نرى أن هناك فرصاً هائلة وآفاقاً واسعة لتعزيز وتطوير العلاقة الإماراتية الهندية
ترتبط العلاقات الإماراتية الهندية بروابط تاريخية راسخة؛ ترجع جذورها إلى فترة ما قبل الميلاد بحكم الموقع الممتاز الذي يحتله البلدان على خطوط التجارة البحرية العالمية، ولكنها نمت وترعرعت ووصلت إلى منتهى الكمال والجدة خلال السنوات الماضية، بفضل التفاهم السياسي والتبادل التجاري والمصالح المشتركة والتعاون المتسارع في مجالات مختلفة، مثل العلوم والصناعة والتكنولوجيا والطاقة والنفط والغاز، والصحة والسياحة والزراعة واليد العاملة والضيافة، والمطاعم والتعليم والأدب والثقافة والاستثمار والشباب والرياضة، والبيئة، وفي سلك الأمن والاستخبارات وغير ذلك.
المجتمعان، الهندي والإماراتي، كلاهما يتسم بتعدد الثقافات والتعايش السلمي والاحترام الكبير للمبادئ الأخلاقية والإنسانية وعدم التدخل في شؤون الآخرين، كما تتوافق قيادتا البلدين أيضاً في رؤيتيهما المشتركتين تجاه ضرورة مكافحة الإرهاب ومواجهة الحركات الإرهابية المتطرفة.
بدأ عصر هذه العلاقة الجديدة الاسترتيجية الثنائية من الزيارة التاريخية التي قام بها المغفور له وطيب الله ثراه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان للهند في يناير عام 1975م، والتقى خلالها رئيس الهند، ورئيسة الحكومة الراحلة السيدة أنديرا غاندي، وكبار رجال الدولة.
كانت تلك الزيارة بمثابة حجر أساس الصداقة سياسياً واقتصادياً وتجارياً وثقافياً، وما زالت ذكرى زيارة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" حيّة في قلوب قيادة وشعب الهند حتى الآن، ويذكرونها بكل تقدير واحترام واعتزاز.
بعد ذلك شهدت الدولتان تبادل الزيارات من كلا الجانبين على المستوى الأعلى، ومنها زيارة رئيس الهند الراحل فخر الدين علي أحمد للإمارات عام 1976م، والسيدة أنديرا غاندي عام 1981م، وزيارة ثانية من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان للهند عام 1992م، وعدة زيارات من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله" للهند بين عامي 2007م إلى عام 2011م، والتي تركزت حول العمل على توسيع آفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين، وزيارة رئيس الوزراء الهندي ناراندرا مودي إلى أبوظبي ودبي عام 2015م التي اُفتِتحت خلالها مرحلة جديدة للشراكة، تتسم بالاستراتيجية المهمة، ثم زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بمناسبة يوم جمهورية الهند عام 2017م مع وفد كبير، حيث تم توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الشاملة لكثير من المجالات.
إن هذه الزيارات الكثيرة على المستوى العالي تدلّ على مدى التقارب والتفاهم في وجهات النظر والمواقف السياسية بين البلدين تجاه القضايا المحلية والدولية، وتشير إلى مدى عمق هذه الصداقة التي تقوم على أسس متينة بدأت في الماضي وتستمر في الحاضر، وإننا متأكدون بأنها تتدرج وتبلغ أوج الكمال والازدهار في المستقبل.
وأنا هنا بجانب آراء صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي أعرب عنها خلال زيارته للهند في بداية هذا العام، قائلاً إن العلاقات بين الإمارات والهند تشهد حركة فاعلة ومتنامية بين المؤسسات الاقتصادية في كلا البلدين، وأن أهم ما يميز هذه العلاقات أنها ليست علاقات سياسية واقتصادية فحسب، وإنما لها بعدها الشعبي والثقافي والحضاري المتميز، ثم إن سموه تمنى أن تزيد وتيرة هذه الحركة في المستقبل، في ظل العوامل الإيجابية المشتركة، والفرص المتعددة التي يزخر بها البلدان.
كما نرى أن هناك فرصاً هائلة وآفاقاً واسعة لتعزيز وتطوير هذه العلاقة الإماراتية الهندية، والتجارة هي محور أساسي للعلاقة بين البلدين؛ حيث شهد التبادل التجاري بينهما قفزة هائلة في السنوات الأخيرة إذ بلغ حجمه أكثر من 68،5 مليار دولار سنوياً، في حين لم يتجاوز حجم التبادل التجاري بين الإمارات والهند عند قيام اتحاد الإمارات العربية المتحدة عام 1971، الـ 180 مليون دولار.
وبهذا الحجم التجاري أصبحت الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري للهند بعد الصين والولايات المتحدة الأمريكية في عامي 2013 /2014. ومن الممكن أن يزداد هذا الحجم في المستقبل، ويضم قطاعات أشمل وأوسع، كما أن المجتمعَين، الهندي والإماراتي، كلاهما يتسم بتعدد الثقافات والتعايش السلمي والاحترام الكبير للمبادئ الأخلاقية والإنسانية وعدم التدخل في شؤون الآخرين.
كما تتوافق قيادتا البلدين أيضاً في رؤيتيهما المشتركتين تجاه ضرورة مكافحة الإرهاب، ومواجهة الحركات الإرهابية المتطرفة، ومن أجل ذلك اتفق الجانبان على تعزيز التعاون في عمليات مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية، ونحن كمتابعين للشأن السياسي والاستراتيجي الهندي نتوقع الزيادة في هذا التعاون المشترك.
وكذلك مجالات التعليم والأدب والثقافة والسياحة، والصناعة الغذائية والمعدنية والاستثمار الزراعي ومجال الطاقة المتجددة، والإلكترونيات والتكنولوجيا وصناعة الهواتف المتحركة، والإنشاءات، وغير ذلك من المجالات الأخرى التي يمكن أن تسهم بدورها الكبير والفعال في بلوغ هذه العلاقة عهداً جديداً تاريخياً.
باحث في الشؤون الهندية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة