لم تعد مشاريع البنية التحتية مستقلة، فهي ترتبط مع العالم الجديد، بكافة استثماراته في الموانئ والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب.
وبينما يتجه العالم ولو ببطء نحو التضامن لتحقيق مشاريع التنمية الاقتصادية، بدأت الولايات المتحدة تدرك ولو مرحليًا، أن القطب الأوحد زمن قد تغير، والشراكات مع الدول المحورية ستصنع الفارق.
ولهذا شهدت أعمال قمة مجموعة العشرين تطورًا لافتًا، بالإعلان عن ممر اقتصادي يربط الجزء الشرقي منه الهند بالشرق الأوسط عبر دولة الإمارات، ثم الجزء الشمالي عبر السعودية والأردن وإسرائيل بأوروبا، مما سيحفز التنمية الاقتصادية. ويمتد الممر على مسافة أكثر من 3000 ميل، من خلال شبكة طرق بحرية وبرية.
غاب زعيما الصين وروسيا عن القمة، فحاولت الولايات المتحدة ترويج الممر الاقتصادي وكأنه بديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تركز كذلك على منطقة الشرق الأوسط، وهو ما ترفضه دولة الإمارات كونها ممرًا مركزيًا للمر الاقتصادي الجديد.
إن أبوظبي لن تختار بين بكين وواشنطن، لأنها تنتهج سياسة متوازنة بين الشرق والغرب، وهو ما يتجلى في انضمام دولة الإمارات مؤخرا إلى مجموعة بريكس، مما يعكس الاستقلالية في سياستها الخارجية، فهي من جانب تستفيد من وجودها في مجموعة مهمة للاقتصادات الناشئة، بينما سعت لخلق مبادرة الممر الاقتصادي.
ورغم أن الإعلان الرسمي للممر كان بمباركة من واشنطن، إلا أنها لم تجبر الهند ودولة الإمارات على خياراتها الاقتصادية الأخرى، المرتبطة بالصين وروسيا.
ولا يعد التقارب الاقتصادي والجيوسياسي بين دولة الإمارات والهند وليد الصدفة؛ فالتبادل التجاري ارتفع إلى 85 مليار دولار في عام 2022، ما جعل دولة الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري للهند، وثاني أكبر وجهة تصدير لها.
وقد تكون الولايات المتحدة أعادت النظر في استراتيجيتها في منطقة الخليج، بعد دخول الصين إلى مناطق نفوذها الكلاسيكية، وأدركت واشنطن بأن إمكانيات شركائها في الخليج تتجاوز إنتاج الطاقة، فدولة الإمارات تملك برامج تنموية طموحة، للتحول إلى اقتصادات منوعة.
والواقعية تفرض على إدارة بايدن الحفاظ على الشراكة الأمنية على أقل تقدير؛ فبكين شريك اقتصادي رئيسي لدولتي الإمارات والسعودية، وتلعب الهند دورًا مؤثرًا في الحفاظ على التوازنات الجيوسياسية. فرغم أن الهند حذرة في تقويض مصالح واشنطن في المنطقة، إلا أنها قد تهدد مصالح الصين على المدى الطويل.
سيستفيد العرب من الخيارين الصيني والهندي؛ فتنوع الخيارات بين الممر الاقتصادي ومبادرة الحزام والطريق، تجعل خيارات المنطقة العربية متنوعة، خاصة لو علمنا أن حجم تجارة الصين مع أوروبا والشرق الأوسط تتجاوز 1.7 تريليون دولار، بينما حجم تجارة الهند نحو 487 مليار دولار، وتعتمد بكين ونيودلهي على واردات الطاقة من الشرق الأوسط بشكل كبير.
ولعبت دولة الإمارات دورًا بارزًا في إخراج مشروع الممر الاقتصادي إلى النور، وهو ما أعرب عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن، قائلا: "أود أن أقول، شكرًا شكرًا شكرًا، محمد بن زايد.. لا أعتقد أننا كنا نستطيع تحقيق ذلك من دونك". جاءت كلمات الثناء تأكيدًا لتحركات دولة الإمارات منذ عام 2017، حين رسمت أبوظبي مسار مشروع الممر، عندما وقعت مع الهند 14 اتفاقية، في مجالات النقل البحري والخدمات اللوجستية.
وتقدم مشروع الممر بشكل أكبر بعد اتفاق السلام الإبراهيمي مع إسرائيل، والذي أتاح لدولة الإمارات إمكانية التنسيق بين الهند وإسرائيل بشأن مستقبل الممر، مما جعل من المنطقي أن تعقد القمة الرباعية لمجموعة I2U2، بمشاركة الولايات المتحدة، ولتحقق دولة الإمارات ثمرات دبلوماسيتها الفاعلة، والتي جعلتها تشكل المركز الرئيسي للممر التجاري الذي سيعيد صياغة أنماط التجارة بين المحيط الهندي والشرق الأوسط وأوروبا، ما قد يجعل البضائع الهندية تصل إلى موانئ أوروبا في أقل من 10 أيام.
استطاع منهج دولة الإمارات الصادق الوقوف على نفس المسافة من أطراف الصراع الدولي والإقليمي، رغم تغيرات النظام الدولي؛ فتغليب المصالح الاقتصادية على التوترات، سينقل التحديات إلى خانة الفرص الممكن استثمارها، فيما يغلق التضامن الدولي زاويا الخلافات ولو نسبيًا، لتتفوق البراغماتية السياسية لتحقيق المصالح المشتركة بين الدول، والشعوب هي المستفيد الأكبر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة