الأكراد في البرلمان.. غصة تخنق تطلعات أردوغان وتهدد مشروعه السلطوي
النواب الأكراد شكل صفعة قوية بوجه رئيس يصنف الأكراد إرهابيين، أومواطنين درجة ثانية.
نجح أكراد تركيا في تخطي الحد الأدنى للتمثيل البرلماني (10 %)، ودخلوا منبع التشريعات من بابه الواسع، ليكونوا شوكة بحلق الرئيس رجب طيب أردوغان الذي بذل قصارى جهده للحيلولة دون ذلك.
دخول النواب الأكراد شكل صفعة قوية بوجه رئيس يصنف الأكراد إرهابيين، أومواطنين درجة ثانية، وبالنسبة لحزبه العدالة والتنمية الذي لم تكن أشد تكهناته تشاؤما تشير إلى إمكانية أن يحصل الأكراد على نسبة 11.6 بالمئة من إجمالي عدد المصوتين في الانتخابات البرلمانية التي جرت الأحد الماضي.
النسبة منحت الأكراد تأشيرة العبور نحو البرلمان الجديد، عقب حصولهم على 67 مقعدا من أصل 600، محرزين بذلك نصرا ساحقا تحدى الويلات المسلطة عليهم من قبل أردوغان، وحملات الاعتقال التي تطالهم بتهم كيدية باطلة.
وبتخطيهم العتبة الانتخابية، سيكون "الشعوب الديمقراطي" (كردي) الذي يتزعمه صلاح الدين ديمرتاش، ثاني أكبر حزب معارض في البرلمان التركي بعد حزب الشعب الجمهوري.
معاداة الأكراد
لا شيء يمكنه أن يقض مضجع أردوغان وحاشيته مثل الأكراد.. مكون يثير فزع الرئيس التركي، وما يثير هلعه أكثر من ذلك هو احتمال توحد الأكراد وقيام دولة كردية على طول الشريط الحدودي لتركيا.
طرح يثير جنون أردوغان ويهدد تطلعاته السلطوية، وهذا ما يتجلى بوضوح في تصريحات الأخير، سواء ضد أكراد بلاده أو الخارج، ولعل المعركة التي يشنها أردوغان وقواته ضد الأكراد شمالي العراق، أكبر دليل على ذلك.
وقبل الانتخابات التركية بنحو 20 يوما، خرج أردوغان يدعو الأكراد الأتراك للتصويت له في الانتخابات الرئاسية، متهما إياهم في الآن نفسه، بالسعي لشن هجمات ضد نظامه، في تناقض لم يستطع الرئيس التركي تجاوزه حتى في أشد لحظاته حساسية.
ورغم التهديد والوعيد الذي قال ناشطون من المعارضة التركية إنه استهدف الأكراد في معاقلهم، وحذرهم من مغبة التصويت لغير "العدالة والتنمية"، إلا أنهم تحدوا مضايقات الشرطة، والهجمات المفتعلة التي تستهدفهم من مليشيات موالية للحز الحاكم، وتوجهوا لمكاتب الاقتراع.
ومع ذلك، يحزم مراقبون أن الكثير من الأكراد اضطروا في اللحظات الأخيرة للعزوف عن التصويت، جراء استهدافهم وأسرهم وممتلكاتهم بشكل مباشر، ما جعل حب البقاء يتغلب على الواجب السياسي.
دكتاتورية مقننة
فاز أردوغان بولاية ثانية في انتخابات رئاسية تعد منعطفا مفصليا في الحياة السياسية للأتراك، وحصل على تفويض يمكنه من صلاحيات واسعة تحكم قبضته على جميع مفاصل الدولة.
ونتائج منحته صكا على بياض لتغيير ملامح النظام السياسي في البلاد لأول مرة منذ قيام الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك قبل أكثر من تسعين عاما،
لكن، ورغم هذا الكم المبالغ فيه من البهرج الذي يحاول أردوغان وحاشيته إغراق المشهد السياسي فيه، وإخراجه على أنه "عرس ديمقراطي"، إلا أن مقربين منه كشفوا أن فرحة ارتداء عباءة الدكتاتورية لم يقشعها سوى دخول الأكراد للبرلمان.
مخاوف تجثم بثقلها على كاهل الرئيس التركي، في وقت تتعالى فيه أصوات المعارضة متحدثة عن وقوع خروقات وتلاعب بأوراق التصويت، خاصة في المدن الجنوبية ذات الغالبية الكردية، تلك المخاوف حذر محللون من إمكانية أن تدفع أردوغان إلى حل البرلمان، مستفيدا من السلطات المطلقة التي يتمتع بها في ظل النظام الجديد.
الأكراد بعد الانتخابات
المحلل السياسي التونسي، مبروك عبازه، اعتبر دخول الأكراد للبرلمان بعدد من المقاعد، مؤشرا على دخول صراعهم مع أردوغان مرحلة جديدة تقوم على العمل السياسي والنضال داخل البرلمان عِوَض النضال المسلح في الجبال.
وقال عبازة في حديث لـ"العين الإخبارية" إن في هذا الصعود رسالة لأردوغان و لحزبه الرافض للتفاوض مع أكراد باتوا يمثلون قوة رفض وضغط داخل معقل التشريعات نفسه، وربما ستجبره على التفاوض معهم بدل الغارات الجوية، وقد يكون في الأمر أيضا فرصة للأكراد للخروج للعالم كمشروع تحرري سلمي يدافع عن الهوية الكردية، ويضع الحكومة التركية في حرج أمام شركائها الغربيين، خصوصا في ما يتعلق بمفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي.
وأضاف أن مواصلة سجن عبد الله أوجلان، والعديد من الشخصيات الكردية الأخرى تشكل عائقا كبيرا لأي تقارب بين الحكومة التركية مع الأكراد الذين، بصعودهم للبرلمان، سيدافعون عن القضية الكردية وعن مناطقهم المهمشة التي تُمارس عليها الحكومات المتعاقبة سياسات القهر ولي الذراع.
ويري أنه وأن كان عدد النواب الأكراد ضئيل، إلا أن التحالفات المحتملة مع قوى معارضة أخرى، قد تصنع منه قوة برلمانية قادرة على زعزعة سيطرة حزب أردوغان.
استثمار في الأصوات الصامتة
بدوره، رأي المحلل السياسي نزار الجليدي، في حديث لـ"بوابة العين" أن أردوغان يستثمر في الملف الكردي عبر الأصوات الصامتة، أو بالأحرى التي يخرسها هو بالتهديد والوعيد.
وقال الجليدي إن "الحملات المتتالية التي يشنها ضد الأكراد، والاعتقالات التي تطالهم، علاوة على ضروب التعذيب بالسجون وغيرها من الانتهاكات، جميعها تكبح أصوات الأكراد، سواء في ما يتعلق بالاحتجاجات أو حين يتعلق الأمر باستحقاق انتخابي".
وأشار إلى أن "أردوغان يهدف إلى تقزيم الاعتبارية الكردية تمهيدا لتفتيتها والقضاء عليها بوسائل مختلفة، قد تختلف عناوينها، لكن هدفها واحد، وهو ما فجر موجة انتقادات لاذعة ضد الرئيس التركي، سرعان ما تحولت إلى ما يشبه الحزام المناهض لسياساته ضد الأكراد، سواء في الداخل أو الخارج".
وأعرب الجليدي عن قناعته بأن "عرش أردوغان لن يعمر طويلا، وذلك رغم كل التحصينات التي يحيط بها نفسه، وفي وقت تشير فيه المعارضة ومنظمات حقوقية إلى وجود أزمة خانقة في تركيا يحاول أردوغان خنقها بشعارات مزيفة وصور كاذبة".
كما أنه لا ينبغي إغفال أن للأكراد خزانا انتخابيا كبيرا في الخارج لم يستطع الإدلاء بصوته، وأيضا خزانا إعلاميا عملاقا وحركات ضغط واسعة النفوذ في الاتحاد الأوروبي، وخصوصا في فرنسا، ما قد يصنع مؤشرات زلزال سياسي دامٍ في تركيا يدك جميع قلاع أردوغان، حسب الجليدي .
وقال الجليدي: "قد تكون عقدة الأتراك التي تثير جنون أردوغان، هي نفسها التي تدق المسمار الأخير في نعشه. وتسأل ، من يدري؟، فالسحب الملبدة في السماء التركية قد تتحول لإعصار سياسي يطيح بجميع صلاحيات أردوغان، ويدك عرشه دكا".