يستند العمل المناخي إلى إطار قانوني يعتمد على اتفاق باريس لعام 2015 الذي تعهدت فيه 192 دولة بالالتزام وفقاً لما يعرف بالمساهمات المحددة وطنياً.
تشمل الجهود على مستوى كل دولة لتحديد أولوياتها فيما يرتبط بجهود التخفيف من الانبعاثات الضارة والتكيف مع تغيرات المناخ والتصدي للخسائر والأضرار وتدبير التمويل المطلوب لتحقيق هذه الأولويات. إذن على هذا النحو نحن بصدد إطار عالمي يتم تنفيذه من قبل الحكومات المركزية وهو النهج التقليدي المعتاد بأن يحظى المستوى المركزي الحكومي والمستوى العالمي من خلال المنظمات الحكومية بأولوية متفهمة في التعاون والتنسيق. لكن الأداء المتواضع للعمل المناخي الذي تسفر عنه مؤشرات تقارير اللجنة العلمية المستقلة والتقارير المبدئية للحصيلة العالمية التي سيتم عرض نتائجها النهائية في قمة المناخ المقبلة التي تستضيفها دبي نهاية الشهر الجاري رغم التعهدات المبرمة والوعود المطلقة بدفع العمل المناخي تنفيذياً. فالعالم مطالب بتخفيض الانبعاثات الضارة إلى النصف حتى عام 2030، بما يتطلب مراجعة عاجلة وملزمة لأنماط الإنتاج والاستهلاك المتبعة.
ومن أسف أنه بدلاً من تخفيف الانبعاثات الضارة فالعالم يزيد منها؛ علما بأن هناك مسؤولية كبرى على دول أعضاء في مجموعة العشرين تحديداً لتحقيق مستهدفات العمل المناخي. ولا تجد مؤخراً مما يصدر من بيانات عن هذه المجموعة المسؤولة عن جل الانبعاثات الضارة و80% من الاقتصاد العالمي ما يبشر بنقلة نوعية في المسار نحو تحقيق أهداف اتفاق باريس، بما يستوجب دفعاً وتحفيزاً وإلزاماً متبادلاً يرجى أن تشهد تطورات إيجابية بشأنه في القمة الثامنة والعشرين.
كما أكدت من قبل أنه لا سبيل لتحقيق أهداف العمل المناخي والتوافق مع اتفاق باريس إلا بوضعها في إطار التنمية المستدامة والتركيز على المدى زمني القريب حتى عام 2030 لإنجاز مستهدفات التخفيف والتكيف. فالعمل المناخي أحد أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر ولتحقيق هذا تحديداً يجب أن تُدفع آليات التنفيذ في اتجاهها الصحيح على أن يكون ذلك على المستوى المحلي وليس المستوى الوطني المركزي فقط؛ فلعلنا ندرك أن العمل المناخي يبدأ وينتهي عند المستوى المحلي، فالانبعاثات الضارة تبدأ من مشروعات وممارسات محلية، والحلول تفعل من خلال مشروعات تنفذ محلياً، وسياسات وإجراءات لها أثر محلي وإن لم تتخذ إجراءات فاعلة وسريعة وعادلة يضار منها الاقتصاد والمجتمع المحليين. ومن هنا تأتي أهمية توطين التنمية المستدامة عموماً والعمل المناخي تحديداً.
كما أن هناك بُعداً إقليمياً يشمل مجموعات الدول التي تجمعها وحدة الجغرافيا والبيئة واشتراكها في التعرض لتغيرات حادة في الطقس بفعل تغيرات المناخ، كما أن الحلول المفترضة من خلال الاستثمارات في مشروعات التخفيف والتكيف قد لا تكون مجدية أو فعالة في بعض الدول إلا إذا ما اتخذت هذه المشروعات بعداً إقليمياً يتجاوز حدود الدولة لاعتبارات الحجم والنطاق الاقتصادي للمشروع وما يعرف عند الاقتصاديين بالآثار والوفورات الخارجية. هذا البعد الإقليمي المفتقد في أحوال كثيرة لا يجب أن يغفل أيضاً مزايا توطين التنمية ومشروعاتها وتأثيرها على المجتمعات المحلية. وفي هذا الشأن أشير إلى مبادرتين سيتم عرض نتائجهما في إطار فعاليات قمة المناخ.
المنصات الإقليمية لمشروعات المناخ:
استعداداً لقمة شرم الشيخ العام الماضي بما نستكمله ونبني عليه لقمة دبي المقبلة بدأ عمل غير مسبوق لإعداد قائمة مشروعات المناخ ذات الأثر التنموي كمبادرة اشتركت فيها رئاسة القمة السابعة والعشرين مع رائدي المناخ بالتعاون مع اللجان الاقتصادية الخمس للأمم المتحدة التي تشمل أفريقيا والبلدان العربية والبلدان النامية والأسواق الناشئة في آسيا والباسيفيك وأمريكا اللاتينية والكاريبي وأوروبا. جرى الإعداد للمشروعات بالتنسيق مع بيت الاستشارات "بي سي جي"، وعدد من بنوك الاستثمار والمؤسسات المالية الأعضاء في "اتحاد جي فانز" أو ائتلاف غلاسكو المالي للحياد الصفري. قامت هذه المبادرة بالإجابة العملية عن سؤال متكرر عن أن هناك تمويلاً خاصاً متاحاً ولكن أين هي المشروعات المناخية ذات الجدوى؟ وخرج من هذه المبادرة أكثر من 400 مشروع في مجالات التخفيف والتكيف ضُمنت في مرجع تفصيلي متاح للمستثمرين وفي تقرير بعنوان "من الأصول إلى التدفقات" سيعرض أيضاً في القمة المقبلة. هذه المشروعات متنوعة الأحجام والتأثير تسعى إلى جذب استثمارات مباشرة وتمويل ميسر وبعضها بدأ العمل بالفعل لعدة سنوات وتتطلع للتوسع والانتشار.
المشروعات الخضراء الذكية وتوطين التنمية:
جاءت هذه المبادرة في إطار ربط العمل المناخي بتوطين التنمية والتحول الرقمي ودشنت بمنافسة بين مشروعات على المستوى المحلي في ست فئات: مشروعات كبيرة الحجم، والمشروعات المتوسطة، والمشروعات الصغيرة، ومشروعات تملكها وتديرها المرأة، ومشروعات مجتمعية غير هادفة للربح، بالإضافة لفئة الشركات الناشئة التي يقودها الشباب. تم تفعيل هذه المبادرة على مدار العام السابق والعام الجاري بمشاركة 12000 مشروع تقريباً على مدار العامين في محافظات مصر السبع والعشرين؛ تناولت مختلف مجالات التخفيف والتكيف وتركزت في دورة المبادرة الثانية في قطاعات الزراعة المستدامة وصناعات الطاقة المتجددة وإدارة المخلفات والمياه والمباني الخضراء، فضلاً عن الاقتصاد الدوار وصناعة الملابس والسياحة المستدامة والتكنولوجيا البيئية والتراث الثقافي والفنون. لم تسهم هذه المبادرة فقط في استعراض فرص الاستثمار في مجالات الإنتاج ومشروعات تعتمد على جناحي التقدم المتمثلين في الاستدامة والتحول الرقمي، ولكنها أسهمت في زيادة الوعي بأهداف وآليات العمل المناخي على المستوى المحلي بتفعيل آليات المنافسة بين المشروعات على المستوى المحلي للمحافظات وعلى المستوى الوطني وحشد التمويل المحلي والخارجي لها. وتجتهد هذه المبادرة في مشركة خبرتها على المستوى الإقليمي بداية بأفريقيا والمنطقة العربية من خلال مشاركة مشروعاتها الفائزة في المنافسة في القمة الثامنة والعشرين وهي ما بدأته بالمشاركة في قمة شرم الشيخ.
يتميز البعدان الإقليمي والمحلي بتقديم حلول عملية بمشاركة بين الاستثمارات العامة والخاصة والمؤسسات الطوعية وجميع الأطراف الفاعلة للمجتمع المدني وهما بعدان أساسيان يكملان ويطوران مجالات العمل المناخي؛ ولا بديل عنهما لإنجاح العمل المناخي جنباً إلى جنب مع البعدين العالمي والمركزي للدول.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة