بعد أن تأزم الموقف العسكري في قطاع غزة، حدثت النتيجة المتوقعة وهي تفاقم الوضع الإنساني المتدهور أساساً منذ بدء الأزمة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الحالي.
وفي حين تتمسك إسرائيل بتحرير رهائنها لدى الفلسطينيين مع القضاء على حركة "حماس"، يبحث الفلسطينيون عن صفقة تبادل يجري بموجبها الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين لدى حركتي "حماس" و"الجهاد" مقابل الأسرى الفلسطينيين لدى تل أبيب. يعني الموضوع سياسي ولا علاقة له بالإنسان وحقوقه.
بين الموقفين "الحمساوي" والإسرائيلي وبينهما في الإقليم من المستفيدين من تطورات الوضع؛ تذهب يومياً أرواح آلاف من المدنيين الأبرياء داخل قطاع غزة، كما يعيش عشرات الآلاف من الفلسطينيين وأيضاً الإسرائيليين في حالة رعب وفزع، على وقع القصف المتبادل الذي لا يميز بين المدنيين والعسكريين.
اللحظة تحتاج من الأطراف الأخرى التي هي خارج الصراع إلى تحكيم صوت العقل وتلبية نداء الإنسانية وليس تصعيد الأزمة أو تخوين من يطالب بالتهدئة لأسباب إنسانية. وهو ما كانت تسعى بالفعل أطراف كثيرة في الأيام التي سبقت دخول العمليات العسكرية مرحلة التدخل البري مساء يوم الجمعة الماضي. ومن هذه الأطراف أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي وجه نداءات قوية لوقف إطلاق النار والسماح بإدخال مزيد من المساعدات لأطفال ونساء وشيوخ غزة، إلى حد أن إسرائيل اعتبرته معادياً لها.
دولة الإمارات، وكما هو معتاد منها أن تكون صاحبة مبادرات تتسم بالشجاعة السياسية نحو تحرك إيجابي حتى في أعقد الأزمات وأصعب الأوقات، بادرت في اليوم التالي (يوم السبت الموافق 28 أكتوبر) مباشرة لبدء إسرائيل عملياتها العسكرية البرية، إلى دعوة مجلس الأمن للانعقاد "في أقرب وقت ممكن".
صحيح أن المجلس قد اجتمع أكثر من مرة وأخفق في إصدار مشروع قرار إدانة، إما لأنها تركز على إدانة أحد الطرفين (إسرائيل أو حماس) فقط، أو لأنها تدعو إلى وقف القتال بدون تحميل المسؤولية لأي طرف، مع أن الوضع يستحق إدانة الطرفين خاصة بعدما تحول المشهد لأن يكون أمام أمرين اثنين. الأمر الأول: تحول الوضع في غزة لأن يكون أشبه بعقاب جماعي بحق جميع سكان غزة.
والأمر الثاني: دخول أطراف إقليميين في الأزمة ليس للبحث عن حل لها أو التهدئة حفاظاً على أرواح الناس بقدر ما هو الاستفادة سياسياً مما يحدث.
أمام هذا التطور المأساوي للأوضاع ولتسلسل فعاليات الأزمة، لم تكن الإمارات لتقف متفرجة أو حتى محايدة، فالسياسة الإماراتية منحازة تماماً وبشكل مطلق للإنسانية بمبادئها وحقوقها، والانحياز للإنسانية هو قمة الحياد.
ولهذا طلبت الإمارات من منسق الإغاثة في حالات الطوارئ بالأمم المتحدة مارتن غريفيث والمفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازريني المثول أمام مجلس الأمن وإحاطته بأبعاد وتفاصيل الوضع القائم على الأرض في غزة، وتبيان حجم ومدى التدهور في جميع الخدمات ومظاهر الحياة داخل القطاع.
ومما يؤكد أهمية بل وضرورة ذلك التحرك الإماراتي العاجل، أنه سرعان ما لقي دعماً وتأييداً كاملاً من دول عربية وأجنبية، على رأسها الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي، وبصفة خاصة من المملكة العربية السعودية التي سارعت في وقت سابق إلى التنديد بالعمليات البرية التي تقوم بها إسرائيل في غزة، وحذرت من تعريض المدنيين الفلسطينيين "لمزيد من الأخطار والأوضاع غير الإنسانية".
وهو المعنى نفسه الذي عبرت عنه سلطنة عُمان، حيث أكدت أن "استمرار التصعيد الخطير وسياسة العقاب الجماعي... تعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
وفي إطار تأكيد أن هذا المعنى هو موقف خليجي عام، أصدر أمين عام مجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي بياناً يندد فيه بالتصعيد الإسرائيلي في غزة، مُحذراً من مخاطر العمليات البرية "وتداعياتها الإنسانية والأمنية على المدنيين الفلسطينيين".
إن تلك المواكبة الخليجية للتحرك الإماراتي، تؤكد أنه تحرك في الاتجاه الصحيح والتوقيت السليم. ويعطي في الوقت نفسه مزيداً من الصدقية والتأثير لسياسة ومواقف الإمارات سواءً بشكل خاص في مجلس الأمن، أو تجاه تلك الأزمة الإنسانية وتداعياتها المؤلمة بشكل عام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة