الاستراتيجي المفترض.
تريد كذلك لعب الورقة الإيرانية لكنها لا تريد خسارة حلفائها المحليين في سوريا.
مشكلة أنقرة ربما مع حلفائها في المعارضة السورية كانت قبل أيام مع صدور البيان الختامي لورشة عمل الأقليات السورية الذي دعا من قلب إسطنبول لاحترام حق تقرير المصير وبناء سوريا الجديدة بطابع دستوري اجتماعي جغرافي عرقي جديد.
ما سمعناه في اليومين الأخيرين من مواقف تركيا على أعلى المستويات تلتقي عند نقطتين أساسيتين: التوتر التركي الأمريكي في ذروته وتركيا تصر على عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا في المثلث الرابط بين منبج وعفرين وتل رفعت.
تركيا تقول لن نسمح بكيان كردي في شمال سوريا ولن نقبل بتهديد حدودنا ولن نسكت على التنسيق الأمريكي مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.
كلام وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس لنظيره التركي فكري اشيك حول الضمانات الأمريكية بسحب السلاح المقدم إلى قوات سوريا الديمقراطية تغير بعد أقل من أسبوع فقط بقوله إن ما بعد معركة الرقة في المشهد السوري السياسي والأمني هو الذي سيحدد القرار الأمريكي.
رد واشنطن بعد إسقاط المقاتلة السورية وإعلانها وضع قوات سوريا الديمقراطية تحت الحماية والحصانة قد تكون رسالة تعني نظام بشار الأسد لكنها في الأساس رسالة إلى أكثر من طرف إقليمي يتقدمهم تركيا بعدم التصعيد كثيرا مع حلفائها الأكراد.
أمريكا قطعت الطريق على درع الفرات وعلى المنطقة الآمنة وتراجع قوات حزب الاتحاد الديمقراطي من منبج، وجعلت من قواتها خط فصل بين الأتراك والأكراد في منبج. مشكلة أنقرة أنها تأخرت دائما في تحليل الحدث والتعامل معه، وهذا ما جرى في درع الفرات ثم في معركة الباب وبعدها في منبج وكذلك في معركة الرقة، فهل تنجح هذه المرة في تجاوز هذا المطب بالتنسيق مع روسيا في خطة مناطق تخفيف التوتر؟ أم أن مصيدة أمريكية روسية تنتظرها عند الكشف عن خطة التفاهمات بين الكبار هذه المرة؟.
النفوذ الأمريكي في العمق السوري يقول إن القوات الأمريكية باقية وأن التوازنات السورية الجديدة ستكون عبر نقاش أمريكي روسي مباشر وأن حصة الأكراد في سوريا محفوظة.
قوات سوريا الديمقراطية تسيطر على 40 ألف كلم من الأراضي السورية و65 بالمائة من المناطق الحدودية المشتركة بين سوريا وتركيا وتواصل التقدم والانتشار في أهم المناطق الاستراتيجية السورية في مصادر الطاقة.
وسط كل هذه التطورات تعلن أنقرة عملية "سيف الفرات". هل هي مجرد مناورة إعلامية - سياسية تركية – عسكرية للوصول إلى ما تريد دون تكرار درع الفرات لا أكثر؟