يلفت النظر في التبرع الإماراتي الأخير الفرق الشاسع بين دولة تقدم أموالها بمودة قلبية وأطراف إقليمية تسعى إلى تعميق الشرخ.
لم يكن لتغيب مدينة القدس عن قادة الإمارات العربية المتحدة، وقد وضع الشيخ زايد رحمه الله الأساس القوي والمتين لدعم القضية الفلسطينية ضمن أساسيات الصرح الإماراتي الشاهق، ولهذا يبقى من الطبيعي أن تبقى زهرة المدائن القدس، وكذلك أهلها من المقدسيين في القلب من أصحاب القرار الرفيع والهمة العالية، من عند الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة، مرورا بالشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، وبقية العقول والقلوب المليئة بالعروبة والأصالة.
يلفت النظر في التبرع الإماراتي الأخير والكبير الفرق الشاسع بين دولة تقدم أموالها ومجهودها ورؤاها السلمية بمودة قلبية وإنسانية رائعة ونموذجية، وبين أطراف إقليمية أخرى تسعى عبر فوائضها المالية إلى تعميق الشرخ بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، وإثارة بعضها على البعض الآخر.
إشكالية القدس لا تتمثل فقط في الجانب السياسي التصادمي والخلافي، وإنما هناك أمر آخر يتصل بالضرورة بحياة المقدسيين أنفسهم، وكيف أن دعمهم هو أمر لا يقل أهمية عن النضال القانوني للدفاع عن هوية عروبة القدس، لا سيما في ظل ما تتعرض له من محاولات جارية لتغيير هويتها وتبديل طبيعتها العربية منذ أكثر من ألفي عام، وهو الذي يعود بنا إلى زمن الكنعانيين الأجداد الكبار لعرب فلسطين.
في هذا السياق يمكن للمرء أن يتفهم القيمة الإنسانية والأخلاقية للمنحة التي قدمتها دولة الإمارات خلال الأيام القليلة الفائتة، من خلال صندوق أبوظبي للتنمية وإلى مجلس القدس للتطوير والتنمية الاقتصادية، التي تبلغ نحو 44 مليون درهم، أي ما يعادل 12 مليون دولار أمريكي.
والهدف الرئيسي من هذا التمويل هو دعم عدد من المشاريع والبرامج التنموية التي ستساهم في تحسين الظروف المعيشية لسكان القدس، وتوفر برامج وأنشطة تدريبية وتعليمية وثقافية ومهنية، ستنعكس على المجتمع المحلي في القدس.
وهنا يُطرح السؤال الأساسي: هل هذه هي المرة الأولى التي يقدم فيها صندوق أبوظبي مثل هذا العون والمدد للمقدسيين المحاصرين في الداخل من جميع الجهات، خاصة في ظل التضييق المادي عليهم من قبل سلطات الاحتلال؟
المؤكد أن الصندوق قد ساهم من قبل في تمويل العديد من المشاريع التنموية في فلسطين، التي ركزت على قطاعات تنموية رئيسة، مثل التعليم والصحة والإسكان وغيرها من المشاريع التنموية التي كان لها أثر إيجابي على حياة السكان في العديد من المناطق.
فلسفة الإمارات التقدمية هي أن ما لا يؤخذ كله لا يترك جله، كما أن النظرة العميقة إلى الأحوال الدولية وإن أفادت باستمرار الصراع من حول الحجر، فإن ذلك لا يمنع من الاهتمام بالبشر، فالعنصر الإنساني الفلسطيني في الداخل يبقى هو حجر الأساس الرئيس والأولى بالعناية والرعاية الفائقتين، وتركه وحيدا مهملا منسيا خطيئة في حق القضية الفلسطينية عامة، وامتهان لروحها الإنسانية خاصة.
الفلسطيني المقدسي هو الأحق، ومن خلال دعم كريم مثل الدعم الإماراتي بعوامل الحياة، وليس أي حياة، بل الحياة الكريمة، تلك التي من خلالها يستطيع أن يجد التعليم والرعاية الصحية والمسكن والوظائف، إلى آخر مشروعات التنمية الخلاقة.
ولا شك أن الإرهاب يختفي حين يسود مثل هذا التفكير التنموي، بل يدفع الجميع في اتجاه الحلول والسلمية، فاليائس والبائس هما حاضنة بشرية سهلة الاقتناص من جماعات الشر والتطرف سواء الأيديولوجي أو الدوجمائي، وما أكثر مثل تلك المجموعات في الداخل الفلسطيني المأزوم.
منذ العام 1999 وفي حياة زايد الكبير (رحمه الله) بدأ صندوق أبوظبي للتنمية نشاطه التنموي على الأراضي الفلسطينية، فقد آمن (رحمه الله) إيمانا لا حدود له بعروبة القدس وبعدالة القضية الفلسطينية، ومن أجلها قدم الكثير ولا تزال ذكراه في الآفاق خالدة.
ساهم الصندوق في تمويل 17 مشروعا من خلال المنح التنموية، وبقيمة إجمالية بلغت نحو مليار درهم إماراتي، لعبت دورا واضحا في خدمة الشعب المتألم الذي يعيش في ظروف إنسانية غير سوية، ويحتاج إلى الأيادي الحانية عليه وبطرق تدفع في طريق الحياة والنماء.
لا يغيب عن القارئ والباحث الملم بأحوال القضية الفلسطينية واقع حال ومآل القدس الشريف، عروس العروبة وما تتعرض له، فهي ليست مدينة بالمعايير النسبية بل هي رمز ديني وإيماني، مسيحي وإسلامي، رمز له مكان في قلوب نحو ثلاثة مليارات مؤمن وموحد حول العالم، وعليه فإن بقاء العنصر العربي الفلسطيني في تلك المساحة المقدسة من الأرض أمر يبقى فرض عين على الشرفاء والمخلصين للقضية كافة من أقصى الأرض إلى أقصاها.
تعرضت القدس مؤخرا ومع قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى حالة من حالات الاختطاف، ما عقد مسيرة السلام التي كان المرء يأمل في أنها سوف تنهي الخصام والعداوات بين الأطراف المتصارعة عبر ما يزيد على سبعة عقود، ولا يبدو في الأفق إلا حالة من حالات الانسداد التاريخي، ذاك الذي يقلص من مساحات الانفراجة الإنسانية للشعب المحاصر داخل حدوده الأصلية.
دعم المقدسيين اليوم واجب إنساني وروحاني، والمكرمة الإماراتية الأخيرة هي فيض من غيض بحر الكرم والمودات الإماراتية، الذي لا يزال يتدفق بمودة صافية وخالصة على الشعب الفلسطيني، سواء تعلق ذلك بأهل مدينة القدس أو بغيرهم، مع الأخذ في الاعتبار أن التركيز على القدس يعني العمل البناء لمواجهة إشكالية التهويد، وتفريغ المدينة من سكانها، ذلك المخطط الماضي على قدم وساق منذ عقود طوال.
يلفت النظر في التبرع الإماراتي الأخير والكبير الفراق الشاسع بين دولة تقدم أموالها ومجهودها ورؤاها السلمية بمودة قلبية وإنسانية رائعة ونموذجية، وبين أطراف إقليمية أخرى تسعى عبر فوائضها المالية إلى تعميق الشرخ بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، وإثارة بعضها على البعض الآخر، عطفا على تشجيع الحركات الأصولية المعين الرئيسي للإرهاب في الداخل الفلسطيني، التي تسببت في الكثير من الأذى لجيرانها.
شتان الفرق بين إمارات تسعى للخير وتمضي في أثر سر البعث والنهضة والتنمية، وأشباه دول أخرى لا هم وراءها إلا نشر سر الإثم من حولها، حتى وإن أدى ذلك إلى أن تلحق النيران بأطراف ثوبها في آخر الأمر، "فلا أحد يحتل وينجو ببراعة" كما يقول الفيلسوف البلغاري الأصل الفرنسي الجنسية "تزيفتان تيدروف".
الخلاصة.. للحق والصدق رجالاته والحق أحق أن يتبع .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة