واشنطن وأنقرة.. تصاعد الملفات يعجل بالعقوبات
فرص فرض عقوبات على تركيا تبقى هي الأرجح، وقد تشمل حرمان أنقرة من القروض الأمريكية، وتضييق الخِناق على تعاملاتها في البورصات الأجنبية.
برغم اتفاق أنقرة وواشنطن مؤخراً على إنشاء مركز عمليات مشترك لإنشاء وتنسيق وإدارة منطقة أمنية شمالي سوريا، والتوصل إلى اتفاق لإزالة الهواجس التركية بشأن تمدد الأكراد في سوريا، إضافة إلى زيارة وزير التجارة الأمريكي لأنقرة مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، لدفع حجم المعاملات التجارية بين البلدين لتقفز من 20 مليار دولار إلى نحو 100 مليار دولار فإن ثمة توترا لا تخطئه عين بين البلدين، كشف عن دعوة قطاعات معتبرة داخل مؤسسات الحكم الأمريكية، في الصدارة منها الكونجرس والبنتاجون لفرض عقوبات على أنقرة بعد تسلمها منظومة الدفاع الصاروخية الروسية S400، وانعطافتها شرقاً.
دوافع التأجيل
لم يكن مفاجئا إرجاء إدارة دونالد ترامب فرض عقوبات على تركيا تطبيقاً لقانون "كاتسا" الذي يلزمها بفرض عقوبات فورية بمجرد خرق الدول المعنية لقانون مواجهة خصوم واشنطن.
وعلى الرغم من بدء روسيا عملية شحن أجزاء صواريخ S400 إلى أنقرة منذ منتصف يوليو/تموز الماضي، فإن الرئيس دونالد ترامب لم يتخذ خطوة جادة نحو تطبيق تلك العقوبات على تركيا، بل إنه حاول بعد لقائه رجب طيب أردوغان، على هامش قمة مجموعة الـ20 في اليابان في أواخر يوليو/تموز الماضي، إيجاد المبرر لشرائها منظومة S-400، وذكر حينها أن تركيا اضطرت لشراء هذه المنظومة الدفاعية، بعدما رفضت إدارة سلفه باراك أوباما تزويدها بنظام باتريوت.
والأرجح أن ثمة اعتبارات عدة فرضت تأجيل العقوبات، واتباع سياسة "الصبر المتدرج" مع تركيا، يمكن بيانها على النحو الآتي:
منع انعطافة تركيا شرقا
تستهدف واشنطن من وراء تأجيل العقوبات على أنقرة منع انعطافة الأخيرة شرقاً، لا سيما وأن أردوغان منذ محاولة الانقلاب المزعوم في صيف 2016 يقترب أكثر من موسكو بعيداً عن شركائه الغربيين بشأن قضايا عدة من سوريا إلى إيران وفنزويلا، وهو ما اعتبر مصدر إزعاج لواشنطن.. كما أصبحت المشكلات الإقليمية المعقدة كالإرهاب والقضية الكردية والأوضاع الهشة في العراق ودور إيران في الشرق الأوسط واحتياطات الطاقة في الشرق الأوسط، كلها عوامل حاضرة في العلاقة متعددة الأبعاد بين موسكو وأنقرة.
العلاقات الاقتصادية والمشاريع المشتركة
برغم توتر العلاقة بسبب عدد واسع من الملفات الشائكة في الصدارة منها استيراد تركيا منظومة S400، والدعم الأمريكي للأكراد في سوريا، تحرص واشنطن على دفع العلاقات الاقتصادية والفرص الاستثمارية مع تركيا، وكشف عن ذلك زيارة وزير التجارة الأمريكي ويلبر روس لتركيا في سبتمبر/أيلول الجاري، وإعلانه عن رغبة بلاده في زيادة حجم التجارة بين البلدين من 20 مليار إلى 100 مليار دولار، وفتح باب التصدير لتركيا؛ لتصدير منتجات بقيمة 50 مليار دولار.
الحرب التجارية مع الصين
صارت الصين مصدر قلق للولايات المتحدة، ومحل انشغال واهتمام ليس بفعل الحرب التجارية بل تمكن الصين من اختراق حلفاء واشنطن في حلف الأطلسي، وبخاصة تركيا.
وتخشى واشنطن من وقوع تركيا في مصيدة الاستثمارات الصينية، حيث عرضت بكين على أنقرة في اجتماعات مفتوحة زيادة تدفقات الفرص الاستثمارية، وتبدو تركيا بحاجة ماسة إليها تحت وطأة الأزمة الاقتصادية، وارتفاع التضخم، والبطالة لمستويات غير مسبوقة.
وتلقت تركيا في يونيو/حزيران الماضي نحو مليار دولار أموالا من الصين في صفقة تبادل عملات.. وتعد عملية الضخ هذه هي الأولى من نوعها، بموجب اتفاق موقع بين البلدين في عام 2012 ينص على مبادلة الليرة واليوان، وعززت هذه الأموال الاحتياطي الأجنبي التركي، وفى هذا السياق يمكن تفسير تراجع تركيا عن دعم "حركة استقلال تركستان الشرقية"، الجناح السياسي لقومية الإيغور المسلمة بشمال الصين، والتي تمثل تحدياً للصين على مستوى الأمن والاقتصاد والاستقرار الاجتماعي.
قاعدة إنجرليك الجوية
فضلاً عن كل الاعتبارات السابقة، تحتضن تركيا أسلحة نووية أمريكية في مواقع عدة على رأسها قاعدة إنجرليك الجوية التي تعتبر القاعدة العسكرية الأهم لواشنطن في الشرق الأوسط. وتضم القاعدة نحو 150 رأسا نوويا، كما تلعب القاعدة دورا أساسيا في العمليات العسكرية الأمريكية في الإقليم.
على جانب آخر تشارك تركيا في كثير من البرامج والصناعات العسكرية المشتركة مع واشنطن، وبرغم استبعادها من برنامج الطائرات f35 فإنها تساهم في إنتاج أنواع عدة من الطائرات الحربية والمروحية وغيرها.
مسارات المستقبل
سعى الرئيس التركي إلى تخفيف حالة الاحتقان مع واشنطن، من خلال تأكيده مؤخراً عن عودة مناقشة شراء منظومة صواريخ "باتريوت"، مستنداً إلى جهود للرئيس ترامب لتأجيل عقوبات محتملة في المدى القريب على تركيا.
غير أن هذه الجهود قد لا تفلح في تسكين أوجاع الأزمة بين البلدين، أو تهدئة المخاوف الأمريكية بشأن شراء تركيا منظومة الدفاع الصاروخية S400 ناهيك عن دعوة الكونجرس إلى اتخاذ خطوات عقابية ضد تركيا بسبب تهديدها باجتياح منطقة شرق الفرات، وآخرها تهديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه لن يسمح بأي تأخير في تطبيق الاتفاق الذي توصل إليه البلدان لإقامة ما تسميه تركيا بالمنطقة الآمنة.
ولذلك فإن فرص فرض عقوبات على أنقرة تبقى هي الأرجح لاعتبارات عدة أولها: أن قانون "كاتسا" الذي يلزم الإدارة الأمريكية بفرض ما بين 5 و12 عقوبة فورية على من ينتهكه، لا يمكن عدم توقيعه. ومن ثم تتصاعد فرص فرض عقوبات على تركيا خلال الفترة المقبلة، وقد تشمل حرمان أنقرة من القروض الأمريكية، وتضييق الخِناق على تعاملاتها في البورصات الأجنبية، وفرض عقوبات على البنوك التركية ورجال الأعمال والمديرين التنفيذيين الأتراك وكذلك حظر المُمتلكات والاستثمار.
وثانيهما إصرار الكونجرس على تمرير حزمة من العقوبات لتطبيقها على تركيا، حيث يمارس مشرعون أمريكيون ضغوطات متزايدة على إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لفرض عقوبات مشددة على تركيا بسبب شرائها منظومة الصواريخ الروسية (S400) المضادة للصواريخ. وقبل انتهاء عطلة الكونجرس في أغسطس/آب الماضي، حضت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب في تغريدة على "تويتر"، الإدارة الأمريكية على فرض عقوبات على تركيا، بسبب تسلمها الدفعة الثانية من منظومة الصواريخ إس 400.
وراء ما سبق يحتج البنتاجون بأن النظام الروسي في منظومة إس-400 يمكن أن يساعد موسكو على جمع معلومات استخباراتية حساسة عن طائرات F35 المقاتلة.
تجدر الإشارة إلى نائب وزير الدفاع الأمريكي باتريك شاناهان في يوليو/تموز الماضي، بعث برسالة إلى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أكد فيها أن واشنطن بصدد فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية شديدة ضد تركيا؛ بسبب الإصرار على تسليم باقي أجزاء منظومة s400.
ويرتبط الاعتبار الرابع بتصاعد حملة ضد تركيا بين أعضاء الحكومة الأمريكية، فقبل أيام أكد وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين أن العقوبات الأمريكية على تركيا بسبب شرائها منظومة S-400 من روسيا لا تزال مطروحة على الطاولة في إطار قانون (مكافحة أعداء الولايات المتحدة من خلال العقوبات).
ختاماً يمكن القول إنه برغم دوافع تأجيل عقوبات على أنقرة في الوقت الراهن، فإن توقيعها خلال الأيام المقبلة يبقى الأوفر، خاصة مع تصاعد الملفات الشائكة بين البلدين، وانحراف تركيا شرقا، وإصرارها على تفصيل منطقة آمنة في سوريا تلبي طموحاتها فقط من دون اعتبار مصالح الأطراف المحلية والدولية الحاضرة على الساحة السورية.
aXA6IDMuMTI5LjIyLjEzNSA= جزيرة ام اند امز