المعارضة التركية.. نحو ضبط بوصلة السياسة الخارجية
المعارضة لسياسة الحزب الحاكم في تركيا لا تنحصر على فصيل بعينه؛ إذ تجمع أحزاب المعارضة على فشل سياسة العدالة والتنمية.
أصبحت السياسة الخارجية التركية موضع جدل حاد في الآونة الأخيرة، بعد تراجع مناعة أنقرة إقليميا ودوليا، وتوتر علاقتها مع محيطها.
وتهاجم أحزاب المعارضة السياسة التى انتهجها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتتهمه بالفشل في الحفاظ على علاقات وطيدة مع الحلفاء، ودول الجوار في مقدمتها سوريا ومصر ودول الخليج.
ترى أحزاب المعارضة أن السياسة الخارجية إحدى المشاكل الرئيسية الخمسة في تركيا، بالإضافة للاقتصاد والتعليم والسلم الاجتماعي والديمقراطية التي قال إنه سيعمل على حلها.
تردت علاقات تركيا مع العديد من الدول العربية مروراً بالاتحاد الأوروبي ووصولاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ويعود هذا التوتر إلى فشل حزب العدالة والتنمية في فهم أبعاد ومسارات المشهد الإقليمي، خاصة في مناطق الصراعات، إضافة إلى الفشل في إقناع لاعبين إقليميين ودوليين بتبني طروحاته ومواقفه بهدف الهيمنة على إدارة الملفات الإقليمية دون الأخذ في الاعتبار مصالح الآخرين.
والواقع أن المعارضة لسياسة الحزب الحاكم في تركيا لا تنحصر على فصيل بعينه؛ إذ اجمعت أحزاب المعارضة على اختلاف توجهاتها السياسية على فشل السياسة الخارجية التي ينتهجها العدالة والتنمية.
وفي محاولة لتصحيح مسار السياسة التركية، دخل حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، على خط الأزمة السورية، عبر عقد مؤتمر دولي حول سوريا مقرر له 28 سبتمبر الجاري، وبمشاركة أغلب الأطياف السورية، إضافة لدول الجوار، والدول المعنية بالقضية.
انتقادات حادة
تتصاعد دعوات المعارضة التركية لضرورة تغيير السياسة الخارجية التركية بسبب الإصرار على إعادة إنتاج مواقف مضادة تجاه أحداث المنطقة، إضافة إلى خسارة أنقرة جانبا معتبرا من أسواقها في المنطقة العربية، وتهديد واشنطن بفرض عقوبات واسعة على الاقتصاد التركي بعد إتمام صفقة منظومة الدفاع الصاروخية S400 مع روسيا. وثمة انتقادات عديدة توجهها المعارضة للسلوك الخارجي للرئيس أردوغان، يمكن بيانها على النحو التالي:
الانخراط السلبي في أزمات الإقليم:
ترفض المعارضة التركية اعتماد الحزب الحاكم على استخدام أدوات القوى الصلبة لتعزيز حضورها في المنطقة، حيث لم تتوان عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول الإقليم، وبخاصة سوريا. وانتقد زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو في 16 يوليو/تموز الماضي أردوغان على سياساته التي اعتبرها خاطئة في مصر واليمن وليبيا، ودعاه إلى إيقاف إرسال الأسلحة إلى ليبيا.
التورط في المستنقع السوري:
سئمت المعارضة التركية توجهات العدالة تجاه الأزمة السورية، لا سيما تجاه الجيش السوري الحر؛ إذ تراه المعارضة أحد مكونات خارطة الإرهاب في البلاد.
وفي الوقت الذي يناهض أردوغان نظام الأسد ويطالب برحيله، تهدف استراتيجية المعارضة إلى احتواء الأزمة بسلام وإحداث تحوّل فيها وتوجيهها عبر تعزيز الديمقراطية، كما تدعو إلى عودة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق وعقد محادثات معها.
وتساءلت المعارضة التركية على لسان زعيمها كليجدار أوغلو، لماذا لا يوجد لدينا سفير في دمشق؟ ولماذا نعقد محادثات غير مباشرة (مع الحكومة عبر روسيا)؟ فوحدة الأراضي السورية من مصلحتنا".
أدلجة السياسة الخارجية:
كان مثيراً لقلق المعارضة التركية تخلي الرئيس أردوغان عن اعتبارات المصلحة مع بعض دول الإقليم لصالح البُعد الأيديولوجي الذي تجلى في استمرار دعم حركات الإسلام السياسي، فقد اعتمدت تركيا لحماية مصالحها ونفوذها على الفصائل المتطرفة، باعتبارها الخيار الأنسب، وجعلها رأس حربة لكي تكون في مرحلة متقدمة أدوات لها لأداء أدوار مؤثرة في المنطقة.
وفي هذا السياق كانت دعوة المعارضة التركية إلى ضرورة التخلي عن الإخوان المسلمين والتصالح مع مصر، والتوقف عن الدعم أو التعاون مع الفاعلين من غير الدول، وبخاصة الجماعات الراديكالية في سوريا واليمن وليبيا.
وترى المعارضة التركية أن البلاد قد تفقد كثيرا من موقعها وموضعها في المنطقة في ظل الإصرار على الاستثمار في البعد الأيديولوجي، وإذا ما اختارت التحول إلى القوة الصلبة في التعامل مع أزمات الإقليم.
معاداة سياسة الباب المفتوح للاجئين:
أطلقت تركيا ما عرف بسياسة "الباب المفتوح" أو "الإخاء بين المهاجرين والأنصار" بشأن التعامل مع قضية اللاجئين السوريين، الأمر الذي أثار امتعاض المعارضة التي تتبنى خطابا سياسيا مغايرا يرتكز على اتباع سياسات تشجع اللاجئين على العودة إلى بلادهم.
ويخشى القوميون الأتراك من تزايد التأثير العربي في بلادهم، خاصة أن عدد المهاجرين العرب في تركيا وصل إلى 5 ملايين، منهم 3,5 مليون سوري وفقًا لآخر تقديرات صادرة عن الجمعية العربية في إسطنبول، كما تتهم المعارضة حكومة حزب العدالة والتنمية بالعمل على تغيير التركيبة الأيديولوجية والديموغرافية للشعب التركي، واستندوا في ذلك إلى قرار الحكومة بتجنيس الخبرات والكفاءات السورية، ولا تقتصر مخاوف المعارضة على ما سبق؛ إذ تتخوف أيضا من منافسة اللاجئين للأتراك في سوق العمل في ظل تدهور الوضع الاقتصادي لأنقرة.
إجراءات تصحيحية
نجحت المعارضة منذ ما يقرب من عامين في تحقيق اختراق جذري في المشهد التركي، وظهر ذلك في حصولها مجتمعة على نحو 49% من مجموع أصوات الانتخابات الرئاسية التي جرت في يونيو/حزيران 2018 فضلا عن الفوز بالمدن الكبرى، وفي الصدارة منها أسطنبول في الانتخابات البلدية التي جرت في 31 مارس/آذار الماضي.
تأسيساً على ذلك تسعى المعارضة إلى معالجة الأزمات الهيكلية التي تعانيها تركيا، وبخاصة ملف السياسة الخارجية، فعملت على تبني مجموعة من الإجراءات على أرض الواقع، منها توجه حزب الشعب الجمهوري للدخول بشكل مباشر على خط الأزمة السورية، عبر عقد مؤتمر دولي حول سوريا مقرر له 28 سبتمبر/أيلول الجاري، وبمشاركة أغلب الأطياف السورية وضمنها الحكومة، إضافة لدول الجوار، والدول المعنية بالقضية.
والأرجح أن توجه المعارضة نحو عقد مؤتمر دولي حول السوري، يأتي كرد فعل على فشل سياسات العدالة والتنمية وأردوغان والدور الذي لعبه في الأزمة، وما كان له من نتائج كارثية في سوريا وتركيا.
كما اتجهت المعارضة عبر رؤساء البلديات المحسوبين عليها إلى تبني إجراءات على الأرض تسهم في عودة اللاجئين إلى بلدانهم، فعلى سبيل المثال تكثف بلدية إسطنبول وأنقرة وأضنة وغيرها من حملات التفتيش على المصانع والأنشطة التجارية لضبط السوريين المخالفين لقوانين العمل فضلا عن التشدد في منح تصاريح العمل، والتضييق على منح تراخيص الأنشطة التجارية.
وفي إطار جهود المعارضة لضبط حضور اللاجئين وتحركاتهم في البلاد، عمل رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو مؤخرًا على إعادة السوريين غير المسجلين لديها إلى الولايات التي قاموا بتسجيل أنفسهم بها.
على صعيد متصل، تكرس المعارضة التركية انتهاج سياسة تخفيف التوترات مع محيط تركيا الإقليمي والدولي، بالتأكيد على عدم التورط في المشكلات الداخلية للبلدان الأخرى، وتوطيد مكانة تركيا لدى جيرانها عبر العلاقات التجارية والنشاطات الاستثمارية.
وفي هذا السياق أكدت المعارضة التركية أنها لا تحمل توجهات معادية لمصر، وتجلى ذلك في دعمها لزيارة وفد من رجال الأعمال الأتراك للقاهرة في يناير/كانون الثاني 2017، وكانت الزيارة الأولى من نوعها بعد تولى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مقاليد السلطة، كما دعت المعارضة لضرورة تطوير السياسة الخارجية التركية حيال دول الإقليم، وبخاصة ليبيا، التي طالب رئيس حزب الشعب الجمهوري الرئيس أردوغان بإعادة صياغة العلاقة مع طرابلس والمشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني الليبي.
ختاماً يمكن القول إن المعارضة التركية باتت أحد الفاعلين لتصحيح مسار السياسة الخارجية التى تعرضت لانتكاسة غير مسبوقة بفعل الانخراط السلبي في أزمات الإقليم، وبخاصة الأزمة السورية.