في خطوة تحمل دلالات مهمة في العمل الحكومي في دولة الإمارات، أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مؤخراً، تعديلاً وزارياً محدوداً..
شمل تكليفاً بمنصب نائب رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية، وتغييراً في ثلاث وزارات؛ هي: وزارة الدولة لشؤون الدفاع، ووزارة البيئة، ووزارة الدولة لشؤون الشباب.
وأول ما ينبغي التوقف عنده فيما تحمله من دلالات هذه الخطوة أنها: 1- تتعلق بعدد محدود من الوزارات. الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن التعديل الوزاري مدفوع بأسباب موضوعية وله مبرراته وليس من منطلق التغيير وحسب. 2- أن التغيير المحدود يعكس رغبة قادة الدولة وحرصهم على تثبيت الهيكل الحكومي واستقرار حركة العمل الوزاري في مختلف الوزارات والدوائر الحكومية.
وكانت آليات العمل في الحكومة الاتحادية قد شهدت نقلة نوعية قبل سنوات، بالانتقال المتدرج والمدروس من المركزية إلى اللامركزية، وتبني منهجية التفويض وتوزيع الاختصاصات بين الحكومة الاتحادية والدوائر المحلية، خاصة في القطاعات المهمة المرتبطة بالتعامل مع المواطنين التي تستلزم سرعة الإنجاز ومرونة الأداء وتخصيص عمليات صنع واتخاذ القرار في هذه القطاعات بما يتوافق مع طبيعة وخصوصية المجتمع والبيئة المحلية بكل إمارة أو منطقة.
وكان لهذا التحول النوعي في فلسفة الإدارة مردود إيجابي كبير في رفع كفاءة الدوائر الخدمية مثل: التعليم والصحة وغيرهما من القطاعات، نظراً لما حققته دولة الإمارات من إنجازات ضخمة وطفرة نوعية في المجالات الخدمية التي تصب في نوعية الحياة وجودتها بالنسبة للمواطنين. وفي حالات كهذه، يكون من النادر ما تظهر الحاجة إلى القيام بتغيير هيكلي أو إداري في هذه الدوائر والمؤسسات المسؤولة عن هذه القطاعات، إذ يدرك المسؤولون عنها أن الغاية من عملهم ومهمتهم الأولى والوحيدة هي خدمة المواطنين وتحسين حياتهم.
في ضوء هذه الأبعاد، يمكن تفسير اقتصار التعديل الوزاري الذي جرى الأسبوع الماضي على ثلاث وزارات فقط، بالإضافة إلى تكليف الشيخ مكتوم بن محمد بمنصب نائب رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية. فقد جاء هذا التكليف لعاملين؛ أولهما تقدير ما حققه الشيخ مكتوم من إنجازات وتقدم أفضى إلى استقرار الوضع المالي للدولة والمجتمع والمواطنين، والثاني هو ضرورة الاستفادة من ذلك الأداء الناجح وتوظيف الجهد الكبير للشيخ مكتوم لتطوير وتحسين الأداء في مختلف الجوانب ذات الصلة بالمال والاقتصاد في الحكومة كلها.
أما عن التعديل في الوزارات الثلاث، فبكل سهولة يمكن ملاحظة أنها وزارات مرتبطة بمجالات وقضايا ليست خدمية، وإنما هي وثيقة الصلة بما يشهده العالم من تقدم متسارع وتحديث مستمر في العلوم والتكنولوجيا والتفاعل مع البيئة.
ومن هذا المنطلق، جاء اختيار رائد الفضاء سلطان النيادي وزيراً للشباب، فهو نموذج للشباب الناجح المتقدم علمياً والمنفتح على أحدث ما وصلت إليه علوم الفضاء واستكشاف الكون، ما سيتيح له قيادة شباب الدولة نحو علوم المستقبل وارتياد المجالات المستحدثة التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي والنانو وغيرها من آفاق المستقبل.
وينطبق التوصيف نفسه، وإن كان بشكل مختلف، على اختيار الدكتورة آمنة بنت عبد الله الضحاك الشامسي وزيرة للبيئة، بعد ما حققته من إنجازات وتقدم كبير ليس فق مجال البيئة فقط وإنما أيضاً في قطاعات أخرى ذات صلة مباشرة بالبيئة مثل الزراعة والغذاء والصيد.
وبنفس المنطق، ترتبط وزارة الدولة لشؤون الدفاع بمجالات وملفات شديدة الأهمية وسريعة التطور، كالتسليح والتدريب وغيرهما من أوجه التطوير والتحديث الدفاعي، أخذاً في الاعتبار أن اختيار محمد بن مبارك فاضل المزروعي لتلك المهمة الدقيقة، هو استكمال لجهود وإنجازات محمد البواردي في هذا القطاع الدقيق وشديد الأهمية.
إن هذا الاستعراض السريع لدوافع ومنطق التعديل الوزاري المحدود في الحكومة الإماراتية، يؤكد مجدداً أن وراء كل خطوة تقوم بها دولة الإمارات أو إجراء يتخذه قادتها، فلسفة وحكمة ورؤية عميقة، تبدأ وتنتهي دائماً عند سعادة واستقرار وتقدم هذا الوطن كنموذج يُحتذى للمستقبل المرجو لكل البشر في كل مكان من العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة