على مدى العقود الماضية، أظهرت دولة الإمارات، قدرة كبيرة على لعب أدوار رئيسية في الوساطة الدولية وحل النزاعات.
ومع الظروف العالمية المضطربة، والحرب التي تدور رحاها في أوروبا، والحرب المستعرة في قطاع غزة التي أوشكت على تحويل القطاع إلى مكان لا يصلح للحياة على الإطلاق، برز دور أكبر لدولة الإمارات في الوساطة الدولية، أو كما يطلق عليها بعض الخبراء والمراقبين هنا في واشنطن، أن دولة الإمارات أصبحت بمثابة رجل إطفاء الحرائق في المنطقة والعالم.
ففي يناير/كانون الثاني 2024 وبينما كانت الحرب تشتعل في أوروبا، نجحت الجهود الدبلوماسية الإماراتية، في التوسط في صفقة تبادل أسرى الحرب بين روسيا وأوكرانيا، في أكبر عملية تبادل لأسرى الحرب بين البلدين، مما يعكس قدرتها على لعب دور فعال في النزاعات الدولية الكبيرة كذلك.
وقبل هذا بعدة سنوات نجحت دولة الإمارات في لعب دور حاسم في اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا (2018) في أفريقيا، وهو الأمر الذي ساهم في إنهاء صراع طويل الأمد بين الدولتين.
ولا يجب أن ننسى استضافة دولة الإمارات قمة "COP28" في دبي، وهي التي عكست الثقة الكبيرة في الدبلوماسية الإماراتية من المجتمع الدولي.
أما في غزة، فالدور الإماراتي ينظر له بإعجاب شديد حتى بين المسؤولين الأمريكيين، حيث كشف لنا قائد القوات البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط الأدميرال براد كوبر نائب قائد القيادة المركزية الأمريكية، خلال لقائه مؤخراً مع عدد من الصحفيين الدوليين، عن جهود دولة الإمارات العربية المتحدة ومشاركتها بفاعلية في جهود الإغاثة الدولية لقطاع غزة.
كما قال مدير الاستجابة في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للمشرق العربي دان ديكهويس، خلال نفس اللقاء، إن هناك مجموعة تنسيق متعددة الجنسيات في قبرص لتنظيم العمل الإغاثي في الممر البحري من قبرص إلى سواحل غزة.
وقال ديكهويس: "إن المجموعة الدولية في قبرص تضم الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وغيرها".
ولعبت دولة الإمارات دوراً أساسياً في ضمان التوافق بين "المفوضية الأوروبية" وقبرص والولايات المتحدة والمملكة المتحدة لضمان نجاح ممر المساعدات البحري لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، كما ركزت دولة الإمارات، خلال فترة ولايتها الناجحة في مجلس الأمن الدولي (2022-2023)، على اعتماد أسلوب وساطة "إيجابي" يركز على تحقيق أهداف واسعة النطاق، وكان القراران المتعلقان بغزة، اللذان قدمتهما دولة الإمارات في مجلس الأمن الدولي في عام 2023 محاولة حقيقية لضمان حماية المدنيين خلال الحرب المستعرة.
الدبلوماسي البلغاري، نيكولاي ملادينوف، الذي كان قد عمل مؤخرا منسقاً خاصاً للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، يقول هو الآخر عن الدور الإماراتي في الوساطة الدبلوماسية الدولية: "تتبع دولة الإمارات نهجاً مميزاً في الوساطة، يتجلى في مفهوم الصلح العربي"، وهو المفهوم التقليدي لحل النزاعات الذي يركز على المصالحة واستعادة العلاقات.
والكلام ما زال لـ"ملادينوف" أن "هذا النهج الإماراتي يتميز بالمرونة والقدرة على التكيف مع السياقات المحلية وديناميكيات القوة الإقليمية، فدولة الإمارات، من خلال ثقافتها العريقة وتقاليدها الاجتماعية، قادرة على تقديم منظور جديد لحل النزاعات، بعيداً عن الطرق التقليدية التي تعتمدها القوى الغربية".
واللافت أن الدبلوماسي الأوروبي يشير صراحة إلى اختلاف النهج الإماراتي في التعامل والتوسط في الأزمات الدولية، بينما يعتمد النهج الغربي على التوسط الجاف المبني على الحقائق فقط، يميل المفاوض الإماراتي إلى التوسط بناء على التقاليد الاجتماعية وهو الجزء الذي يفتقر إليه الغربيون في أسلوبهم للتوسط.
وسبق وأوضح ملادينوف، أنه في خضم الحاجة المتزايدة للتعاون في حل النزاعات، يرزح النظام الحالي للعلاقات الدولية تحت وطأة المنافسات الجيوسياسية والجيواقتصادية سواء القائمة منذ فترة طويلة أم الناشئة، وفي هذا السياق، تدخل جهات فاعلة جديدة، مثل دولة الإمارات إلى ساحة الوساطة الدولية، حيث تلعب دوراً مهماً في سد الفجوات التي تخلفها القوى التقليدية وتقدّم منظوراً جديداً بشأن حل النزاعات في عالم متزايد التعقيد، مضيفاً أنه بخلاف التركيز الغربي على تحديد المشاكل وتنفيذ التدخلات بسرعة، يشدد النهج الإماراتي بشكل كبير على بناء الثقة والروابط بهدوء ودقة.
والحقيقة أن أبوظبي، بفضل دبلوماسيتها الهادئة، قادرة على توفير بيئة آمنة وجديرة بالثقة للأطراف المتنازعة، وهذا النهج يظهر جلياً في المفاوضات الأخيرة التي قادتها الإمارات لحل النزاعات سواء داخل المنطقة أو خارجها.
والخلاصة أنه بينما يواجه العالم اضطرابات مستمرة، وسلسلة من الحروب اللانهائية، يبدو أن هناك حاجة فعلية لأساليب جديدة ونهج مبتكر للوساطة وحل النزاعات، وهنا يبرز الدور الإماراتي، الأمر الذي بات محل ترحيب من المراقبين الغربيين أنفسهم.
وتُقدم دولة الإمارات نهجا فريدا ومتعدد الأبعاد، ونموذجاً جديداً وفعّالاً لحل النزاعات في عالم معقد ومتعدد الأقطاب، مستفيدة من تقاليدها المختلفة وموقعها الجغرافي واستقرارها السياسي وثقلها الاقتصادي، كما من المتوقع أن تضطلع دولة الإمارات بدور أكبر في تشكيل معالم السلام والأمن الإقليمي والدولي، وسيكون نهجها في الوساطة عاملاً حاسماً في تحديد مدى نجاح هذه الجهود.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة