لماذا انتقدت تركيا تقرير الإرهاب الأمريكي؟
تقرير الإرهاب الأمريكي لعام 2018 كشف عن تنامي الخلاف بين تركيا ومحيطها الإقليمي والدولي في ظل دعم أنقرة بعض التنظيمات الإرهابية
في الوقت الذي سعت فيه أنقرة إلى توظيف تعاونها الاستخباراتي مع واشنطن في عملية قتل زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي أبوبكر البغدادي، وعدد من أتباعه 27 أكتوبر/تشرين الأول، قال تقرير الإرهاب لعام 2018 الصادر عن الخارجية الأمريكية، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، إن تركيا لا تزال تعتبر دولة "ترانزيت" للإرهابيين الأجانب.
وبينما تحاول أنقرة تصدير صورة نمطية عن دورها الفاعل في مكافحة الإرهاب الدولي، أكد التقرير أن الجهد التركي في التعامل مع الكيانات الإرهابية ليس بالمجان، إذ تتلقى كل الدعم من الإدارة الأمريكية.
دوافع الرفض
وانتقدت تركيا تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول الإرهاب؛ لأنه لم يلبِّ طلباتها في التشهير بخصومها وإدانتهم، وظهرت ملامح الغضب في إصدار حكومتها بيانا زعمت خلاله أنها تكافح الإرهاب منذ عام 1984، وأنها تعرضت للهجمات من مختلف التنظيمات الإرهابية وتستضيف 4 ملايين لاجئ، وأنها تكافح تنظيم داعش والإرهابيين، الذين يستهدفون حدودها.
والأرجح أن ثمة العديد من الدوافع التي تقف وراء رفض تركيا تقرير الإرهاب الأمريكي 2018، يمكن بيانها على النحو الآتي:
- توقيت التقرير: يأتي التقرير الأمريكي في وقت تتصاعد فيها اتهامات لتركيا ببناء روابط مع الفاعلين الإرهابيين في مناطق الصراعات، وبخاصة سوريا وليبيا، واستثمار هذه العلاقة في تحقيق أطماعها في دول الصراعات بالإقليم، على غرار الهجوم الذي استهدف قوات سوريا الديمقراطية شرق الفرات في 9 أكتوبر/تشرين الأول المنقضي.
كما تزامن التقرير مع اتهامات سابقة لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية في أغسطس/آب 2019 ستة أتراك وشركة صرافة "الراوي" بتشكيل شبكة مالية لتمويل تنظيم "داعش"، وأشرفت منذ عام 2017، على تحويلات الأموال من وإلى تركيا نيابة عن "داعش".
وحسب تقرير صادر عن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات "FDD"، فمنذ بداية مايو/أيار 2018، أدارت شبكة الراوي تحويلات "داعش" من الفرع التركي لشركة الأرض الجديدة للصرافة، والتي أدرجتها وزارة الخزانة الأمريكية ضمن الأذرع المالية للتنظيم الإرهابي.
- استثناء قوات قسد: أثار استثناء التقرير لقوات "قسد" غضب تركيا التي تعدها تنظيما إرهابيا يجب التصدي له.
تجدر الإشارة إلى أن تركيا ربما لم تواجه هذا الكم من التوتر مع القوى الدولية والإقليمية في أي مرحلة مضت مثلما تبدو في المرحلة الحالية، حيث تعرضت لانتقادات شديدة بسبب الهجوم العسكري ضد عناصر "قسد" السورية، وظهر ذلك في تحذير الاتحاد الأوروبي من أن الهجوم على الأكراد السوريين سيلحق الضرر بالعلاقة مع الاتحاد، وسيهدد جهود تسوية الأزمة السورية.
كما لا تزال التفاهمات قائمة بين "قسد" وواشنطن، وكشفت عن ذلك مؤشرات عدة؛ منها زيارة وفد "مجلس سوريا الديمقراطية" في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري للولايات المتحدة برئاسة إلهام أحمد ولقاؤه مسؤولين أمريكيين لبحث تداعيات سحب القوات الأمريكية من الشريط الحدودي مع تركيا، فضلاً عن دعوة الوفد ذاته للمشاركة في اجتماع وزراء خارجية دول التحالف الدولي لمحاربة "داعش" المقرر له 14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري في بروكسل.
كما هاتف ترامب قائد "قسد" اللواء مظلوم عبدي، على خلفية تطبيق الأخير الاتفاق التركي الأمريكي المشترك بشأن المنطقة الآمنة.
- غض الطرف عن حركة "الخدمة": أبدت تركيا انزعاجاً شديداً لعدم إدراج تقرير الإرهاب 2018 حركة الخدمة ضمن قائمة التنظيمات والجماعات الإرهابية، بالرغم من وصف حكومة أنقرة لها بأنها تنظيم إرهابي في أعقاب محاولة انقلاب يوليو/تموز 2016.
وأوضح التقرير أن الحكومة التركية تجري اعتقالات في حق مواطنيها والأمريكان والأتراك العاملين في البعثات الدبلوماسية الأمريكية داخل أنقرة بتهمة الانتماء لحركة الخدمة، بالرغم من عدم وجود أدلة كافية ضدهم.
وفي الوقت الذي لا تزال ترى فيه أنقرة غولن بمثابة مشروع في يد الغرب، ترفض واشنطن تسليم زعيم "خدمة" فتح الله غولن المقيم في ولاية بنسلفانيا منذ عام 1999، ورغم الاتفاقية الموقعة في عام 1979 بين البلدين –اتفاقية تسليم المجرمين والمساعدة القانونية في الجرائم الجنائية- ورؤية أنقرة شقاً جنائياً في إدانة غولن، تعتقد واشنطن أن غولن "متهم سياسي"، ولا يجوز تسليمه وفقاً لنص المادة الثالثة من الاتفاقية التي لا تجيز تسليم المطلوبين بين البلدين بسبب آرائهم السياسية أو بسبب ارتكابهم جريمة سياسية أو عسكرية بحتة.
دويتشه فيله: مقتل البغدادي يفضح علاقة أردوغان بـ"داعش"
أردوغان وأوروبا.. مقامرة بورقتي اللاجئين والدواعش
تداعيات محتملة
- تراجع الصورة الذهنية: كشف تقرير الإرهاب الأمريكي أن الإجراءات الاستثنائية التي تتخذها حكومة العدالة والتنمية تجاه الخصوم السياسيين في الداخل أدت إلى تراجع صورتها في الوعي الجمعي الدولي، خاصة أن تركيا منذ محاولة الانقلاب الفاشل في صيف عام 2016، فرضت حالة طوارئ لمدة عامين، وتعرض للاعتقال والفصل من العمل مئات الآلاف من رجال الشرطة والعسكريين والقضاة والصحفيين والموظفين بمختلف القطاعات.
ولم يكن تقرير الإرهاب 2018 وحده الكاشف عن تراجع مناعة أنقرة، ففي تقريرها السنوي الصادر في مايو/أيار 2019 قالت المفوضية الأوروبية عن التقدم الذي أحرزته أنقرة نحو الانضمام للاتحاد الأوروبي: "تركيا مستمرة في التحرك بعيدا عنا".
وأضافت: "المفاوضات وصلت فعليا إلى طريق مسدود". وفي ظل ما تعتبره حكومات الاتحاد الأوروبي انزلاقا إلى الحكم الاستبدادي في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، واجهت أنقرة منذ محاولة الانقلاب المزعومة تقارير قاسية من المفوضية، لكن لم يكن أي منها بقسوة تقرير المفوضية الأخير.
- توسيع الخلافات: يمكن القول إن تقرير الإرهاب الأمريكي لعام 2018 كشف عن تنامي مساحة الخلاف بين تركيا ومحيطها الإقليمي والدولي في ظل تصاعد دعاوى تشير إلى توجه أنقرة نحو تأسيس علاقات مع الفاعلين من غير الدول، أو دعم بعض التنظيمات المسلحة.
وأكد تقرير 2018 أن تركيا تستخدم مصطلح الإرهاب من أجل تقويض حرية التعبير وحرية الرأي وحق التجمع، واستهداف الخصوم، وهو ما أدى إلى تصعيد حدة الضغوط التي تتعرض لها أنقرة في مقابل التأكيد على تعزيز الجهود التي تبذلها العديد من القوى الإقليمية والدولية المعنية بالحرب ضد الإرهاب بشأن ضرورة تقليم أظافر تركيا.
التقرير نجح في توجيه ضربات قوية لسلوك تركيا بشأن علاقتها مع العناصر الراديكالية، وتوظيف شبكة تحالفاتها القائمة في تحقيق مصالح آنية وضيقة.
وختاماً يمكن القول إن تقرير الإرهاب لعام 2018 يعد مؤشراً إضافيا يؤكد الشكوك حول علاقة أنقرة بالكيانات الإرهابية، خاصة هيئة تحرير الشام "النصرة سابقا" في سوريا، ومليشيات مصراتة في ليبيا.
كما أن استثناء التقرير عناصر "قسد" و"غولن" يكشف عن زيف الادعاءات التركية تجاه هذه الكيانات التي لها امتدادات إقليمية ودولية، وتحظى بصورة معتبرة في عدد واسع من الدول.
aXA6IDMuMTUuMTQ5LjI0IA== جزيرة ام اند امز