الإمارات ومكافحة الاتجار بالبشر.. تجربة رائدة ونتائج واعدة
تجربة الإمارات الرائدة في مكافحة جرائم الاتجار بالبشر تنسجم مع الأطر الأخلاقية والإنسانية التي تتسم بها كواحة للإنسانية ومنارة التسامح
عمل دؤوب وجهود حثيثة تقوم به مختلف الأجهزة الحكومية والأهلية ومؤسسات المجتمع المدني في الإمارات لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر، واضعة نصب أعينها هدفا محددا، وهو القضاء على هذه الجريمة بشكل كامل.
وتملك الإمارات تجربة رائدة في مكافحة تلك الجريمة العابرة للحدود، أثمرت في انخفاض عدد جرائم الاتجار بالبشر، بشكل كبير خلال عام 2019، مقارنة بالأعوام السابقة.
وتستند تلك التجربة تشريعيا على القانون الاتحادي رقم 51 لسنة 2006، حيث كانت الإمارات سباقة في سن قانون شامل لمكافحة الاتجار بالبشر، يحمي الضحايا ويعاقب منتهكي حقوقهم، ويردع من تسول له نفسه الإقدام على تلك الجرائم.
ومؤسساتيا عبر اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر التي أنشئت بقرار من مجلس الوزراء في عام 2007 من أجل تنسيق الجهود الرامية إلى ضمان التطبيق الفعال للقانون الاتحادي رقم 51 لسنة 2006، لتكون إطار ينسق ويوحد جهود مختلف مؤسسات الدولة لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر.
وإنسانيا، بإنشاء العديد من المراكز المجتمعية المعنية بمعالجة تأثير مثل تلك الجرائم واحتوائها، وتقديم مساعدات قانونية ونفسية ومادية تمهيداً لإعادة الضحايا إلى حياتهم الطبيعية، ودمجهم في المجتمع بما يحقق الاستقرار الأسري والمجتمعي.
ودوليا عبر توقيع اتفاقيات مع عدة بلدان لتبادل أفضل الممارسات بشأن منع الاتجار بالبشر وتعزيز المساعدة لضحايا هذه الجريمة.
وتنسجم تجربة الإمارات الرائدة في هذا الصدد مع الأطر الأخلاقية والإنسانية التي تتسم بها الدولة كواحة للإنسانية ومنارة التسامح وبلد الأمن والأمان تحفظ كرامة البشر وتشع قيمه ومبادئه في أرجاء المعمورة.
تلك التجربة الرائدة، التي حظيت بالعديد من الإشادات الدولية والحقوقية، أخذت اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر على عاتقها تنفيذها عبر استراتيجية شاملة من خمس مرتكزات، تشمل الوقاية والمنع، والملاحقة القضائية، والعقاب، وحماية الضحايا، وتعزيز التعاون الدولي.
تلك المرتكزات الخمسة، كشف عنها التقرير السنوي اللجنة الوطنية لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر لعام 2019، الذي أطلقه الدكتور أنور محمد قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر، الخميس، بالأرقام والإحصائيات والنتائج على أرض الواقع تقدم كبير بها.
الوقاية والمنع
أولى المرتكزات في استراتيجية مكافحة الاتجار بالبشر هو السعي لمنع الجريمة من الأساس ووقاية المجتمع من وقوعها، وهذا يقتضي تعزيز التوعية، وهو أمر لم تغفل عنه الدولة، آخذة في الاعتبار التنوع الثقافي والجنسيات المختلفة التي تعيش في الإمارات.
وفي هذا الصدد، قامت الجهات المعنية في الدولة بجهود حثيثة لتنفيذ برامج توعوية لكافة فئات المجتمع بشكل عام وللضحايا المحتملين بشكل خاص.
وخلال عام 2019، تم إطلاق تلك الحملات بعدد من اللغات الرئيسية استفاد منها نحو مليون و437 ألف شخصا، وخاصة من فئة العمالة والعمالة المساعدة.
وأولت الجهات المعنية ومنها وزارة الموارد البشرية والتوطين اهتماماً كبيراً لتوعية هذه الفـئة المهمة من المجتمع بالحقوق التي تكفلها التشريعات الوطنية في الدولة لتوعيتهم من خلال المراكز التابعة لها كشرط من شروط إصدار الإقامات للعمل في الدولة.
كما تتبنى وزارة الداخلية آليات لحماية حقوق الإنسان والتصدي لجميع أشكال الإتجار بالبشر، تبدأ بالتوعية، وتعزيز ثقافة مكافحة الإتجار بالبشر، والتعاون مع الإنتربول الدولي من خلال تبادل المعلومات، ورصد ومراقبة المتورطين، أو المشتبه في تورطهم في مثل هذه الجرائم، إضافة إلى فرض مزيد من الضوابط الصارمة عند منافذ الدخول إلى الدولة، واستخدام أنظمة مُوحدة للعدالة الجنائية، والإنتربول للتحقق من هوية الأفراد في منافذ الدخول.
أيضا وفي إطار جهود الوقاية والمنع، وحرصا على إعداد نخبة مؤهلة من الكوادر العاملة في مختلف الجهات في الدولة، للتعامل مع جميع أنواع قضايا الاتجار بالبشر وضمان حماية الضحايا، تم طرح العديد من البرامج التدريبية للمختصين لإكسابهم المهارات والخبرات العلمية والعملية اللازمة لذلك.
وفي عام 2019 تم تدريب 6209 مختصين ومنهم العاملون في منافذ الدولة في برامج تتعلق بالكشف عن التزوير والتعرف على ضحايا الاتجار بالبشر للمساهمة في تنفيذ التزامات الدولة في تشريعاتها الوطنية والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها في هذا الصدد.
كما تم تنفيذ دبلوم في مكافحة الاتجار بالبشر في دورته الخامسة بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، وهو البرنامج المهني التخصصي الأول من نوعه على مستوى الوطن العربي والإقليمي الذي يعنى بالمعالجة العلمية والحصرية لجريمة محددة من الجرائم الجنائية.
وللمرة الأولى يتم تنفيذ هذا البرنامج بمشاركة عدد من المنتسبين من دول مجلس التعاون الخليجي مما يساهم في تبادل الخبرات والتي تعد فرصة لتعزيز العمل المشترك فيما بينهم.
الملاحقة القضائية
وتعد الإمارات أول دولة في المنطقة تسن قانوناً شاملاً لمكافحة الاتجار بالبشر، وهو القانون الاتحادي رقم 51 لسنة 2006.
وبموجب القانون، فإن الاتجار بالبشر يشمل جميع أشكال الاستغلال الجنسي، وإشراك الآخرين في الدعارة، والاستعباد، وأعمال السخرة، والاتجار بالأعضاء البشرية والخدمة بالإكراه، والتسول والممارسات الشبيهة بالاستعباد.
وينص القانون بالسجن المؤقت الذي لا تقل مدته عن خمس سنوات، وبالغرامة التي لا تقل عن مئة ألف درهم، وذلك للتصدي لهذه الظاهرة محلياً ودولياً.
بالإضافة إلى ذلك، يكفل القانون معاقبة أي شخص على علم بحادثة اتجار بالبشر ولا يبلغ عنها. ويرفع القانون مستوى الوعي بالجرائم المرتبطة بالاتجار بالبشر ويوفر الدعم والحماية للضحايا وشهود العيان.
وتم تعديل القانون في عام 2013 وفقاً لبروتوكول الأمم المتحدة (بروتوكول باليرمو) لمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وخاصة النساء والأطفال، الذي صدقت عليه الإمارات العربية المتحدة في عام 2009، كما تم تعديل القانون في فبراير 2015 لتعزيز الدعم والحماية للضحايا والشهود.
وبموجب القانون الاتحادي رقم 51 لسنة 2006 في شأن مكافحة جرائم الاتجار بالبشر وتعديلاته، تمكنت جهات إنفاذ القانون والنيابات العامة في الدولة من التصدي لـ 23 قضية اتجار بالبشر خلال العام 2019 ساهمت من خلالها في إحالة 67 متهماً للقضاء ومساعدة 41 ضحيةً من ضحايا الاتجار بالبشر.
ويعد هذا العدد من القضايا التي تم تسجيله خلال عام 2019، أقل عن العدد التي تم تسجيله في العام الذي سبق حيث بلغ عدد القضايا 30 قضية، وهو مؤشر على نجاح جهود الدولة في مكافحة جرائم الاتجار بالبشر.
العقاب.. الحزم في تطبيق القانون
ونظرا لأهمية عقاب المتورطين في جرائم الاتجار بالبشر، في إحقاق العدالة وانتصارا للضحايا ولحفظ الكرامة الإنسانية، وردع من تسول له نفسه الإقدام على تلك الجرائم، جاء الحزم في تطبيق القانون.
ووصلت العقوبات في بعض تلك القضايا التي تم ضبطها عام 2019، إلى السجن المؤبد والإبعاد عن الدولة، بينما لا تزال بعض القضايا متداولة في المحاكم.
حماية الضحايا ورعايتهم
أحد المرتكزات الهامة في استراتيجية اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، والتي تعكس البعد الأخلاقي والإنساني لجهود الدولة في هذا الصدد، هو حماية الضحايا ورعايتهم.
وفي هذا الإطار تم إنشاء العديد من المراكز المجتمعية المعنية بمعالجة تأثير مثل تلك الجرائم واحتوائها تمهيداً لإعادة الضحايا إلى حياتهم الطبيعية، ودمجهم في المجتمع بما يحقق الاستقرار الأسري والمجتمعي.
وتعمل عدة جهات على تقديم الرعاية والتأهيل لضحايا الإتجار بالبشر في الإمارات منها مراكز إيواء ضحايا الإتجار بالبشر، والاستغلال الجنسي، وتقدم لهم المأوى المؤقت والرعاية الضرورية قبل عودتهم الى بلدانهم.
وتقدم مراكز الدعم الاجتماعي في أبوظبي تحت إشراف من القيادة العامة لشرطة أبوظبي، رعاية متكاملة لضحايا الإتجار بالبشر بالتنسيق والتعاون مع مختلف المؤسسات ذات الصلة، وينطبق ذلك على الإدارة العامة لحقوق الإنسان في دبي تحت إشراف شرطة دبي، وتوفر الدعم النفسي، والاجتماعي، والقانوني، للنساء والأطفال الذين يقعون ضحايا للاتجار بالبشر.
وتقدم مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال DFWAC مؤسسة غير ربحية - منذ العام 2007 خدمات رعاية للأطفال والنساء من ضحايا العنف الأسري، وسوء معاملة الأطفال، وضحايا الإتجار بالبشر تشمل المأوى الآمن، وإدارة القضايا، والرعاية الطبية، والدعم النفسي والإرشاد، والمساعدة القنصلية، والهجرة القانونية.
في السياق ذاته يقدم مركز حماية المرأة في الشارقة التابع لدائرة الخدمات الاجتماعية خطاً مجانياً 800800700 لتقديم الاستشارات الاجتماعية والنفسية والقانونية، وإيجاد الحلول للمشاكل الأسرية المتعلقة بالمرأة على أيدي مختصين قانونيين واجتماعيين ونفسيين لضمان وحفظ حقوقها.
ويوفر المركز خدمات الإيواء والتأهيل والمساندة النفسية والاجتماعية والقانونية للنساء ضحايا العنف، بهدف تمكينهن من العودة إلى حياتهن الطبيعية، ودمجهنّ في المجتمع بما يحقق الاستقرار الأسري والمجتمعي.
ودعماً لضحايا الاتجار بالبشر وتحقيق دمجهم في المجتمع، كشف الدكتور أنور محمد قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر أن اللجنة تمكنت خلال العام الماضي من صرف مساعدات ماليه قدرها 207.500 درهم إماراتي من صندوق دعم ضحايا الاتجار بالبشر.
وأشار إلى أن الصندوق يعتبر واحداً من أهم مبادرات اللجنة الوطنية، التي تهدف الى دعم الضحايا في مشاريع صغيرة، أو استكمال التعليم، وغيرها من البرامج التي تساهم في ضمان الحصول على عمل وبالتالي استقلالهم مادياً، حيث أن العوز والفقر أحد الأسباب المؤدية لاستغلال الضحايا في قضايا الاتجار بالبشر.
وبهذا فقد تمكنت اللجنة الوطنية من تقديم نحو 970.200 درهم من إجمالي المساعدات منذ إطلاق المبادرة في عام 2014.
التعاون الدولي
تؤمــن الإمــارات بأهميــة تضافــر الجهــود الدوليــة لمكافحــة جريمــة تعتبــر مــن أكثــر الجرائــم المنظمــة العابــرة للحــدود انتشــاراً، وتشارك في العديد من الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الاتجار بالبشر وتثير القضية بانتظام في المحافل الدولية المعنية بهذا الشأن.
وبما أن الاتجار بالبشر يبدأ في معظم الأحيان في بلدان الضحايا الأصلية، فقد وقعت الإمارات العربية المتحدة اتفاقيات مع عدة بلدان لتبادل أفضل الممارسات بشأن منع الاتجار بالبشر وتعزيز المساعدة لضحايا هذه الجريمة.
وتعزيزاً لجهودها في مجال التعاون الدولي، فقد سعت اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر إلى توقيع عدد من مذكرات التفاهم الثنائية في مجال التعاون في مكافحة جرائم الاتجار بالبشر وحماية ضحاياه وصل عددها عام 2019 إلى 7 مذكرات تفاهم وكان آخرها مع الفلبين.
كما عقدت اجتماعات ثنائية لتفعيل مذكرات التفاهم مع جمهورية الهند وإندونيسيا ومملكة تايلاند، التي ساهمت في تحديد أطر ومجالات التعاون من خلال تبادل المعلومات والخبرات بين الطرفين.
وتتواصل جهود دولــة الإمــارات ممثلــة بـــاللجنة الوطنيــة لمكافحــة جرائــم الاتجــار بالبشــر، للعمــل مــع كافــة الشــركاء علــى الصعيدين الوطنــي والدولــي لمكافحة جرائم الاتجــار بالبشــر، وسط مؤشرات تؤكد أن جهود الدولة تؤتي ثمارها، وتسير في طريقها نحو القضاء على تلك الجرائم نهائيا.
aXA6IDMuMTQzLjIzNy4xNDAg
جزيرة ام اند امز