سياسة التسامح هي التي ستسود التعامل في الإمارات، ونرجو أن نرى هذه السياسة وقد آتت أكلاً طيباً من التسامح والتصالح والصفح عن المسيء
"التسامح هو عنوان المجتمعات المتقدمة فكريا وإنسانيا، وأداة من أدوات التمكين الحضاري، وضمان لاستقرار وازدهار الأمم، وسنسعى في 2019 لمأسسة هذه القيمة وقيادة حركة الإنتاجات الفكرية والإعلامية والبحثية لتعزيز هذه القيمة في منطقتنا التي عانت كثيرا بسبب التعصب للأفكار أو للطوائف أو للأحزاب"
الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم
"بإعلان خليفة 2019 عاما للتسامح.. نستذكر إرثا إنسانيا عظيما أرساه زايد أساسه التسامح.. ليصبح نهجا لمجتمع الإمارات المتعدد الهويات والثقافات.. ما أحوج العالم اليوم إلى تعزيز القيم الإنسانية الجامعة التي تمكن المجتمعات من العمل لما يخدم مصالحها وينهض بأوطانها ويؤمن مستقبل أجيالها".
الشيخ محمد بن زايد آل نهيان
تعود الناس في الإمارات متفرقة قبل قيام الدولة عام 1971 وبعدها على أن يلقوا من قادتهم التسامح والتساهل والصفح عن المسيء ومحاولة إعادة هذا المسيء إلى الجماعة بكل الطرق السليمة والإنسانية الممكنة، وما من مخضرم ممن عاش في الإمارات منذ النصف الثاني من القرن الماضي إلا ويتذكر مواقف تسامحيه تجاه قضايا سياسية وعسكرية عدة حدثت في الإمارات ولقت من لدن القادة مواقف إيجابية في الصفح والعفو عما بدر من أفراد ومجموعات من الناس، مما دل على أن مثل هذه الأخلاقيات العالية مترسخة في عادات الناس وتعاملهم مع بعضهم البعض.. ونحاول بشيء من الإيجاز استعراض ملامح من ثلاثة أحداث من هذه الأريحيات المتسمة بالخلق الحسن بين القادة وجماعات الناس.
سياسة التسامح هي التي ستسود التعامل في الإمارات، ونرجو أن نرى هذه السياسة وقد آتت أكلاً طيباً من التسامح والتصالح والصفح عن المسيء والعمل على نبذ العنف وجعل الإمارات واحة أمان تهفو إليها قلوب الناس وتلجأ إليها طلباً للأمان والسلام والعيش الرغيد
في الثلاثينيات من القرن الماضي، اشتدت المناوءة بين الشرعية التي كان يمثلها الحاكم العابد الصالح الشيخ سعيد بن مكتوم حاكم دبي 1958-1912 وبين فئة ذات أهداف غير ملائمة للصالح العام، وأدى الأمر في النهاية إلى نجاح الشرعية وتغلبها في إثبات القدرة على تسيير الأمور بما يحقق للمجتمع الدبوي الاستقرار والأمن، ولم يكد يمضي هذا الوقت حتى جرت اتصالات بين الحكومة الشرعية والمناوئين الذين لجأ بعضهم إلى الخارج للسماح لهم بالعودة إلى الوطن وطلب السماح والصفح والتعهد بالخضوع للشرعية والولاء لصالح الوطن، فما كان من الحكومة الشرعية إلا أن استجابت لذلك استجابة كريمة، وعاد كل من هؤلاء إلى ذويهم وأعيد إليهم ما كان يخصهم من أملاك وحقوق، وتم ذلك في بداية عام 1954.
ومنذ بداية الخمسينيات تعرض المغفور له الشيخ زايد بن سلطان الذي كان يتولى إدارة مناطق العين وما جاورها من القرى والواحات لتحديات جمة تتعلق بالشرعية التي كان يمثلها، وكان لمواقفه المتسمة بالقدرة الفائقة على التحكم في الأمور والحنكة السياسية التي كان يتمتع بها أثر في مجابهة الأخطار والحيلولة دون انتشارها والتقليص من شرور هذه الأخطار.
ولم يكد الشيخ زايد يتولى أمور الإدارة في أبوظبي عام 1966، حتى شمر عن ساعده للتعمير والبناء وبدأ أولى الخطوات الإيجابية التي رافقت خطوة الإعمار وهو التسامح والصفح عمن أساءوا وأحدثوا ثلمة وتفكيكاً في المجتمع، وعمل الشيخ زايد رحمه الله وبشكل دؤوب على التسهيل والتقبل وعمل على انخراط المنحرفين في عملية الإعمار، وكان هذا الموقف الإنساني عاملاً في السير بالبناء والمضي إلى الأمام.
والحادثة الثالثة هي التي جرت في الأيام الأولى لقيام الدولة، دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، وكان هناك بعض الشباب الإماراتيين كانت قوى الشر في الخارج قد غررت بهم وجعلتهم يتبعون مبادئ غير ملائمة لظروف المجتمع الإماراتي وتقاليده، وكان الشيخ محمد بن راشد قد ترأس آنذاك قيادة الجيش وقرر استئصال الشر بما أمكن من الحكمة والموعظة الحسنة والتصرف بأخلاقيات عالية مع هؤلاء الشباب المغرر بهم، وخلال وقت قصير أعيد هؤلاء إلى أحضان المجتمع مبتعدين عما تلقوه من مبادئ غير سليمة، وذلك بفضل التعامل الحسن والصفح والتسامح الذي تعامل بها الشيخ محمد بن راشد مع هذه الحادثة.
وفي رأيي أن الإعلان الصادر من قيادة الإمارات في هذه الأيام الأخيرة من عام 2018، الذي أوشك على الانتهاء، وباعتبار العام المقبل 2019 عام التسامح، كما ورد تفصيله في التغريدتين اللتين تم استهلال حديثنا بهما، وذلك من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، دليلٌ قوى على أن سياسة التسامح هي التي ستسود التعامل في الإمارات، ونرجو أن نرى هذه السياسة وقد آتت أكلاً طيباً من التسامح والتصالح والصفح عن المسيء والعمل على نبذ العنف وجعل الإمارات واحة أمان تهفو إليها قلوب الناس وتلجأ إليها طلباً للأمان والسلام والعيش الرغيد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة