التعصب الديني الذي عزز خطاب الكراهية برز مع صعود الثورة الخمينية وتشويهها لتعاليم الدين السمحة، وتبنيها مبدأ تصدير الثورة
نودع بعد أيام قليلة عام ٢٠١٨ عام زايد رحمه الله، الأب المؤسس الذي استحضرْنا سيرته العطرة بالإنجازات وشخصيته الفذة التي سبقت عصره وما تتضمنه من قيم المروءة العربية ورؤيته التكاملية التي وحد بها وبعزم الآباء المؤسسين رحمهم الله أرض الإمارات، ليجعل من هذه الصحراء منارة خير للعالم، وها نحن نستقبل عاماً جديداً شعاره التسامح.. التسامح الذي ليس بالجديد علينا في الإمارات، ولكن لنعزز به تجربتنا الفريدة ونصدرها للعالم، في أرض احتوت ٢٠٠ جنسية وأصبحت قبلة القاصي والداني للعيش والعمل والاستثمار فيها.
في ظل ثورة المعلومات وزخمها وتسخير بعض الدول الصغيرة منابرها الإعلامية لتصدير خطاب الكراهية، وتقويض أمن الدول واستضافتها لعرّابي الفساد، ودعمها المادي والمعنوي للجماعات الإرهابية، تقف الإمارات في وجه مشروع الفوضى مستخدمة "التسامح" قوتها الناعمة التي ستقطع بها الطريق على زارعي بذرة التطرف والخراب
تقول الأديبة والناشطة الكفيفة الأمريكية هيلين كيلر: "التسامح هو النتيجة الأسمى للتعليم"، وهو قيمة إنسانية عُليا نادت به الأديان السماوية، وشكّل به الإسلام نموذجاً تاريخياً سنامه في قرطبة العلم والحضارة، فلم يكن التنوع العرقي ولا الديني الذي ضم العرب والبربر واليهود وأبناء الأندلس الأصليين من الإسبان، ومن هاجر إليها من أوروبا، سوى دافع لعجلة الحضارة ونشر العلم والإبداع والابتكار في مختلف العلوم والصناعات. ومثلُ قرطبة كثير في تاريخ الأمم والشعوب التي حولت التنوع إلى مصدر قوة، والعكس صحيح كان انغلاق الدول سبباً في تخلفها وتأخرها وأحياناً سقوطها.
وبالإضافة للمعاني السامية للتسامح ومردودها الحضاري على المجتمع، يشكل التسامح قوة ناعمة وأداة عصرية لمواجهة التطرف، وأسلوب وقاية من شرور خطابات الكراهية والعنف السياسي وأيديولوجيا الجماعات الإرهابية، وغالباً ما تأتي النزعات العنيفة على شكل ردة فعل لنظام رافض للتنوع، يعمل بقصدٍ أو دونه على إحداث شرخ في النسيج الاجتماعي وفصل الأقليات العرقية أو الدينية في مجتمع ما، لتعتلي الأصوات المضادة الرافضة لمحو هويتها المهددة، مستخدمة خطابا آخر من الكراهية ليتطور هذا الفكر، وينشأ منه منظمات وجماعات إرهابية، تعتمد على قطبية "نحن وهم".
كان التوتر العرقي سببا في نشأة وبروز منظمات إرهابية ذات نزعة انفصالية، وجدت من الانغلاق عليها سبباً لتكرار هذا السلوك مثل صراع منظمة إيتا وفرانكو في إسبانيا الذي منع استخدام اللغة الباسكية ومنظمة نمور التاميل التي نشطت في سيريلانكا على خلفية الهيمنة السنهالية على الأقلية التاميلية.
وعلى الرغم من وجود نقاط عامة مشتركة بين هذه المنظمات إلا أن دراسة مسببات سلوكها الإرهابي تتطلب دراسة تحليلية أعمق لخلفياتها التاريخية والسياسية والثقافية.
أما التعصب الديني الذي عزز خطاب الكراهية فقد برز مع صعود الثورة الخمينية وتشويهها لتعاليم الدين السمحة، وتبنيها مبدأ تصدير الثورة ودفعها للطائفية التي وجدت فيها السبيل الوحيد لصنع وعي جمعي يخدم قطبية "نحن وهم"، وما تبع هذه الخطوة من ردة فعل معاكسة تصدَّرتْه الصحوة، ومصادرتها للخطاب الديني يعتبر جزءاً مهماً في نشأة المنظمات الجهادية، فقد كان ولا يزال الدين باختلاف الديانات وسماحة تشريعاتها، مسوغاً للعنف السياسي.
وفي ظل ثورة المعلومات وزخمها وتسخير بعض الدول الصغيرة منابرها الإعلامية لتصدير خطاب الكراهية، وتقويض أمن الدول واستضافتها لعرّابي الفساد، ودعمها المادي والمعنوي للجماعات الإرهابية، تقف الإمارات في وجه مشروع الفوضى مستخدمة "التسامح" قوتها الناعمة التي ستقطع بها الطريق على زارعي بذرة التطرف والخراب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة