مع دخول الجانب التركي على الخط في ليبيا والمتوسط، فإن الطرفين الروسي والأمريكي سيعملان على ضمان مصالحهما
لاعتبارات استراتيجية متعددة يسعى الجانب التركي لمد نفوذه من ليبيا إلى إقليم شرق المتوسط، حيث مساحات الحركة التركية المتعددة والمتصاعدة بقوة في الفترة الأخيرة، ليس في بناء قاعدتين جديدتين في ليبيا، أو الدفع بالمرتزقة والمقاتلين الأتراك فقط،.
بل في العمل على ترسيم استراتيجية الذراع الطويلة في إقليم شرق المتوسط انطلاقا من ليبيا إلى المنطقة المغاربية، ومنها إلى جنوب الساحل والصحراء مع بناء استراتيجية ممتدة في باقي دول الإقليم، وخاصة في القرن الإفريقي ودول حوض النيل.
مع دخول الجانب التركي على الخط في ليبيا والمتوسط، فإن الطرفين الروسي والأمريكي سيعملان على ضمان مصالحهما أيضا ليس في ليبيا فقط بل في إقليم شرق المتوسط والذي سيشهد تحولات حقيقية.
دليلا على هذا ما يؤكد عليه الرئيس التركي أردوغان في خطابه الإعلامي والسياسي مرتكزا على تحركاته الراهنة، واستثمارا حقيقيا لما يجري في النطاق الإقليمي والدولي، حيث المراوغات الروسية، والحسابات الاستراتيجية المعقدة والتوازنات الضيقة في ليبيا، والتي لا يمكن أن تتخلى عنها مقابل تحالفاتها مع الدول العربية الرئيسية في الملف الليبي، بصرف النظر عن الاتصالات الدبلوماسية والسياسية والتي تتم في دوائر من المقايضات السياسية والتي بدأ في إطار صيغة 2+ 2 بين الجانبين الروسي والتركي وستمتد إلى إيران.
وهو ما ينطبق أيضا على الموقف الأمريكي المترقب، والمتفق في مضمونه مع الجانب التركي – مع بعض التباينات البسيطة - حيث يتوافق الطرفان في إقليم شرق المتوسط وفي سوريا حيث الرهانات الأمريكية المحددة، والتي لا يقترب منها الجانب الروسي، ويقبل بها ، بل ولا يعمل على تغييرها في إطار تقسيم الحسابات الموضوعة لكل طرف.
مع دخول الجانب التركي على الخط في ليبيا والمتوسط، فإن الطرفين الروسي والأمريكي سيعملان على ضمان مصالحهما أيضا ليس في ليبيا فقط، بل في إقليم شرق المتوسط والذي سيشهد تحولات حقيقية ومفصلية في الفترة المقبلة لعدة أسباب.
الأول: اتجاه بعض الأطراف في الإقليم لبناء شراكات استراتيجية جديدة، وهو ما برز في الاتفاق البحري الجديد بين إيطاليا واليونان وسيدفع لتكراره في الفترة المقبلة بين اليونان وبلغاريا وبين اليونان ومصر، ولاحقا بين مصر وإسرائيل في إطار ترسيم الحدود البحرية.
والرسالة المهمة في هذا السياق أن بعض أطراف الإقليم لن تنتظر التحركات التركية المدعومة روسيا لتقرر أوضاعها، خاصة مع استمرار وسعي تركيا للتنقيب عن الغاز أمام سواحل قبرص التي لا تعترف بها وأمام السواحل الإيطالية حيث جزيرة كريت التي دخلت على الخط أيضا إضافة إلى عدم اعتراف الدول المعنية في الإقليم وخارجه بقبرص التركية فقط.
الثاني: سيعمل كل طرف على توسيع دائرة تحالفه، فكل دول الإقليم منضوية في منتدى غاز المتوسط، والذي لا يشمل تركيا والتي لا تمانع في الدخول في مفاوضات مع الجميع ناقص قبرص لحسابات تتعلق بمصالحها.
وحيث باتت تركيا تروج لإمكانية التفاوض مع مصر وفقا لقاعدة المصالح المشتركة بل وستحاول التأكيد على أنها ستمنح القاهرة الفرصة لتعديل اتفاقها مع الأطراف الأخرى، وبالتالي فإن الدول الرئيسية في الإقليم ستعمل على الدخول في ترتيبات حقيقية لما هو مستجد.
وسيتكرر ذلك مع إسرائيل و اليونان وقبرص، خاصة وأن خطوط الغاز الجديدة، والتي ستعمل خلال الفترة المقبلة وفقا لدراسات الجدوى الموضوعة، ستخدم كل هذه الدول بما في ذلك إيطاليا وروسيا وإسرائيل، في ظل الصراع على تحول بعض هذه الدول لتكون مركزا للطاقة.
أما السبب الثالث: ففي ظل السعي الحثيث للجانب التركي لفرض استراتيجية الأمر الواقع على الجميع في ليبيا وخارجها في الإقليم، والتصميم على عسكرة الإقليم بأكمله، فإنه من المتوقع أن تمضي الأمور في سياق مختلف ومتباين في حال اتفقت الدول الرئيسية، والتي سترسم منظومة التعاون الإقليمي سواء في التنقيب أو الدخول في شراكات خطوط الغاز، وهو ما سيقابل برفض وتحفظ تركي، وسيعمل كل طرف على تحقيق مصالحه العليا.
وبالتالي فإن الإشكالية الرئيسية تكمن في كيفية تحجيم ومحاصرة التمدد التركي بعد أن بات محاصرا في دائرة محددة، ومع دخول مصر والجزائر وفرنسا وإيطاليا على خط التوازنات الراهنة، فإن الأمور قد تغير من قواعد اللعبة السياسية والاستراتيجية، خاصة وأن الفواعل الرئيسية في الملف الليبي لن تقبل بتجاوز الخطوط الحمراء.
هذا قد يدفع بقوة لتحديد استراتيجية الحركة لكل طرف وليس للجانب التركي فقط، فالمعادلة لم تعد مقصورة على الجانب التركي وحكومة السراج فقط، وهو ما يدركه الرئيس أردوغان جيدا .
ما زلنا في المرحلة الأولى من إعادة ترسيم الحسابات السياسية والاستراتيجية، وسيكون أمام كل طرف رسم مصالحه في إطار مصالح باقي الأطراف في ليبيا وشرق المتوسط، وهو ما سيجري وفق ضوابط ومعايير محكمة لن تختل عناصرها بل ستكون أساسا للحركة المستقبلية، وقد تتجنب بعض الأطراف بما في ذلك الطرف التركي الصدامات المباشرة.
إلا أن ما سيجري سيتم في إطار الحفاظ أولا وأخيرا على المصالح وإن تقاطعت وربما تعارضت مع مصالح الأطراف المختلفة، والتي سيحكمها أيضا استراتيجية شد الأطراف، وتنويع التحركات، وما جرى في الاتفاق الإيطالي اليوناني، سيكون مقدمة لتحالفات جيدة ومهمة وعاجلة وسريعة، ووفق أطر مصلحية ونفعية في شرق المتوسط، وما يجاوره من مناطق تماس ستمتد من ليبيا إلى طول الساحل المتوسط، ومرورا بدول الساحل والصحراء، وبما يوسع من دوائر التوازن الاستراتيجي المستهدف.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة