تركيا في ساحل أفريقيا.. من قوة ناعمة إلى «صلبة»
مع انحسار النفوذ الفرنسي في مستعمراته السابقة بأفريقيا، ووسط تنامي مشاعر العداء لباريس وأمريكا في تلك المنطقة الاستراتيجية دخلت دول أخرى على الخط، محاولة ملء الفراغ الحالي.
إحدى تلك الدول كانت تركيا، التي بدأت تتطلع إلى تعزيز علاقاتها العسكرية مع دول الساحل الأفريقي، في ظل الاضطرابات المدنية المتزايدة في بلدان تلك المنطقة، التي تشمل النيجر وتشاد وموريتانيا وبوركينا فاسو ومالي، حسب خبير العلاقات الدولية الدكتور إردم أوزلوك وخبير الشؤون الأفريقية د.إبراهيم ناصر.
وفي تصريحات لـ«العين التركية»، قال ناصر إن أنقرة تتطلع إلى تعزيز علاقاتها العسكرية والدبلوماسية مع دول منطقة الساحل من خلال نهج مربح للجانبين.
ومع تطور صناعة الدفاع، بدأت تركيا في بيع المزيد من الأسلحة إلى دول الساحل، فيما جذبت الطائرات دون طيار التركية اهتماما كبيرا من دول المنطقة.
ويقول إردم أوزلوك، الأستاذ المساعد في قسم العلاقات الدولية بجامعة سلجوق، إن الأجندات الخاصة للدول الأفريقية، إلى جانب التطورات الإقليمية والعالمية التي تعد تركيا مركزا لها، لعبت دورا كبيرا في هذا الاهتمام المتزايد.
وبينما ترغب العديد من الدول الأفريقية في تعزيز قدراتها الأمنية في ظل حالة عدم الاستقرار المستمرة في القارة، برز دور تركيا في هذا السياق، فخلال العقد الماضي لعبت أنقرة دورا بديلا لفرنسا المستعمر السابق للدول الأفريقية، والولايات المتحدة الأمريكية التي تتمتع بنفوذ كبير في القارة، بحسب أوزلوك.
فما مظاهر ذلك الاهتمام؟
على الرغم من أن تركيا «لم تعد قادرة اليوم» على محاربة الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، فإنها قدمت مساعدات بقيمة 5 ملايين دولار لـ«قوة العمل المشتركة» التي أنشئت في إطار مجموعة الساحل الخمس عام 2017، إضافة إلى تزويدها إياها بالأسلحة والذخائر.
ووقعت شركة الصناعات الميكانيكية والكيميائية التركية اتفاقية مع قوة العمل المشتركة لمجموعة الساحل الخمس (G5 Sahel)، وأعلنت أنها ستورد بنادق قنص من طراز بورا-12 (Bora-12) ورشاشات PMT-76، إضافة إلى دعم بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
كما وقعت أنقرة -أيضا- اتفاقيات دفاعية وأمنية ثنائية مع دول المنطقة، وتسعى لزيادة عدد الدول التي تتعاون معها من خلال توسيع نفوذها العسكري إلى القرن الأفريقي، وقد عززت بصمتها العسكرية في القارة من خلال توقيع اتفاقيات أمنية مع كينيا، وإثيوبيا، وتنزانيا، وأوغندا.
ومنذ عام 2018، عززت تركيا وجودها في دول جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية وعلاقاتها مع هذه الدول، من خلال توقيع اتفاقيات تعاون عسكري ثنائية مع موريتانيا، غامبيا، ساحل العاج، تشاد، السودان، غينيا، نيجيريا، بنين، والنيجر.
وافتتحت تركيا قاعدة عسكرية في خليج عدن (باب المندب ومدخل البحر الأحمر)، التي تتمتع بموقع استراتيجي للغاية، وأصبحت هذه القاعدة العسكرية في الصومال أول قاعدة عسكرية لتركيا في القارة الأفريقية.
وتعد النيجر إحدى الدول الرئيسية التي تحظى باهتمام تركيا المتزايد في منطقة الساحل، لجوارها مع ليبيا، والمشاكل التي تواجهها مع فرنسا، ومواردها الطبيعية. واكتسبت العلاقات بين النيجر وتركيا زخماً كبيراً في السنوات العشر الماضية منذ بدء العلاقات الرسمية بين البلدين في عام 1967.
تُعد الزيارات المتبادلة بين رؤساء الدولتين والدعم الذي تقدمه تركيا للنيجر في حربها ضد المنظمات الإرهابية في المنطقة أمراً بالغ الأهمية في هذه العملية، ونتيجة لهذه التطورات وقعت تركيا والنيجر اتفاقية دفاعية في عام 2020، تتضمن إنشاء قاعدة عسكرية، مما يمكن أن يضع أسس الدعم العملياتي المباشر لتركيا، كما تم توقيع اتفاقية تعاون في مجال التدريب العسكري بين البلدين، ولتركيا أيضاً ملحق عسكري يعمل في النيجر.
وزودت تركيا، التي كانت لها علاقات وثيقة مع حكومة النيجر قبل الانقلاب العسكري في عام 2023، النيجر بطائرات دون طيار من طراز Bayraktar TB-2 وطائرات تدريب Hürkuş ومركبات مدرعة، وبعد انقلاب النيجر عام 2023 طالبت نيامي بخروج الجنود الفرنسيين أولاً، ثم الأمريكيين، على الرغم من أن أعدادهم كانت منخفضة في المنطقة، مما أدى إلى تسريع عملية زيادة نفوذ روسيا وتركيا في البلاد".
لكن ما سر التحول؟
يقول خبير الشؤون الأفريقية الدكتور إبراهيم ناصر إنه على الرغم من أن علاقات تركيا التاريخية مع دول شمال أفريقيا تعود إلى الإمبراطورية العثمانية، فإن أنقرة تسعى منذ إعلان عام 1998 «عام أفريقيا» في السياسة الخارجية التركية إلى تعزيز نفوذها في القارة السمراء، بالتركيز على منطقة الساحل.
إلا أن أنقرة لجأت إلى تغيير استراتيجيتها من القوة الناعمة إلى القوة الصلبة حسب ناصر، الذي فسر هذا التحول بقوله إن «هناك مرحلتين في السياسات التي تنفذها تركيا في دول الساحل، في البداية رأينا جانب القوة الناعمة، حيث قدمت تركيا مساعدات إنسانية لدول المنطقة ضمن توسعها الأفريقي، ثم انتقلت إلى مرحلة القوة الصلبة».
وبحسب الخبير في الشؤون الأفريقي فإن «عدم الاستقرار الناجم عن الأحداث الإرهابية في أفريقيا جعل المنطقة واحدة من أكبر أسواق الأسلحة في العالم»، ما يفسر الوجود العسكري التركي في الصومال، وقبله في تركيا، التي غيرت أسلحتها موازين القوى.
هناك تغيير جيوسياسي يحدث في أفريقيا -أيضا- حسب ناصر، فبعد أن فقدت فرنسا نفوذها في منطقة الساحل طورت أنقرة علاقاتها مع دول المنطقة بشكل أكبر، فيما عززت الطائرات التركية دون طيار هذه العلاقات العسكرية.
هل تمتلك تركيا قوة أمنية متمركزة في الساحل؟
يقول الدكتور إردم أوزلوك إنه ليس لدى تركيا قوة أمنية ذات قدرة عملياتية مباشرة في منطقة الساحل، مشيرا إلى أنه رغم وجود بعض المبادرات لإنشاء مثل هذه القوة فإنها لم تكتمل بعد.
وأوضح: فقط في مالي هناك 50 جنديا تركيا يعملون ضمن بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد، إضافة إلى ذلك هناك قوات أمنية تركية (شرطة وجنود) تعمل ضمن مهام حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
أسلحة تركيا لدول الساحل
على الرغم من أن تركيا لا تمتلك جنودا متمركزين في دول الساحل، فإن منتجات الصناعة الدفاعية التركية تُستخدم في جميع دول المنطقة تقريبا.
ويقول خبير العلاقات الدولية د.إردم أوزلوك إن تركيا بدأت تبيع المركبات المدرعة وأنظمة الدفاع الإلكترونية إلى منطقة الساحل، فصدرت مركبة Cobra EOD، وبندقية القنص Bora-12، ومدفع رشاش PMT76، ومركبة Nurol Ejder Yalçın TTZA، وطائرة Songar دون طيار، وطائرة Baykar Bayraktar TB2 SIHA، وطائرة HÜRKUŞ، وطائرة Akıncı TİHA، إلى تلك الدول.
هل أصبحت تركيا بديلا؟
يُشير العديد من الخبراء إلى أن نفوذ فرنسا والولايات المتحدة في دول الساحل قد انتهى، فيما يقول الدكتور إردم أوزلوك إن دول الساحل لا تعتبر تركيا تهديدا، بل تراها قوة بديلة جيدة يمكن التعاون معها.
وفي السنوات الأخيرة تزايدت ردود الفعل ضد فرنسا في أفريقيا، خاصة في مالي، بوركينا فاسو، والنيجر. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنقرة بالاستفادة من "الغضب ما بعد الاستعماري" لتقويض العلاقات الفرنسية في غرب أفريقيا.
ورداً على ذلك، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطاب عام 2021 أن "التعاون مع الدول الأفريقية لن يُنظر إليه أبداً من منظور قصير الأجل ومركّز على المصالح". وأضاف "نحن لسنا من الذين يريدون استمرار النظام الاستعماري القديم بطرق وأساليب جديدة"، في إشارة إلى فرنسا.
وتمتلك تركيا اليوم 44 سفارة في القارة الأفريقية. إضافة إلى ذلك تسعى لزيادة نفوذها في القارة من خلال مؤسسات مثل الخطوط الجوية التركية، معهد يونس إمره، وكالة التعاون والتنسيق التركية (TİKA)، رئاسة الشؤون الدينية، مؤسسة معارف والعديد من المنظمات غير الحكومية.
aXA6IDE4LjExOS4xMzMuMjA2IA== جزيرة ام اند امز