تسارع الإمارات العربية المتحدة، وتحشد كل طاقتها، تهيئة لمؤتمر ناجح وفعال، للأطراف المشاركة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "كوب 28".
تأتي جهود الإمارات الحثيثة لاستنقاذ الكرة الأرضية من وهدة التغيرات الإيكولوجية، في توقيت أعلنت فيه مؤسسة "براند فايننس" العالمية، تصدر الإمارات مؤشر "القوة الناعمة" لعام 2023، بعد أن نجحت في دخول نادي الدول العشر الأولى، الأكثر تمتعاً بهذا النوع من التأثير على مستوى العالم في هذا التصنيف.
يعن للقارئ أن يتساءل: "هل من علاقة بين هذا التصنيف ومؤتمر المناخ المقبل في الإمارات خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني؟".
الجواب يقودنا قبل الحديث عن المناخ وإشكالياته، إلى التوقف أمام معنى ومبنى "القوة الناعمة"، التي تبدو باختصار، مقياساً لقدرة دولة ما على التأثير على تفضيلات وسلوكيات مختلف الجهات الفاعلة في الساحة الدولية، من خلال أساليب الجذب أو الإقناع، بدلاً عن أساليب القوة والإكراه.
حين تتحدث الإمارات عن المناخ، فإنها تصدق القول لأنه مواكب للفعل، فهي صاحبة طروحات وشروحات الحياد المناخي، كما أنها الدولة الصديقة للبيئة، عبر العديد من مشروعاتها الإيكولوجية، للحفاظ على بيئة نظيفة ذات تنمية مستدامة، وهي الداعية لإطلاق مشروعات التشجير، وإحلال اللون الأخضر محل الأصفر.
يمكن للمرء أن يعدد المشروعات ذات الصبغة الأممية، التي تشارك فيها دولة الإمارات العربية المتحدة، وليس آخرها تلك الشراكة الهائلة مع الولايات المتحدة الأمريكية، على صعيد الطاقة النظيفة، التي تمتد حتى عام 2035.
تتميز الرؤية الإماراتية دائماً وأبداً بمقدرة خلاقة على المواءمة بين الموارد الطبيعية وأهميتها، وبين حاجات الإنسان المستقبلية وسلم أولوياته.
من هذا المنطلق ينظر إلى الإمارات بوصفها قدوة ونموذجاً للتوفيق بين أوضاع الحال ومتطلبات الاستقبال، فعلى سبيل المثال، وفيما تنظر للطاقة النفطية بوصفها مصدراً لا غنى عنه حتى الساعة، الأمر الذي أكدته سنوات جائحة كورونا الشائهة، نجدها تعمل جاهدة على وضع خطط للاستفادة من طاقة الهيدروجين الأخضر، واستخراجه من الماء، وبصورة تنقي البيئة من مخلفات العوادم، التي تكاد تفتك بالكوكب الأزرق.
هل هناك حاجة كونية حقيقية لأن يكون مؤتمر الإمارات المقبل، نقطة مفصلية للبشرية جمعاء، تغير الأوضاع وتبدل الطباع، ودعوة للتفكير بعزم والعمل بحزم، بهدف التوصل إلى اتفاقيات ملزمة، لها قوة القوانين، من شأنها أن تفتح المسارات وتعبّد المساقات أمام مستقبل أكثر رحابة للأجيال القادمة؟
قبل الجواب دعونا نعود إلى آخر التقارير التي صدرت في شأن أزمة المناخ، الذي جاء من خلال الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC، ذاك الذي حمل عنوان "الوقت ينفد".
هذا هو التقرير السادس من نوعه، وقد جاء في نحو عشرة آلاف صفحة، جميعها تقودنا إلى فكرة مخيفة وهي أن "الوقت يتضاءل بين يدي البشر، والأخطار المحدقة بالإنسانية، تتصاعد في أعلى عليين".
قلب التقرير الجديد الذي تقدمه تلك المؤسسة التي تسعى لتقييم الأخطار المناخية الشاملة، يقوم على التحذير من التقاعس عن خفض درجة حرارة الكرة الأرضية، خصوصاً بعد أن باتت معرضة للانفجار من جراء غازات الاحتباس الحراري.
لا نود أن تحمل كلماتنا رؤية تشاؤمية، ونفضل المضي قدماً وراء فلسفة أنطونيو غرامشي، المثقف العضوي الإيطالي الأشهر: "في مقابل تشاؤم العقل يبقى تفاؤل الإرادة".
معطيات العقل تشير إلى أن درجة حرارة الأرض، ارتفعت بمعدل 1.1 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وذلك نتيجة لأكثر من قرن من حرق الوقود الأحفوري، واستخدام الطاقة والأراضي بشكل غير متكافئ أو مستدام.
لا تبدو القوى الدولية، ورغم المناشدات التي جرت في قمة شرم الشيخ العام الماضي، وما استقر عليه الحضور من مقررات، عازمة على وضع حد لمعاناة هذا الكوكب الذي بات يئن تحت وقع ضربات إيكولوجية قاتلة.
ليس سراً أن القوى الدولية الكبرى، التي أدخلت العالم جحيم المواجهة البيئية من جراء طموحاتها الصناعية، هي عينها المنشغلة في الوقت الراهن في الصراعات المسلحة التقليدية، التي يمكن لها أن تنحو لجهة المواجهات النووية.
في هذا السياق، لا يتوقع المرء من الولايات المتحدة الأمريكية المنشغلة بالصراع الروسي – الأوكراني، ولا بروسيا المصممة على الانتصار في معركتها، وبينهما الصين التي تتحين الفرصة لتسنم قمة العالم، أن تكون قضايا البيئة والمناخ على رأس أولويات أي منها.
أهمية قمة الإمارات، وعبر ما لدى الإماراتيين من قوة ناعمة للإقناع، تتمثل في بسط الحقائق المخيفة، بل والمرعبة عما ينتظر البشرية في قادمات أيامها، من انعدام أمن غذائي، ونقص حاد في المياه الصالحة للشرب، ناهيك عن تفشي الأوبئة وانتشار المجاعات.
تعمل الإمارات في الوقت القيم، أي الذي تكثر فيه الاستفادة، وتحمل العالم على الانتباه، فهل من آذان صاغية أم أنهم لا يسمعون، إلا حين تجري الأقدار الربانية بالقارعة الإيكولوجية؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة