تتمتع دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الصين الشعبية بعلاقات تاريخية وثيقة، تميزت بالتعاون المتبادل في مختلف المجالات، خاصة الثقافية والتعليمية.
تعود جذور هذه العلاقات إلى القرن السابع الميلادي بالتبادل التجاري، ولكنها أخذت طابعاً رسمياً مع الإعلان عن تأسيس دولة الإمارات في الثاني من ديسمبر 1971، عندما بعث المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان برقية إلى رئيس مجلس الدولة الصيني شو ان لاي، يبلغه فيها بقيام الدولة، وتلقى رداً ببرقية تهنئة تعترف بقيام دولة الإمارات.
منذ ترسيخ العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات والصين في نوفمبر 1984 شهدت العلاقات تطوراً ملحوظاً في مجالات مختلفة، في عام 2015، زار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الصين، مما مثل مرحلة جديدة من تعزيز العلاقات الإماراتية الصينية، تناولت الزيارة أوجه التعاون المشترك في مجالات متعددة، بما في ذلك التجارية والثقافية والتعليمية.
على صعيد التنمية الاقتصادية تجاوز حجم التجارة الثنائية بين الإمارات والصين 95 مليار دولار أمريكي في عام 2023، مما يعكس قوة العلاقات التجارية بينهما، تعد الإمارات أكبر سوق لصادرات الصين في الشرق الأوسط، إذ تتم إعادة تصدير 70% من الصادرات الصينية إلى دول مجلس التعاون الخليجي وأفريقيا وشرق آسيا.
الأبعاد الثقافية وحوار الحضارات
لعب مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية، الذي تأسس عام 1990 في جامعة الدراسات الإسلامية ببكين، دوراً محورياً في نشر الثقافة العربية وتعزيز اللغة العربية في الصين، وبدعم من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أصبح هذا المركز منارة تعليمية بارزة، تعزز الفهم المتبادل بين الشعبين وتسهم في نشر الثقافة الإسلامية.
حرصت دولة الإمارات على نشر تعليم اللغة الصينية داخل الإمارات من خلال المدارس والجامعات، إذ تم تبادل الزيارات الطلابية بين البلدين لتعزيز التفاهم الثقافي. تأسس معهد كونفوشيوس في جامعة دبي في ربيع عام 2011 كأول معهد من نوعه في الخليج العربي، يقدم دورات لتعليم اللغة الصينية، مما يعزز الفهم الثقافي بين البلدين.
أسهمت الأسابيع الثقافية والمهرجانات الموسيقية ومعارض الكتب في تعزيز التبادل الثقافي بين الإمارات والصين. ففي عام 2014 احتفى معرض أبوظبي الدولي للكتاب بالصين كضيف شرف، وتم إطلاق مكتبة مركز الشيخ زايد بجامعة الدراسات الأجنبية ببكين في المعرض، مما عزز التبادل الثقافي بين البلدين.
كما تسعى الإمارات والصين لتعزيز التنمية الاقتصادية والأمن من خلال التعاون في مبادرة «الحزام والطريق»، أدركت الصين أهمية موقع الإمارات كشريك استراتيجي لسياستها الرشيدة وموقعها الجغرافي، الذي جعلها مركزاً لوجستياً متعدد الأبعاد، يخدم التجارة العالمية، إذ أصبحت الإمارات حلقة وصل حيوية في شبكة التجارة العالمية، تسهم هذه المبادرة في فتح الأبواب أمام طرق تجارية جديدة وتعزز حركة البضائع بين الصين وأوروبا عبر آسيا الوسطى.
ويسعى البلدان إلى تطوير مشاريع تكنولوجية مشتركة تسهم في تعزيز الابتكار والتقدم العلمي. من بين هذه المشاريع إنشاء أول جامعة للذكاء الاصطناعي في العالم في أبوظبي، التي تضم طلاباً من مختلف الجنسيات، ثلثهم من الصين. هذا المشروع يعزز الابتكار ويطور الكفاءات البشرية، مما يسهم في تعزيز القدرات التكنولوجية لكلا البلدين.
أما في مجال الفضاء فلقد وقّعت دولة الإمارات مذكرة تفاهم مع الصين بشأن التعاون في مجال الاستكشاف السلمي للفضاء في 2016، تضمنت هذه المذكرة تبادل الأبحاث العلمية والتدريب والمحاضرات، إضافة إلى التعاون في إطلاق والتحكم في النظم الأرضية للأقمار الاصطناعية.
الحوار بين الثقافات وصناعة الأمل للأجيال الناشئة
تلعب العلاقات الثقافية بين الإمارات والصين دوراً محورياً في تعزيز التفاهم بين الشعوب وإرساء أسس التسامح والتعايش من خلال المبادرات الثقافية والتعليمية، إذ يتمكن الشعبان من التعرف على تاريخ وتقاليد وثقافة بعضهما بعضا، مما يعزز الفهم والاحترام المتبادل للثقافة، باعتبارها وجه الشعوب وحكاياتهم، وتوفر منصة للتواصل والحوار بين الحضارات، مما يسهم في بناء جسور قوية من التفاهم والاحترام المتبادل.
أحد المعالم البارزة للعلاقات الثقافية بين البلدين هو مسجد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في منطقة نينغشيا الصينية، الذي أنجزته «مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية»، يُعد هذا المسجد مركز إشعاع حضارياً يعبر عن الروح الإنسانية والقيادة الحكيمة لدولة الإمارات، ويعزز من نشر تعاليم الدين الإسلامي السمحة والمعتدلة.
تمثل العلاقات الإماراتية-الصينية نموذجاً للتعاون الدولي المبني على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، من خلال تعزيز الروابط الثقافية والتعليمية، ويمكن للبلدين تحقيق مستقبل مشرق يعزز استقرار المنطقة ويخدم مصالح الشعبين، ويظل العبور إلى المستقبل في هذه العلاقات محوره الإنسان والتنمية، مما يعكس التزام البلدين بتحقيق التنمية المستدامة وخدمة الإنسانية في جميع المجالات.
التعاون الثقافي والتعليمي بين الإمارات والصين لا يعزز فقط الفهم المتبادل، بل يسهم أيضاً في صناعة الأمل للأجيال الناشئة، من خلال تعزيز هذه الروابط، ويمكن للإمارات والصين تقديم نموذج يحتذى به للتعاون الدولي، وتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة والعالم.
نقلا عن صحيفة الاتحاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة