الإمارات والمجر.. شراكة اقتصادية تتجدد وآفاق استثمارية تتوسع

تجسد العلاقات الاقتصادية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية المجر نموذجا ناجحا للتعاون الدولي المبني على المصالح المتبادلة والرؤية الاستراتيجية المشتركة.
وقد شهدت هذه العلاقات خلال السنوات القليلة الماضية نموا ملحوظا على مختلف المستويات، مدفوعة بإرادة سياسية واضحة من قيادتي البلدين، وبدعم من القطاعين الحكومي والخاص.
تعد الإمارات من أبرز الشركاء الاقتصاديين للمجر في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، حيث بلغ إجمالي الاستثمار الرأسمالي المجري في الإمارات نحو 35.8 مليون يورو خلال عام 2024، ما يعكس اهتمام الشركات المجرية بالفرص الاستثمارية التي توفرها الإمارات، وتطور مناخ الأعمال فيها، وفقا لوكالة أنباء الإمارات "وام".
الاستثمارات الإماراتية في المجر
في المقابل، توسعت الاستثمارات الإماراتية في السوق المجري بوتيرة متسارعة. فقد بلغ مخزون الاستثمار الرأسمالي لدولة الإمارات في المجر خلال عام 2022 نحو 292.6 مليون يورو، مع وجود 94 شركة إماراتية تعمل في المجر حتى نهاية العام ذاته، تُوفر فرص عمل لأكثر من 1382 شخصا. ويؤكد هذا الواقع حجم الثقة التي تحظى بها السوق المجرية لدى المستثمر الإماراتي، فضلًا عن متانة العلاقات الثنائية بين البلدين.
وفي السياق ذاته، تظهر بيانات التجارة غير النفطية بين الإمارات والمجر اتجاها تصاعديا مستمرا منذ عام 2019. فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 409 ملايين دولار في 2019 إلى 799.2 مليون دولار في عام 2024، ما يمثل تقريبا تضاعفا في حجم التجارة خلال 5 سنوات فقط. وتبلغ حصة دولة الإمارات 62% من إجمالي تجارة المجر مع دول مجلس التعاون الخليجي، مما يبرز الدور المحوري الذي تلعبه الإمارات كبوابة اقتصادية إقليمية تربط أوروبا بالشرق الأوسط وآسيا.
اتفاقية التعاون الاقتصادي
وتعود هذه النتائج إلى جهود متواصلة من الجانبين لتعزيز العلاقات الاقتصادية، كان من أبرزها توقيع اتفاقية التعاون الاقتصادي بين الإمارات والمجر في 14 مارس 2024، والتي تهدف إلى تحفيز التدفقات التجارية والاستثمارية، وتوفير التسهيلات للقطاع الخاص، إلى جانب التعاون في قطاعات الاقتصاد المستقبلية والناشئة، مثل التكنولوجيا المتقدمة، والطاقة النظيفة، والسياحة، والخدمات اللوجستية، والعقارات، والزراعة، والبنية التحتية.
تضمنت الاتفاقية بندا مهما يتمثل في تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة بين الجانبين، تكون بمثابة منصة تنظيمية لمتابعة البرامج والمبادرات المنبثقة عن الاتفاق، وتعزيز التنسيق المشترك في تنفيذ الخطط الاقتصادية. وتعكس هذه الخطوة التزام البلدين بتطوير إطار مؤسسي متين للتعاون طويل الأمد.
وتأتي هذه الاتفاقية في سياق سلسلة من اللقاءات الرسمية والزيارات رفيعة المستوى بين مسؤولي البلدين، وقادة الأعمال من الجانبين لاستعراض الفرص الاستثمارية المشتركة، والتباحث حول بناء شراكات جديدة في القطاعات ذات الأولوية.
وتتناول المناقشات خلال اللقاءات سبل تعزيز التعاون في مجالات حيوية، من بينها الصناعة، والتجارة، والسياحة، والاستثمار، والبنية التحتية، والخدمات اللوجستية، والعقارات، مع التركيز على تحفيز بيئة الأعمال وتسهيل الوصول إلى الأسواق الإقليمية والدولية.
شريك اقتصادي
وبالتزامن مع هذه الجهود، أكدت دولة الإمارات استعدادها الكامل لاستقبال الشركات المجرية وتوفير البيئة التشريعية والمحفزة لتوسعها، مشيرة إلى أن البنية التحتية المتقدمة، والأنظمة الحديثة، والموقع الجغرافي الاستراتيجي للإمارات تشكل عوامل جذب رئيسية لأي شريك اقتصادي عالمي.
على الجانب الآخر، أبدت المجر اهتماما متزايدا بتوسيع آفاق تعاونها مع الإمارات، ليس فقط في الجانب التجاري، بل أيضا في القطاعات المتقدمة والاستراتيجية. وقد تجلى ذلك في توقيع خطاب نوايا بين وزارة الدفاع المجرية ومجموعة "ايدج" الإماراتية في 29 يناير/كانون الثاني 2025. ويمهد هذا الخطاب الطريق أمام تعاون دفاعي وتكنولوجي غير مسبوق، يشمل الابتكار والتطوير المشترك، ويؤكد ثقة الجانب المجري في القدرات الإماراتية في قطاع الدفاع.
وقد تمثل هذا التعاون أيضًا في بحث صفقات محتملة تشمل توريد بنادق القنص من نوع "كراكال" لقوات الدفاع المجرية، وهي المرة الأولى التي تدخل فيها مجموعة "ايدج" بسلاح من إنتاجها إلى دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، ما يُعطي الشراكة الإماراتية–المجرية بعدا استراتيجيا جديدا.
العلاقات السياحية
وتولي الدولتان أهمية متزايدة لتطوير التعاون السياحي والثقافي بينهما، حيث سجلت حركة الطيران نموًا متسارعًا، بوجود أكثر من 56 رحلة شهرية بين البلدين، ما يدعم التبادل السياحي والتجاري، ويُمهّد الطريق لمزيد من التعاون بين شركات السياحة والطيران في المستقبل القريب.
وفي ضوء هذه التوجهات، تتطلع دولة الإمارات إلى مواصلة العمل مع المجر لبناء شراكات طويلة الأمد تعزز التنمية المستدامة. وتؤكد الإمارات على أهمية الاستثمار في الاقتصاد الجديد، والابتكار، والتكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، والطاقة النظيفة كأدوات لتحقيق قفزات تنموية في بيئة متغيرة عالميًا.
بينما ترغب المجر في تعزيز التعاون مع المؤسسات الإماراتية في مجالات الاستدامة، والتقنيات الرقمية، والتحول الأخضر، وكفاءة الطاقة، حيث تمثل الشراكة مع الإمارات فرصة استراتيجية لتسريع التحول الاقتصادي في المجر، وربطها بشبكات النمو العالمية.
قصة نجاح متجددة
كما تواصل اللجنة الاقتصادية المشتركة بين الإمارات والمجر بحث آليات جديدة لتشجيع تبادل الوفود الاقتصادية، وتوفير الدعم لرواد الأعمال والمستثمرين في كلا البلدين، إلى جانب العمل على إطلاق مبادرات مشتركة تدعم الابتكار وريادة الأعمال، وتُعزز من دور القطاع الخاص في قيادة التحول الاقتصادي.
تمثل العلاقات الاقتصادية بين الإمارات والمجر قصة نجاح متجددة، مبنية على الثقة، والرؤية المشتركة، والتخطيط الاستراتيجي.
ومع استمرار التعاون في القطاعات الناشئة وتوسيع فرص الاستثمار، من المتوقع أن ترتقي هذه الشراكة إلى مستويات أكثر عمقا، بما ينعكس على تحقيق النمو المستدام، وتوفير بيئة مزدهرة للأعمال والاستثمار في كلا البلدين.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuODkg
جزيرة ام اند امز