وزير دفاع أمريكا الجديد سيواجه اختبارا يتعلق بتطوير خطة ردع لمواجهة استفزازات إيران بالخليج العربي، ومضيق هرمز وصولا لباب المندب.
أضحت مسألة الإبحار في مياه الخليج العربي قضية دولية لا إقليمية فقط، وباتت هواجس الماضي تتراءى أمام أعين الناظرين للمنطقة، والذاكرة تستدعي ثمانينيات القرن الماضي، حين تركزت الهجمات الإيرانية على ناقلات النفط الخليجية، بدعوى أن دول الخليج العربي تدعم العراق في حربه ضد إيران، فيما عرف بحرب الناقلات، وفيها تم استهداف أكثر من خمسمائة سفينة وناقلة نفط، ومات في المواجهات عدة مئات من البحارة متعددي الجنسيات، ناهيك عن خسائر قُدرت وقتها بمئات المليارات من الدولارات.
الخلاصة.. إيران في مأزق، وشبح "براينغ مانتيس 2" يحوم من حولها، وهي العملية العسكرية التي شنها الأسطول الأمريكي على مشارف نهاية الحرب العراقية الإيرانية، وهلك فيها نصف الأسطول الإيراني، فانظر ماذا ترى؟
علامة الاستفهام في هذا المقام: هل يود العالم أن تعيد إيران سيرتها السابقة مرة ثانية؟
ووفقا لـ"كارل ماركس" فإن التاريخ إن أعاد نفسه يضحى في المرة الأولى مأساة وفي الثانية ملهاة، غير أن كثيرا من وقائع التاريخ في حقيقة الأمر تتشابه، لا سيما في حالة الملالي القابضين على دوجمائية ثورية مغشوشة يتطلعون إلى تصديرها للعالم برمته.
الأحاديث الدائرة الآن حول العالم موصولة بكيفية حماية المضائق المائية الخليجية الرئيسية، تلك التي تعد بمثابة شرايين للاقتصاد العالمي من جراء مرور النفط بها، وإلى أين يمكن أن تقود تلك الخطط التي تتسارع إيقاعاتها من واشنطن إلى بروكسل بنوع خاص، وبغض النظر عن درجات الاتفاق أو الافتراق بين الجانبين.
وسط هذا الضجيج الهادر والمخاوف المتصاعدة تبقى الإمارات صاحبة رؤية استشرافية تقدمية، ولأن العاصمة أبوظبي تقرأ النوايا الإيرانية في الحال والاستقبال؛ فهي تقف -كما أشار الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية- مع المبادرات الدولية التي تحفظ أمن المنطقة، وتبعد شبح المواجهة عنها.
تدرك الإمارات جيدا أن إيران دولة لا تقيم وزنا لأي أعراف أو قوانين أممية، وأن الاعتداد بفكرة الاحترام المتبادل لجيرانها غير كائن في آليات تفكيرها، تلك التي لا تسير إلا مع منطق القوة الغاشمة فقط، ولهذا فإن أي استقرار دون قوة حق تسانده لن يوجد في المدى القريب والمتوسط على الأقل.
إذن ما معالم وملامح الخطة التي يجري التخطيط لها حتى لا نكون أمام أخطاء الماضي من جديد؟
أغلب الظن أن المشاورات التي جرت الأسبوع الماضي في مقر القيادة المركزية للجيش الأمريكي في مدينة "تامبا" بولاية فلوريدا الأمريكية، وشارك فيها قرابة ستين فردا من المدنيين والعسكريين، ومن الجنسيات المختلفة شرقا وغربا، قد ناقشت فكرة بناء قوة بحرية سيكون عمودها الفقري القوات البحرية الأمريكية والبريطانية والألمانية، وسترتكز مهمتها على تأمين ممرات الدخول والخروج للخليج بعرض 10 أميال بحرية، من أصل 30 ميلا هي عرض المضيق كله.
الخطة سوف تستفيد من إمكانات تكنولوجية لم تكن موجودة في ثمانينيات القرن المنصرم؛ إذ سيتم تزويد الناقلات بإشارات تعارف إلكترونية "جي.بي.إس" لإمكانية تحديد موقعها، وسيتم ربطها مع الأقمار الاصطناعية القادرة على التمييز الدقيق لكل ما يبحر في الخليج العربي طوال الوقت؛ ما يعني أن ظهور أي قطع تحرك بحري إيراني سوف يتم رصدها بسهولة فائقة، وسيكون هناك استعداد شامل لملاقاة أي عناصر عدائية تضمر الشر.
يكاد المراقب للشأن الأمريكي في الأيام الأخيرة أن يصل إلى قناعة مؤداها أن المهمة الأولى والاختبار المبكر الذي سيواجه وزير الدفاع الأمريكي الجديد "مارك إسبر" متعلقة بتطوير خطة ردع عسكري دولية لمواجهة استفزازات إيران في الخليج العربي، مرورا بمضيق هرمز وخليج عمان ووصولا إلى باب المندب.
وحسب تصريحات المتحدث باسم البنتاجون الأمريكي "شون روبرتسون" فإن نقطة الارتكاز الأساس التي ستبنى عليها هذه الخطة ستوفر عبورا آمنا للسفن التجارية والنفطية الأمريكية والدولية، من خلال تدابير المؤازرة والمرافقة، والتي ستؤمنها القطع البحرية التابعة للأسطول الخامس الأمريكي ومقره المنامة في البحرين.
تشغل تفكير المراقبين الآن آراء بعض الأطراف الأوروبية فيما يخص المهمة الأمريكية المشار إليها؛ فعلى سبيل المثال في حديث وزير المالية الألماني "أولاف شولتس" مؤخرا أشار إلى أنه متشكك للغاية بشأن طلب الولايات المتحدة من بلاده الانضمام إلى مهمة عسكرية في مضيق هرمز، وفي وقت سابق كان قد دعا إلى بذل جهود لمنع تصعيد التوتر في الخليج، مؤكدا أن "هدف كل الساسة المسؤولين لا بد أن يكون خفض التصعيد، وعدم الانزلاق إلى أزمة أكبر".
وهذا يدفع المراقب إلى تساؤل آخر حول موضوعية هذا الخطاب، وما الذي يرمي إليه حين يشاغب ويشاغل عقول سامعيه بالأحاديث المرجفة عن الأسوأ الذي لم يأتِ بعد؟ ونحن نعلم أن الألمان وأجهزة استخباراتهم بارعون جدا في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي، وعلاقات الألمان بإيران تكاد تكون المتميزة بين الملالي وبين الأوروبيين عامة.
باختصار غير مخل؛ أحاديث السيد "أولاف شولتس" لا تستقيم بحال من الأحوال مع حال ومآل الخطط الإيرانية، تلك التي لا تنفك تهدد أوروبا صباح مساء كل يوم، بالتحلل من المزيد من القيود النووية، ويكاد لسانهم يفصح عن مكنونات قلبهم الصاروخية التي تطول مدنهم.
الأمر الآخر هو أنه مع نهاية فصل الصيف، ودخول فصلي الخريف والشتاء؛ فإن أي ارتفاع في أسعار النفط من جراء تهديد حركة الملاحة سيجعل العواصم الأوروبية تستصرخ الحماية الملحة والعاجلة لناقلاتها؛ حيث سيضحى اقتصادها مهددا بالمزيد من التضخم والركود، وهو ما لن تقوى عليه، وعليه فإن المهمة العاجلة ستجد طريقها إلى هرمز قريبا جدا؛ الأمر الذي يبين حكمة الرؤية الإماراتية التي تقف إلى جانب المبادرات التي تحفظ أمن المنطقة وتبعد شبح المواجهة عنها.
وبالعودة إلى تعبير "الصراع الأكبر" للسيد "أولاف" يجد المدقق نفسه أمام خطط إيران، وما اصطلح على تسميته "الهروب الاستراتيجي"، والذي لمحت إليه مرارا في الأسبوعين الأخيرين، ومنها ما أورده الرئيس الإيراني حسن روحاني من أن وجود قوات أجنبية في منطقة الخليج لن يُسهم في أمن المنطقة، بل سيكون السبب الرئيسي في التوتر.
أما علي ربيعي، المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، فقد مشى خطوة أبعد بالإشارة إلى أن مثل تلك الخطط ستضحى بمثابة عمل استفزازي، فهل لدى الإيرانيين خطط عسكرية للرد على تحالف دولي مسلح على هذا النحو؟
الجزئية التي لا تغيب عن أذهان الإيرانيين أن أوروبا وأمريكا لن تسمحا بارتفاع جنوني في أسعار النفط تفيد بشكل غير مباشر روسيا والقيصر بوتين؛ ما يجعله يضرب عرض الحائط بالعقوبات المفروضة على موسكو من واشنطن وبروكسل.
الخلاصة.. إيران في مأزق، وشبح "براينغ مانتيس 2" يحوم من حولها، وهي العملية العسكرية التي شنها الأسطول الأمريكي على مشارف نهاية الحرب العراقية الإيرانية وهلك فيها نصف الأسطول الإيراني، فانظر ماذا ترى؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة