عامان على حرب غزة.. حين قيّد رد الفعل «الخيارات الكبرى»

بالتزامن مع مرور عامين على اندلاع حرب غزة، تبدو المنطقة وكأنها عالقة في لحظة لم تنتهِ بعد. فما بدأ في الساعات الأولى لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 كسلسلة قرارات طارئة، تحول فيما بعد إلى مسار يقيد جميع الأطراف.
وكما تصف مجلة فورين بوليسي، فإن انطلاق الهجمات العسكرية الإسرائيلية لم تكن مجرد رد فعل، بل نقطة انطلاق لمسار سياسي وعسكري معقد، صاغته الصدمة الأولى وقيّدته الحسابات اللاحقة.
سيناريوهات افتراضية
ومع حلول الذكرى الثانية، تعود الأسئلة المعلّقة إلى الواجهة: ماذا لو اختارت إسرائيل حملة محدودة لتحرير الرهائن بدل حرب الاستنزاف الطويلة؟ كم كان يمكن إنقاذ من الأرواح؟ وكيف كانت ستبدو خريطة الشرق الأوسط لو استمر قطار التطبيع مع السعودية؟ بين الإجابات الملتبسة والحقائق المؤلمة، يبقى المؤكد أن «طوفان الأقصى» لم يُعد رسم الخريطة العسكرية فقط، بل أعاد تعريف السياسة ذاتها في المنطقة بثمن باهظ.
الإجابة عن هذه الأسئلة ليست بسيطة، فهي "نعم ولا" معًا. نعم، لأن نتائج ما حدث في غزة لم تكن حتمية بالكامل. ولا، لأن بعض البدائل لم تكن واقعية عمليًا أمام صناع القرار، في ظل صدمة الهجوم وتداعياته السياسية الفورية التي دفعت الجميع – إسرائيليين وفلسطينيين وأمريكيين – نحو مسار مأساوي.
إعادة رسم الخريطة السياسية بثمن باهظ
لا يمكن فهم هذا الكم الهائل من المآسي في غزة خلال العامين الماضيين بمعزل عن عملية حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول. فقد أعاد الهجوم القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الدولي، وعطّل مسارات التطبيع، وربما أعاد ترتيب أوزان حماس مقارنة بالسلطة الفلسطينية.
وتحول تركيز تل أبيب إلى استمرار العمليات العسكرية في غزة، ومخططات التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وتراجع قبول حل الدولتين بين قطاعات متزايدة من الإسرائيليين الذين استخلصوا من الهجوم أن الفلسطينيين غير راغبين في التعايش السلمي.
تفاعلات القرار: من بايدن إلى الداخل الإسرائيلي
منذ اندلاع "طوفان الأقصى"، لعبت الاعتبارات السياسية دورًا محوريًا في تشكيل خريطة الحرب. فزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن السريعة إلى تل أبيب في 18 أكتوبر/تشرين الأول، قُصد بها أن تمنحه منفذًا أخلاقيًا وسياسيًا، ولقيت ترحيبًا عاطفيًا في إسرائيل والمجتمع اليهودي الدولي.
لكنها تحولت لاحقًا إلى مصدر خلاف، إذ ظن بايدن أن التعبير عن التضامن سيمنحه قدرة على التأثير في مسار العمليات، بينما فسرها القادة الإسرائيليون كإشارة إلى حرية تحرك أوسع في غزة. ومع اتضاح هذا الفرق في التوقعات، كانت الحرب قد بلغت شهرها الرابع، مما أثار انقسامات داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي.
داخليًا، ناقشت إسرائيل خيار عملية عسكرية مكثفة ومحدودة لمدة ثلاثة أشهر، وهو خيار يتسق مع العقيدة العسكرية التقليدية ومدعوم أمريكيًا. لكن المزاج السياسي الداخلي، المشحون بالغضب والرغبة في الانتقام، وتوازنات الائتلاف الحكومي المعتمد على أحزاب يمينية متطرفة، دفعت نحو سياسات أوسع نطاقًا وأطول أمدًا.
وقد أسهم تقاطع هدف "تدمير حماس" مع طموحات قوى داخل الحكومة لإعادة احتلال غزة في إطالة أمد الصراع.
النتائج المأساوية وتداعياتها
كانت النتيجة حملة طويلة أودت بحياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وأرهقت الجيش الإسرائيلي، وأحدثت شرخًا في المجتمع الإسرائيلي، وألحقت ضررًا كبيرًا بصورة إسرائيل دوليًا. وقد حُدّت خيارات العديد من القرارات بحسابات حزبية ومصالح سياسية ضيقة، مما قاد إلى نتائج سيئة للجميع.
في هذا السياق، تبرز خطة السلام الأمريكية المكونة من عشرين بندًا والتي طرحها دونالد ترامب كمحاولة لوقف العنف، ويبدو أن لها رصيدًا سياسيًا في المنطقة. لكنها تواجه المعضلة ذاتها: كيف يمكن تعديل الحوافز والقيود السياسية لدى الإسرائيليين والفلسطينيين لتمكين حل دائم؟
ورغم التفاؤل الذي أعقب لقاء ترامب بنتنياهو في سبتمبر/أيلول الماضي، لا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام تحدّي الموازنة بين الالتزامات الداخلية والضغوط الإقليمية والدولية.
في قلب هذه المعضلة تكمن مسألة محورية: هل ستقبل حماس بإطلاق سراح الرهائن المتبقين، ونزع سلاحها، والتخلي عن دورها كـ"رمز للمقاومة"؟
الإجابة على هذا السؤال تحدد إلى حد كبير مدى قدرة أي خطة - أمريكية كانت أم غيرها - على تحقيق الأهداف العسكرية والسياسية لإسرائيل من جهة، وتلبية طموحات الفلسطينيين في تقرير المصير والعدالة من جهة أخرى.
وبما أن خطة ترامب لا تتناول هذه الطموحات بعمق، فقد تفتح مسارًا جديدًا محفوفًا بعدم اليقين، ويعيد المنطقة إلى دوائر نزاع أخرى.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjEg جزيرة ام اند امز