"لا تشيلون هم" كانت كلمات سيدي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان – رئيس الدولة حفظه الله، في 22 مارس/أذار 2020، خلال جائحة كورونا.
جاءت هذه الكلمات لتكون مصدر طمأنينة وتحفيز للشعب، معبرةً عن حب القيادة لشعبها وثقتها في تجاوز التحديات التي فرضتها الظروف العالمية. من خلال هذه الأزمات، برز دور وأهمية استمرارية الأعمال لضمان الاستمرارية والمرونة في تقديم الخدمات الأساسية.
وقد شهد العالم في السنوات الأخيرة العديد من الأزمات والتحديات التي أثرت بشكل كبير على استمرارية الأعمال في جميع القطاعات. ومن بين الدول التي أظهرت مرونة وقدرة فائقة على التكيف كانت دولة الإمارات العربية المتحدة، التي استطاعت بفضل القيادة الحكيمة والرؤية الاستراتيجية أن تضمن استمرارية تقديم الخدمات الحيوية خلال الأزمات، مما يعزز مكانتها كواحدة من الدول الرائدة في هذا المجال. في هذا المقال، سنستعرض العوامل التي ساهمت في تميز الإمارات، بالإضافة إلى المبادئ والممارسات الناجحة التي اتبعتها.
ما هي استمرارية الأعمال؟
استمرارية الأعمال هي مجموعة من العمليات والإجراءات المنظمة التي تهدف إلى ضمان استمرار تقديم الخدمات الأساسية في حالات الطوارئ والأزمات، مثل الكوارث الطبيعية، الأزمات المالية، أو الأوبئة. الهدف الأساسي منها هو تقليل التأثيرات السلبية لهذه الأزمات على سير العمل وضمان قدرة المؤسسات على تقديم خدماتها الحيوية بشكل مستمر.
مبادئ استمرارية الأعمال في الإمارات
تميزت دولة الإمارات في استمرارية الأعمال والتعامل مع الأزمات بفضل عدة مبادئ أساسية، منها:
1. التخطيط وإعداد استراتيجيات الاستجابة: تطوير خطط استباقية للتعامل مع الكوارث.
2. تقييم المخاطر وتحديد الأولويات: تحديد السيناريوهات المحتملة ووضع استراتيجيات للتخفيف منها.
3. تدريب الموظفين وتوعيتهم: تدريب القوى العاملة بشكل دوري لضمان الجاهزية أثناء الأزمات.
4. الاستثمار في التكنولوجيا: الاعتماد على الحلول التقنية لضمان استمرارية العمليات.
5. التعاون مع الجهات المختصة: بناء شراكات قوية مع الهيئات الحكومية والخاصة لضمان استجابة منسقة وفعالة.
أمثلة عملية على تميز الإمارات في استمرارية الأعمال
دولة الإمارات قدمت أمثلة متميزة على استمرارية الأعمال خلال الأزمات، من أهمها:
1. التعلم عن بعد خلال جائحة كوفيد-19
خلال الجائحة، قامت الإمارات بتنفيذ نظام التعلم عن بعد لضمان استمرارية التعليم لأكثر من 95% من الطلاب عبر منصات رقمية مثل Microsoft Teams وZoom وGoogle Meet. هذه الخطوة عززت من قدرة النظام التعليمي على الاستمرار في مواجهة تحديات الإغلاق.
2. المحاكم الرقمية
تم تفعيل خدمات المحاكم الرقمية بشكل كامل لضمان استمرار العمل القضائي خلال الأزمات. وشهدت جلسات المحاكم الافتراضية ارتفاعًا بنسبة 60%، مما أتاح للمواطنين والمقيمين متابعة شؤونهم القانونية دون انقطاع.
3. الخدمات الصحية والتطبيب عن بعد
أثبتت الإمارات ريادتها في توفير الخدمات الصحية من خلال منصات التطبيب عن بعد، مما ضمن استمرارية الوصول إلى الرعاية الصحية بأمان أثناء جائحة كوفيد-19. هذا التحول السريع عزز من فعالية النظام الصحي وضمن سلامة المرضى والعاملين.
4. الخدمات الحكومية الذكية
اعتمدت الإمارات على خدمات حكومية ذكية ومتكاملة مكنت المواطنين والمقيمين من إنجاز معاملاتهم عن بُعد بسهولة وكفاءة، مما عزز استمرارية تقديم الخدمات العامة حتى في ظل ظروف الطوارئ.
5. القطاع المالي
استمرت البنوك في تقديم خدماتها من خلال الأنظمة الرقمية، مما سمح للعملاء بالقيام بجميع معاملاتهم عبر الإنترنت. هذه المرونة في تقديم الخدمات المالية ساهمت في تقليل التأثير السلبي على الاقتصاد خلال الأزمات.
6. قطاع الشحن والطيران
استطاع قطاع الشحن والطيران في الإمارات التكيف بسرعة مع الظروف من خلال تطبيق إجراءات مرنة تضمنت تفعيل الشحن الجوي والخدمات اللوجستية بشكل فوري، مما ساعد في ضمان تدفق السلع والخدمات الحيوية.
التحديات والتوصيات المستقبلية لاستمرارية الأعمال
على الرغم من الإنجازات الكبيرة التي حققتها دولة الإمارات في استمرارية الأعمال، تظل هناك تحديات مستقبلية تستدعي الاستعداد المستمر، منها:
• الهجمات السيبرانية: التي قد تهدد استمرارية الأعمال الرقمية وتتطلب استثمارات إضافية في تقنيات الأمان الإلكتروني.
• تغير المناخ: وما يمكن أن يفرضه من تحديات جديدة على البنية التحتية والخدمات الحيوية.
• التدريب المستمر: لضمان جاهزية الموظفين لمواجهة أي أزمات جديدة قد تطرأ.
لذلك، يجب أن تواصل الإمارات الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة، وتقييم المخاطر بشكل مستمر، وتدريب الموظفين لضمان استمرارية الأعمال بشكل فعال، والاستعداد الكامل لمواجهة أي تحديات مستقبلية.
خاتمة
إن نجاح دولة الإمارات في استمرارية الأعمال ليس مجرد نجاح في مواجهة أزمات، بل هو شهادة على التخطيط الاستراتيجي والرؤية المستقبلية للقيادة الرشيدة. يعد الابتكار والمرونة والاستعداد من العناصر الأساسية التي ضمنت بقاء المؤسسات الإماراتية قوية ومستدامة في وجه الأزمات. يجب علينا كمجتمع ومؤسسات الاستمرار في تبني هذه الممارسات، والاستعداد المستمر للتغيرات المستقبلية لضمان بقاء هذا الوطن المعطاء على رأس الدول الرائدة في استمرارية الأعمال.
وفقنا الله وإياكم لما فيه خير هذا الوطن، وأسأل الله أن يحفظ بلادنا من كل شر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة