الإمارات والنمسا.. شراكة استراتيجية تعزز التسامح وتكافح الإرهاب
اتفاقية شراكة استراتيجية وقعتها الإمارات والنمسا، تؤسس بنودها قواعد تدعم الأمن والاستقرار وتحقق التنمية وتنشر التسامح وتكافح الإرهاب.
الاتفاقية جرى توقيعها، اليوم الخميس، في مقر وزارة خارجية النمسا بفيينا، بحضور الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بالإمارات ومستشار النمسا سيباستيان كورتس، في أعقاب مباحثات بين الجانبين.
مكافحة الإرهاب
أحد أبرز ثمار تلك الشراكة هو التعاون المشترك بين الجانبين في مكافحة الإرهاب.
وبحسب البيان المشترك الصادر عن البلدين خلال الزيارة " يحرص كلا البلدين على العمل معاً على تسهيل الجهود الرامية إلى تعزيز التسامح ومكافحة الجريمة الدولية والتطرف والإرهاب".
حرص ينبع من توافق كبير بين البلدين في ملف محاربة الإرهاب والتطرف والتصدي للأفكار الإرهابية التي تروج لها الجماعات المتشددة وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية والمليشيات المسلحة في العالم ورفض كل أشكال العنف والإرهاب والترويع التي تمارسها هذه الجماعات مع تأكيد أهمية الحفاظ على الشباب و تحصينهم تجاه الفكر الإرهابي.
توافق ظهر جليا في كلمات مستشار النمسا، سيباستيان كورتس، خلال استقباله، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وتأكيده على أهمية الدور الإماراتي في محاربة الأفكار المتطرفة والإرهاب، وإعرابه عن تطلع بلاده لتعزيز التعاون معها في مواجهة التحديات الدولية.
وقال مستشار النمسا لولي عهد أبوظبي: " أشكركم على التعاون الوثيق بين بلدينا، نشكركم بشدة على قتالكم المستمر ضد الأفكار المتطرفة وضد الإرهاب".
وأضاف: "أتطلع قُدما للعمل مع دولة الإمارات بشكل وثيق لتعزيز الاستقرار والتنمية الاقتصادية في المنطقة العربية، إضافة إلى التحديات الدولية، كقضية تغير المناخ والحرب ضد فيروس كورونا".
كلمات مستشار النمسا تكشف عن تقدير لضيفه الكبير وبلاده ودورها الهام في مكافحة الإرهاب، وتطلعه للعمل والتعاون مع الإمارات للتعزيز التعاون معها في مجالات شتى.
المعنى ذاته أكد عليه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في تغريدة له عبر حسابه الرسمي في موقع "تويتر" بين فيها أن ارتقاء العلاقات بين البلدين إلى مستوى استراتيجية شاملة "يعد مرحلة جديدة تفتح أمامنا آفاقاً أوسع للتعاون وبناء شراكات في مختلف المجالات."
توافق كبير
ومن بين أهم تلك المجالات مكافحة الإرهاب، الذي يقوم البلدان بدور كبير في هذا الملف على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وتقوم الإمارات بدور محوري ورئيسي في الحرب الدولية ضد التطرف والإرهاب؛ خاصة في ما يتعلق بالتصدي للجوانب الثقافية والفكرية، وهي جهود تحظى بتقدير المجتمع الدولي أجمع.
وانضمت الإمارات إلى الجهود الإقليمية والدولية الرامية للتصدي للتطرف والإرهاب، حيث شاركت في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "داعش" الإرهابي في عام 2014.
وبدأت منذ وقت مبكر في مكافحة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم الإخوان، على الأصعدة الأمنية والدعوية والفكرية.
و ضمن أحدث تلك الجهود، صدرت عن مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي نوفمبر الماضي، فتوى أكدت تجريم تنظيم الإخوان واعتباره منظمة إرهابية.
بدورها تشن النمسا حملة قوية ضد تنظيمات الإسلام السياسي على أراضيها مثل الإخوان وحزب الله وغيرها، بما يشمل حظر رموز هذه التنظيمات وفتح تحقيقات قضائية في وجودها وأنشطتها فضلا عن رقابة عناصرها المؤثرة.
وتؤمن النمسا بأهمية الدور الحاسم الذي يلعبه التعاون على المستوى الدولي ومساهمة المجتمع ككل في مكافحة الإرهاب، وشددت على ضرورة حرمان التطرف من التربة الخصبة ومكافحة الإرهاب بكل الوسائل القانونية.
و في 7 يوليو/ تموز الجاري، وافق برلمان النمسا على حزمة قوانين لمكافحة الإرهاب، التي اقترحتها حكومة المستشار سباستيان كورتس ، رداً على الهجوم الإرهابي الذي وقع بالعاصمة فيينا في شهر نوفمبر الماضي.
وتضمنت حزمة القوانين تشريع جريمة جنائية جديدة تم إدراجها في قانون العقوبات لمكافحة الجرائم ذات الدوافع الدينية، وتوسيع الإشراف القضائي على الإرهابيين المدانين الذين يتم إطلاق سراحهم بشروط عقب تنفيذ فترة العقوبة، واستخدام الأساور الالكترونية في الرقابة، مع إمكانية التمديد المتكرر لفترات مراقبة المفرج عنهم.
وأقّر البرلمان توسيع قانون حظر شعارات ورموز الجماعات المتطرفة والإرهابية.
نشر التسامح
أيضا شكل توافق البلدين على مبادئ التعايش السلمي و تعزيز قيم التسامح أحد أهم المنطلقات الرئيسية في تعزيز العلاقات بين البلدين حيث أكد البلدين في البيان المشترك "العمل معاً على تسهيل الجهود الرامية إلى تعزيز التسامح".
ومع ارتقاء العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة ستتمكن البلدان من القيام بدور أكبر في هذا المجال.
وخصوصا في ظل اهتمام النمسا وتقديرها للتجربة الإماراتية في نشر التسامح عالميا، وحرص الإمارات على أن يعم نفع تلك التجربة العالم.
وضمن هذا الإطار، نظمت في 5 يوليو / تموز الجاري، سفارة دولة الإمارات في فيينا جلسة حوارية مع أعضاء جمعية "حرم مجمع الأديان" في العاصمة النمساوية فيينا، لتبادل الآراء والأفكار حول مبادئ التسامح والحوار بين الأديان والتعبير عن المساواة بين الطوائف الدينية المختلفة.
واستعرض إبراهيم سالم محمد المشرخ سفير الإمارات لدى جمهورية النمسا خلال الجلسة الحوارية مشروع بيت العائلة الإبراهيمية في الإمارات الذي يضم مسجداً وكنيسةً وكنيساً يهودياً، بما يبرز القيم المشتركة بين الإسلام والمسيحية واليهودية، ويحفظ في ذات الوقت لكل دين خصوصيته ويعكس قيم الاحترام المتبادل والتفاهم بين أتباع الديانات السماوية الثلاث، حيث سيحتضن المشروع مركزاً ثقافياً لتنظيم المبادرات التي تعزز مشاعر الأخوة والتفاهم وزيادة قيم الاحترام والتعايش السلمي.
ويعد "بيت العائلة الإبراهيمية"، الذي يجمع الديانات السماوية الرئيسية الثلاث، والمقرر افتتاحه منتصف عام 2022، ترجمة على أرض الواقع لوثيقة "الأخوة الإنسانية" التي انطلقت من الإمارات قبل عامين.
كما تطرق في كلمته إلى جهود دولة الإمارات في تعزيز السلام والتسامح العالمي وإلى سياسة الانفتاح والحوار المرتكزةً على وسطية الإسلام وشمولية المبادئ الإنسانية ونبذ التمييز والتطرف، مؤكداً أن احتضان دولة الإمارات لأكثر من 200 جنسية في الدولة يعتبر نموذجاً فريداً ومتميزاً للتعايش.
ويسجل تاريخ الإنسانية بحروف من نور للإمارات وللشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مبادرات أسهمت في نشر ثقافة التسامح والسلام في العالم، ونزع فتيل عدد من الأزمات والتخفيف من حدتها.
مبادرات توجت بتقدير وعرفان دولي، يتوالى يوما بعد يوم، كان أحدثه منح المؤسسة البابوية التربوية - التابعة للفاتيكان - الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وسام "رجل الإنسانية" يوم 6 يوليو/ تموز الجاري.
يأتي هذا الوسام عرفاناً وتقديراً لدعم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان المستمر وجهوده الخيرة في تعزيز العمل الإنساني والإغاثي الدولي وتكريماً لدوره في تعزيز قيم السلام والتعايش وتأكيد أهمية الحوار وسيلةً لتجنب الصراعات وإعلاء القيم والمبادئ الإنسانية.
كما يأتي هذا التكريم وتقديراً لما تقوم به دولة الإمارات من دور ريادي في مجال خدمة الإنسانية جمعاء خاصة في ظل ما يشهده العالم من تداعيات جائحة "كوفيد- 19".
واستبق ذلك تكريم للشيخ محمد بن زايد آل نهيان باختيار المجلس الاستشاري العلمي العالمي لمعرض ومؤتمر دبي الدولي للإغاثة والتطوير "ديهاد" له في مارس/ آذار الماضي، كأفضل شخصية دولية في مجال الإغاثة الإنسانية لعام 2021، لعطائه ودعمه في ظل جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد- 19".
جاء هذا التكريم بعد شهر من احتفاء العالم 4 فبراير/ شباط الماضي، باليوم الدولي للأخوة الإنسانية، وسط امتنان وتقدير للشيخ محمد بن زايد آل نهيان على تلك المبادرة التاريخية.
تعاون إنساني
لذلك لم يغب التعاون في المجال الإغاثي والإنساني عن تلك الشراكة، حيث أكد البلدان أنهما يعتزمان " استكشاف التعاون في مجال جهود المساعدات الإنسانية والإغاثة، وسيبحثان فرص تبادل وجهات النظر في التنمية الدولية في المجالات ذات الاهتمام المشترك في البلدان والمناطق النامية."
و يعمل البلدان على دعم قضايا الأمن والاستقرار والتنمية في العالم .
تنسيق سياسي
ومع ارتقاء العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة ستتمكن البلدان من تعزيز تعاونهما في المجالات ذات الاهتمام الاستراتيجي المشترك، بما في ذلك مجالات التعاون السياسي والدبلوماسي والأمني والتعاون الدولي ، وهو أمر من شأنه أن يحقق منافع متبادلة للمصالح المشتركة للبلدين، ويرفع مستوى التنسيق بينهما في المحافل الدولية بما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وهو تنسيق تتزايد أهميته بعد انتخاب أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة 11 يونيو/ حزيران الماضي دولة الإمارات لعضوية مجلس الأمن للفترة 2022-2023، في خطوة تعكس مكانة دبلوماسية الإمارات القائمة على نشر السلام والمحبة بين جميع شعوب الأرض، والتقدير الدولي لها.
ويحرص كلا البلدين على تعزيز الحوار السياسي والمشاورات الدبلوماسية، من خلال زيادة وتيرة الزيارات رفيعة المستوى والتبادلات الدبلوماسية، ومن خلال تحديد أولويات وجداول أعمال ثنائية مشتركة.
وفي هذا الصدد أكد البيان المشترك الصادر عن البلدين حرصهما :" : على تعزيز الحوار السياسي والمشاورات الدبلوماسية، من خلال زيادة وتيرة الزيارات رفيعة المستوى والتبادلات الدبلوماسية، ومن خلال تحديد أولويات وجداول أعمال ثنائية مشتركة."
وأعاد البلدان "تأكيد التزامهما بنظام دولي قائم على القواعد مع وجود الأمم المتحدة في جوهره"، وأكدا إنها سوف "يستكشفان فرص التعاون في المؤسسات المتعددة الأطراف، بما في ذلك الأمم المتحدة، لتعزيز وتقوية التعددية الفعالة، بما في ذلك تعزيز التسامح وحقوق الإنسان."
وللمضي قدما في التسريع من تحقيق أهداف تلك الشراكة، أكد البلدان "تعيين وزراء من كلا الجانبين للإشراف على تنفيذ الشراكة الاستراتيجية الشاملة، ولا سيما عمل لجنة التعاون الحكومي الدولي، والتي ستكفل التنسيق والتعاون بين جميع أصحاب المصلحة والمؤسسات ذات الصلة في كل مجال من مجالات التركيز والإعداد المشترك لتقرير مرحلي سنوي يغطي جميع مجالات التعاون المكثف".
aXA6IDEzLjU4LjIwMC4xNiA=
جزيرة ام اند امز