هذه هي الإمارات على مدى تاريخها، فعلى أراضيها يعيش مختلف الأجناس والأعراق والديانات تنعم بالحياة الكريمة والاحترام
"التسامح واجب، لأن الإنسان إنسان في المقام الأول، خلقه الله إن كان مسلماً أو غير مسلم".. كلمات لمؤسس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان أرادها قبل التأسيس ليرسخها في شعبه وأمته لتكون نهجاً ودستوراً تسير عليه دولة الإمارات وتصبح استراتيجية حضارية ترعى "الإنسان" وتعمل على تنميته وإسعاده.
ما زال في الأفق الكثير وما زال معين الإمارات المتجدد الذي لا ينضب يسقي الأرض حبا وسلاما.. دامت الإمارات منارة للتعايش ودامت أعوامها كلها أعواما للمحبة والتسامح، لتستحق عن جدارة لقب "أرض التسامح"
فالحديث عن التّسامح في فكر ونهج الشيخ زايد يتجاوز حدوده التقليدية، ليعكس دليلا عمليا ملموسا على النّظرة الثاقبة التي تتمتع بها الريادة الحضارية عند "حكيم العرب" في استشراف آفاق المستقبل، لتقف دولة الإمارات شامخة تقدم نموذجا ملهما في قيم التعايش والتسامح والإنسانية، كالمنارة المشعة في وسط الظلام، تعلي دائما مبادئ الإسلام السمح الذي أتى بالسلام والرحمة لكل البشر.
هذه هي الإمارات على مدى تاريخها، فعلى أراضيها يعيش مختلف الأجناس والأعراق والديانات تنعم بالحياة الكريمة والاحترام، وتكفل قوانينها للجميع العدل والاحترام والمساواة، وتجرم الكراهية والعصبية، ليعملوا ويدرسوا ويمارسوا شعائرهم الدينية بكل حرية، معانٍ سامية تجسّدت بقوة مع مطلع هذا العام حينما أعلنت قيادتها الحكيمة 2019 عاما للتسامح يجمع ولا يفرق، وذلك في وقت يحتاج العالم بشدة إلى بصيص أمل وشعاع نور يضيء دروبا مظلمة أعمت المبصرين وأدخلت شعوبا في غياهب الجب.
عام للتسامح بدأت بشائره هذه الأيام بعدد من الفعاليات والأحداث المهمة، لتأتي على رأسها الزيارة التاريخية لبابا الكنيسة الكاثوليكية قداسة البابا فرنسيس، وفضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر، والتي تعد الأولى لبابا الكنيسة الكاثوليكية إلى منطقة الخليج العربي، لتشهد لأول مرة حدثا غير مسبوق في التاريخ أجمع بعد أن جمعت قطبين دينيين لشخصيتين عظيمتين يعيشان معا في بيت واحد، وهو ما يجسّد بقوة معاني الإنسانية والمحبة ويؤكد أن الإمارات بادرت لتبقى أرض التسامح والأمان، والحاضنة لقيم الإنسانية والسلام والتعددية الثقافية.
ولم يكن "عام التسامح 2019" هو البداية، ولكنه نقطة من بحر الإرث الحضاري والثقافي والاجتماعي للإمارات، الذي تجسّد في مبادئ أبنائها والآباء المؤسسين وعلى رأسهم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان نهيان رحمه الله.
فلقد سعت دولة الإمارات، منذ عهد المؤسس الراحل، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، إلى المضي قدما في طريق ترسيخ قيم التسامح وقبول الآخر، حيث احتوت مختلف دور العبادة بتنوعها من مساجد وكنائس ومعابد تتيح للجميع حرية ممارسة الشعائر والطقوس الدينية، ولم تقف عند هذا الحد، بل شددت على تجريم الكراهية والعنصرية وأصدرت قوانين صارمة منظمة، لا تفرق بين أحد لتسري على الجميع باعتبارهم مواطنين ولهم جميع الحقوق، لتستمر في دعم أسس التسامح والمحبة والعمل على نشرها بجميع الوسائل وعلى مختلف الأصعدة.
وترسيخا للصلات الإنسانية بين أتباع الديانات وتأكيدا على مبادئ الإمارات في نشر التسامح؛ تم إطلاق اسم مريم أم عيسى على مسجد الشيخ محمد بن زايد في منطقة المشرف بأبوظبي، في خطوة تعبر عن عظمة هذا البلد وثباته على مبادئه السمحة، وما يؤكد أن التسامح في هذا البلد منذ القدم ما كشفت عنه التنقيبات الأثرية من اكتشاف وجود أقدم دير مسيحي في منطقة الخليج على أرض الإمارات وتحديدا في جزيرة صير بني ياس، والذي يعود تاريخه لعام 600 ميلاديا.
ولم تضع جهود الإمارات في دعم قيم التسامح هباء منثورا بل عضدت تاريخها واعتلت القمة في التعايش السلمي وتنوع وثراء المجتمع، فتم تصنيفها الدولة الأولى إقليميا والثالثة عالميا في مؤشر التسامح المدرج ضمن منهجية تقرير الكتاب السنوي العالمي لعام 2016، والذي صدر عن معهد التنمية الإدارية بسويسرا، كما استطاعت الإمارات أيضا أن تحتل المركز الأول على المستوى الإقليمي في مؤشر إنفاذ القانون والعدالة لعام 2018/2017.
لم يقف نجاح الإمارات في نشر التسامح عند هذا الحد، بل كانت سبّاقة حين أصبحت أول دولة في العالم تنشئ وزارة للتسامح مهمتها الأولى والأخيرة نشر قيم التسامح وتعزيز التعايش والترابط بين شتى أطياف المجتمع.
لذلك لم يكن غريبا أن يتغنى رؤساء دول ومسؤولون كبار ووسائل إعلام دولية من مختلف بقاع المعمورة بما قدمته الإمارات للإنسانية واحتضانها قيم التسامح، وهو تأكيد مستمر من حكامها على مبادئهم التي لا تحيد عن تلك القيم، والتي أكدها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي حين قال: "إن إعلان خليفة 2019 عاماً للتسامح يذكرنا بإرث عظيم أرساه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وما أحوج العالم اليوم إلى تعزيز القيم الإنسانية الجامعة التي تمكن المجتمعات من العمل لما يخدم مصالحها وينهض بأوطانها ويؤمن مستقبل أجيالها"، هو خير دليل على تجذر قيم التسامح في الإمارات.
ولن ننسى ما صرح به صاحب السمو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حين تم الإعلان عن وزارة التسامح، حيث قال سموه: "لا يمكن أن نسمح بالكراهية في دولتنا، ولا يمكن أن نقبل بأي شكل من أشكال التمييز بين أي شخص يقيم عليها، أو يكون مواطنا فيها.. ثقافة التسامح ليست وليدة اليوم في مجتمع دولة الإمارات، بل هي امتداد لثقافة سائدة في المنطقة منذ القدم".
وما زال في الأفق الكثير وما زال معين الإمارات المتجدد الذي لا ينضب يسقي الأرض حبا وسلاما.. دامت الإمارات منارة للتعايش ودامت أعوامها كلها أعواما للمحبة والتسامح، لتستحق عن جدارة لقب "أرض التسامح".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة