"شكرًا…شكرًا…شكرًا لا أعتقد أنّنا سنكون هنا لولاك…شكرًا" بهذه الكلمات شكر الرئيس الأمريكي جو بايدن، رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال افتتاح قمّة مجموعة العشرين التي عُقدت الأسبوع الماضي في العاصمة الهندية نيودلهي.
فالإعلان عن مشروع الممر الاقتصادي الذي يهدف إلى ربط الهند بمنطقة الشرق الأوسط وأوروبا جاء بعد طرح الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لهذه الفكرة مع بايدن خلال محادثات أُجريت قبل ستّة أشهر بينهما، وعليه فإنّ دولة الإمارات هي العقل المدبّر لهذه الفرصة الهائلة للشرق الأوسط والتي ستحوّل الحروب والصراعات والانقسامات السياسية الحادّة إلى فُرصٍ تعود على الشعوب الشرق أوسطية وخاصة الفقيرة منها بالنفع والفائدة، إذا ما أحسنت دولها تلقف هذه الفرصة وتغليب المصلحة العامة والتعاون بدلًا من الاقتتال.
المكانة الدولية والإقليمية لدولة الإمارات تعد ضمانة أساسية لنجاح هذا المشروع قد تجعله مشروع القرن، خاصّةً في ظل الاشتعال الذي تشهده الجبهة الروسية - الأوكرانية والذي يشبه حربًا عالمية ثالثة ولو اختلفت التسميات، تنخرط فيها بشكلٍ غير مباشر أمريكا والدول الأوروبية لدعم أوكرانيا بالرغم مما تعانيه شعوبها من أزمات اقتصادية، ومن جهة مقابلة تنخرط إيران والصين وربما الهند التي لم تفرض عقوبات على روسيا في الوقوف في الخندق الروسي وتشكيل تكتلات اقتصادية تخفف من وطأة العقوبات على روسيا وأهمها تحديد بيع الغاز الروسي بالروبل.
وبالتالي فإن دولة الإمارات اليوم التي تحضر قمة العشرين للمرة الرابعة وتحظى بإشادة أمريكية وفرنسية ودولية تتربّع على عرش القدرة في تقريب وجهات النظر والمشاركة في إيجاد حلولٍ للتحديات الدولية وأهمّها الاقتصادية والتي كانت ثمرتها الممر الاقتصادي.
قادت دولة الإمارات هذه المبادرة للربط بين الشرق والغرب منذ البداية، وانطلقت من الأفكار إلى التنفيذ؛ فالممر الجديد الذي أعلنت عنه القمة الـ18 لمجموعة العشرين، هو ممر اقتصادي ضخم بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، عبر السكك الحديدية والبحر.
وهو ممرٌ اقتصادي متعدد الجنسيات والأول من نوعه ما يدشن مبادرة تاريخية للتعاون والاتصال والبنية التحتية التي تشمل الهند ودولة الإمارات والسعودية والاتحاد الأوروبي وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة.
ويتألف المشروع من ممرين منفصلين هما: "الممر الشرقي" الذي يربط الهند مع الخليج العربي و"الممر الشمالي" الذي يربط الخليج بأوروبا.
وسيربط الممر المخطط له الهند ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والأردن، والاتحاد الأوروبي من خلال موانئ الشحن وطرق السكك الحديدية، في محاولة لجعل التجارة أسرع وأرخص وتعزيز التعاون الاقتصادي والاتصال الرقمي عبر المنطقة.
ولضمان الأمن الغذائي، عملت دولة الإمارات العربية المتحدة على إنشاء ممر غذائي في الوقت الذي تشهد فيه البلدان في جميع أنحاء العالم نقصًا في إمدادات الأغذية الأساسية، قبيل استضافتها مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ "كوب 28 " خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
إن هذا هو النهج الإماراتي القائم على المصداقية في دولةٍ تنادي بالاستقرار والتعاون والحوار والسلام، استطاعت من خلال قيادتها الرشيدة التي يرأسها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات الشخصية ذات التأثير الكبير في المحافل الدولية، أن تجسّد من خلال هذا الاتفاق التاريخي الجديد الدور الرائد الذي تلعبه دولة الإمارات في دعم وتعزيز التجارة العالمية وإبراز الدولة كموقع حيوي على خارطة الاقتصاد الدولي، وهي التي لطالما كانت ركيزة استراتيجية في ممرات العالم الاقتصادية والتجارية، ما يضمن الرخاء والاستدامة للجميع.
دولة الإمارات هي لاعبٌ أساسي في المعادلات الدولية من خلال ثقلها الإقليمي والعالمي، وعلاقاتها المتوازنة مع كل الأطراف من أمريكا والصين اللتين تشهدان حربًا اقتصادية ناعمة، إلى العلاقة مع روسيا وأعدائها الأوروبيين على حد سواء، إضافةً إلى العلاقة الطبيعية مع الهند التي تسجل نموًا اقتصاديًا هائلاً، والشريكة في هذا الاتفاق، وهذا ما يجعل دولة الإمارات التي تحتفظ بعلاقاتها مع الشرق كما الغرب بوابة الشرق إلى الغرب والعكس أيضًا، وبوابة الأمن والأمان إلى العالم ككل.
المقال للدكتورة إيمان الشويخ نقلا عن "النهار العربي".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة