سجن صحفي تركي كشف عن انقلاب ضد أردوغان
ونظرت المحكمة في القضية التي يحاكم فيها 70 متهمًا من بينهم، بارانصو، ضمن تحقيقات بتهمة الانتماء لحركة رجل الدين التركي فتح الله غولن
أصدرت محكمة تركية حكمًا بالسجن لأكثر من 19 عامًا بحق صحفي، إثر إدانته في 3 تهم مختلفة، من بينها الانتماء لتنظيم إرهابي، بعد أن كشف عن انقلاب ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وبحسب ما ذكره الموقع الإلكتروني لصحيفة "حرييت" التركية، الإثنين، فقد صدر الحكم لمدة 19 عامًا و6 أشهر عن الدائرة الثانية من محكمة الجنايات في مدينة مرسين (جنوب)، بحق الكاتب الصحفي التركي محمد بارانصو؛ بسبب نشره تقارير استقصائية ضمن عمله الصحفي تتناول أسرار محاولة انقلاب المطرقة "باليوز".
ونظرت المحكمة في القضية التي يحاكم فيها 70 متهمًا من بينهم، بارانصو، ضمن تحقيقات بتهمة الانتماء لحركة رجل الدين التركي فتح الله غولن، المتهم بتدبير المحاولة الانقلابية المزعومة صيف العام 2016.
ورغم أن بارانصو المعتقل منذ عام 2015 طلب في الجلسة الأخيرة من المحاكمة الإفراج عنه وتبرئته من التهم الموجهة له، إلا أن المحكمة المذكورة أصدرت في حقه حكمًا بالسجن عامين بتهمة انتهاك السرية، و4 سنوات أخرى بتهمة الإفصاح عن معلومات محظورة.
وأصدرت حكمًا بسجنه 13 عامًا و6 أشهر بزعم انتمائه لتنظيم إرهابي مسلح، ليصل إجمالي فترة العقوبة 19 عامًا و6 أشهر.
وفي وقت سابق كشف بارانصو النقاب عن وجود شبكة داخل الجيش التركي تخطط منذ عام 2003 للإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية في عملية عرفت بـ “باليوز” أو “المطرقة الثقيلة”.
وكانت القضية المرفوعة ضد المتورطين في هذه الخطة أسفرت عن اعتقال كبار الضباط، معظمهم من المتقاعدين.
وساند أردوغان هذه القضية وأمثالها من القضايا الأخرى كقضايا الدولة العميقة "أرغنكون"، إلا أنه تخلى عن ذلك بعدما تحالف مع أعدائه القدماء من أعضاء أرجنكون عقب تحقيقات الفساد والرشوة في 2013 التي اتهم فيها وزراء ورجال أعمال مقربون من أردوغان، وكانت بمثابة الفضيحة الكبرى.
وأخرج على إثر ذلك أردوغان المتهمين من السجن في 2014، وبدأوا جميعا ينفذون عمليات للانتقام ضد كل من ساهم في هذه القضايا من قادة الأمن والمدعين العامين والقضاة والصحفيين.
كما كان برانصو قد كشف أن آلاف المنتجات المعدلة وراثيًا ضخت إلى الأسواق في عام 2010 من خلال تقديم عينات متلاعب بها لإجراءات التحليلات اللازمة، وأن العاملين المختصين في الدولة لم يذهبوا للحصول على العينات من المنتجات بأنفسهم، وحصلوا على رشاوي من الشركة.
تحول موقف أردوغان
في صباح 17 ديسمبر/كانون أول 2013، أمر المدعيان العامان التركيان جلال كارا ومحمد يوزكيتش، بتنسيق من المدعي العام الشهير زكريا أوز، الذي سبق أن أشرف على قضية تنظيم “أرغنكون” الإجرامي الانقلابي، بإطلاق عملية كبيرة أصابت الجميع بالصدمة.
وأسفرت العملية عن احتجاز 89 شخصًا، بينهم باريش غولر، ابن وزير داخلية تركيا في تلك الفترة معمر غولر؛ وصالح كاغان تشاغلايان، ابن وزير الاقتصاد التركي ظفر تشاغلايان؛ وعبد الله أوغوز بايركتار، ابن وزير البيئة والتخطيط العمراني أردوغان بايركتار؛ والمدير العام لبنك “خلق” الرسمي سليمان أصلان.
وتم كذلك احتجاز اثنين من مشاهير عالم الأعمال وهما علي آغا أوغلو والإيراني رضا ضراب، وعمدة بلدية “فاتح” في إسطنبول مصطفى دمير، وذلك بتهمة “الرشوة، وإساءة استخدام السلطة، والاختلاس في المناقصات العامة، والتهريب وتبييض الأموال”.
ثم أصدرت المحكمة التركية، بعد النظر في الأدلة، قرارًا باعتقال 26 شخصًا من المتهمين، بينهم أبناء الوزراء الثلاثة، ومدير بنك “خلق” سليمان أصلان، ورضا ضراب؛ في حين أن المحكمة قضت بإخلاء سبيل ابن وزير التخطيط العمراني بايركتار، ورجل الأعمال آغا أوغلو، وعمدة بلدية فاتح، قيد المحاكمة.
واعتبر أردوغان رئيس الوزراء في ذلك الوقت أردوغان قضية الفساد والرشوة “عملية سياسية” تستهدف الإضرار بحكومته والاقتصاد التركي، بل وصفها بـ”محاولة انقلاب” يقف وراءها ما أسماه “الكيان الموازي”، قاصدًا به حركة غولن.
ولذلك لم يتردد أردوغان في اتخاذ تدابير يمكن عدّها “ثورية”، لتبرئة المتهمين وإفلاتهم من قبضة السلطات الأمنية والقضائية.
وبدأ أردوغان يهاجم في جميع خطاباته “الكيان الموازي” أو “الدولة الموازية”، غير أن هذه الكلمة أو المفهوم لم يكن مألوفًا لدى الشارع التركي، ولم يستخدمه أردوغان من قبل بحق حركة الخدمة، بل لم يتخذ موقفًا سلبيًّا – في العلن على الأقل – من هذه الحركة طيلة عقد كامل من حكمه، إن استثنينا الخلاف حول إغلاق “معاهد التحضير الجامعي” الذي نشب بين الطرفين قبل عدة شهور من تحقيقات الفساد، الأمر الذي أفضى إلى الارتباك والالتباس في الأذهان.
وانقسم الشارع تبعًا لذلك بين مؤيد لأردوغان في أطروحته ومعتبرٍ الكيان الموازي “حقيقة”، ومعارض له ومعتبرٍ إياه “وهمًا” يضعه أردوغان أمام شعبه ليتمكن من التستر على فساد حكومته.
وعقب ذلك أراد أردوغان أن يقوي جبهته، فروج من خلال أبواقه الإعلامية ما مفاده أن التحقيقات في قضيتي "المطرقة" و"أرغنكون" كانت بتدبير من رجال غولن في القضاء، فأعاد التحقيق في القضيتين وأفرج عن كل المتهمين، وبدأ في الانتقام من كل من كشف عن تلك القضايا على اعتبار أنهم من أتباع الحركة.