أربعة عقود من العلاقات الوثيقة والإيجابية على مصالح الشعبين الإماراتي والصيني. هذا هو عنوان الزيارة التاريخية التي قام بها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة إلى الصين لمدة يومين (30 و31 مايو/أيار).
ويمكن استعراض بعض المؤشرات التي تبرز أهمية هذه الزيارة وتؤكد الأفق الذي ينتظر مستقبلها وهذه المؤشرات هي:
- فبجانب أنها تزامنت الزيارة مع ذكرى تدشين العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1984، فهي الزيارة الأولى للشيخ محمد بن زايد آل نهيان منذ توليه رئاسة الدولة في 22 مايو/أيار 2022، كما كانت الزيارة رسمية بأعلى مستوى من الزيارات وهي "زيارة دولة"، استجابة لدعوة وجهها الرئيس الصيني شي جين بينغ له.
- ومن مؤشرات تلك الأهمية التاريخية للزيارة، توقيع الدولتين عدداً كبيراً من الاتفاقيات الثنائية التي ترسخ أواصر التعاون القائمة بالفعل، وتعطي دفعة قوية لمزيد من التعاون والتنسيق مستقبلاً، فضلاً عن فتح آفاق جديدة للعلاقات والروابط بين الإمارات والصين في مجالات جديدة ومستحدثة.
- تزامن مع زيارة رئيس الدولة للصين، انعقاد الدورة العاشرة لمنتدى التعاون العربي الصيني، في العاصمة بكين، حيث شاركت الدول العربية في المنتدى بتمثيل عالي المستوى وصل إلى مشاركة 4 دول عربية على مستوى القمة (الإمارات ومصر والبحرين وتونس).
كل تلك المؤشرات توضح أن سياسة الإمارات الخارجية القائمة على التعاطي الإيجابي مع كل دول العالم، باتت محل ثقة الدول الكبرى في العالم، خصوصاً تلك الدول التي تنطلق في نظرتها إلى الوضع العالمي من معادلة متوازنة تقوم على حساب المصلحة والتكلفة، وليس وفقاً لتحالفات ثابتة أو ارتباطات جامدة. وهو ما انعكس بالفعل في إقبال الدول المركزية في المشهد العالمي، مثل الصين وروسيا والبرازيل وكوريا الجنوبية وغيرها، على التعاون والتنسيق مع دول الخليج العربية، خاصة الإمارات الأكثر نشاطاً وإمكانات في مختلف المجالات الدبلوماسية والاقتصادية.
وحيث تسود علاقات الدولتين بالفعل روح إيجابية وتفاهم كامل حول المنطلقات والأهداف والوسائل أيضاً، فإن زيارة رئيس الدولة التاريخية، عكست حرص البلدين على تطوير وتعظيم المنافع المشتركة والمتبادلة، التي أثبتها مسار العلاقات في الأعوام الماضية. فبينما يتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 18 مليار دولار (11 مليار دولار صادرات صينية و7 مليارات دولار واردات من الإمارات) يطمح الجانبان إلى رفع حجم التبادلات التجارية إلى 200 مليار دولار بحلول عام 2030.
وفي اتجاه تعزيز التعاون وتوسيع نطاقه، تم خلال زيارة رئيس الدولة لبكين، توقيع أكثر من 19 اتفاقية تعاون ثنائي. شملت تقريباً كل أوجه وأشكال التعاون في شتى المجالات. وكان لافتاً أن تتضمن تلك الاتفاقيات مجالات جديدة تعكس تطلع الدولتين إلى ارتياد المستقبل، منها تعزيز التعاون الاستثماري في مجال التنمية الخضراء، والتعاون في مجال التسامح والتعايش، فضلاً عن تدعيم وترسيخ التعاون في جميع المجالات ذات الصلة لمصالح وأهداف الشعبين التنموية بصفة خاصة.
معروف أن الصين تلتزم منذ عقود بسياسة خارجية صارمة قوامها الاقتصاد والتنمية كمحرك وكهدف جوهري في علاقاتها الخارجية، لكن الأعوام الأخيرة شهدت تطورات مهمة في هذا الشأن. كان أبرزها بالطبع وأكثرها دلالة، رعاية الصين للتفاهم السعودي-الإيراني الذي يمثل نقلة نوعية في علاقات الدولتين بعد فترة طويلة من الفتور. وما من شك في أن هذه الخطوة الصينية لم تكن لتقوم بهذا الدور المحوري في قضية شائكة وحساسة كهذه، ما لم يكن هذا تعبيراً عن تحول حقيقي في توجهات الصين وأدواتها في تحقيق مصالحها الخارجية.
إذ تدرك بكين جيداً أن نجاح مشروعها الاستراتيجي المعروف بـ"مبادرة الحزام والطريق" له متطلبات وشروط أساسية، لعل أهمها الاستقرار والبيئة المواتية في المناطق والدول التي يمر بها، فضلاً عن أن مصالح الصين الحالية في الشرق الأوسط وغيرها من المناطق، باتت من الاتساع والانتشار، بما يتطلب توفير سبل الحماية والتأمين اللازمين. وبالتالي فلا بد للعملاق الأصفر أن يستفيد بما يملكه من أدوات أخرى غير الاقتصادية، من دبلوماسية وسياسة وثقافة وغيرها، لتكتمل بالفعل منظومة التعاون الإيجابي الذي تتطلع إليه كل شعوب العالم.
ومما يؤكد أن هناك جديداً مهماً في التوجهات الصينية الخارجية، أن البيان الصادر عن منتدى التعاون العربي الصيني، تضمن موقفاً سياسياً واضحاً بدعم الفلسطينيين في قطاع غزة ورفض مخطط التهجير، وضرورة وقف إطلاق النار.
لقد أدركت السياسة الإماراتية بذكاء تلك التحولات الصينية المهمة، واستشرفت مبكراً أن الأوان قد حان لتوظف الصين قدراتها غير الاقتصادية، حيث يتطلع العالم إلى الصين كي تباشر أدواراً جديدة في قضايا وملفات سياسية بحاجة إلى رعاة جدد واقترابات مختلفة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة