بعيداً عن الصخب وكل ما يصاحب المؤتمرات الجامعة، تنشط الإمارات في نشر رسالتها السامية، التي بذرها الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه.
إذ يأتي انعقاد المؤتمر الأفريقي لتعزيز السلم في العاصمة الموريتانية، نواكشوط، في الطرف الأقصى من الغرب العربي الأفريقي، في ظل حوادث العنف وتوسع عمليات الإرهاب في القارة المنسيّة.
وتسعى الإمارات عبر دعمها لهكذا مؤتمرات لتفكيك خطاب الكراهية والتطرف، في ظل تصاعد وتيرة العنف في القارة الأفريقية، إذ سعى المؤتمر إلى إبراز النماذج الملهمة في تعزيز قيم السلم والتسامح والتعايش في التراث الأفريقي بمحاولة جادة لاستشراف مستقبل القارة، من أجل وضع مقاربات يمكن تجسيدها على أرض الواقع، لمعالجة الهشاشة والفقر والجهل والبطالة ومختلف عوامل البيئة الحاضنة للتطرف، وإشكالية الهجرة غير الشرعية، وإطلاق مبادرات ميدانية للحوارات والمصالحات الوطنية.
إن مهمة إعادة الاعتبار لفكر التسامح الديني، والتعايش السلمي بين الأفراد والشعوب باستلهام المبادئ الإنسانية العالمية، وقيم القارة الأفريقية، هي الهدف الحقيقي لهكذا جهد يُبذل عبر أنشطة متصلة نشأت من عاصمة السلام، أبوظبي، إلى العالم أجمع، وإن كان العلامة الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، قال في سياق توصيفه الدقيق "إن سبب بعض النزاعات التي تحدث في القارة الأفريقية هو التباس في فهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطاعة ولي الأمر"، فمن هذا الاستقراء الجلي يمكن استيعاب ما تحصده المجتمعات الأفريقية من ظواهر الفقر والفساد.
تحتاج المنطقة إلى هكذا مؤتمرات جامعة تبحث بجدية تحقيق المستهدفات الأساسية لمواجهة آفة الإرهاب بمسؤولية ووضع استشراف عملي أمام صنّاع القرار السياسي.. إنها استراتيجية الإمارات بتوسيع دائرة الدعوة للسلام ونبذ خطاب الكراهية، والتي تعتمد بقوة على تفكيك مصدر ذلك الخطاب المتطرف بمواجهته المباشرة عبر كل الأدوات، بداية من المواجهة الفكرية، مروراً بمواجهة الخطاب المتشدد بالمشاركة الفاعلة في الجهد الدولي، حتى الانخراط بمسؤولية في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، والذي نجح في ضرب تنظيم "داعش" الإرهابي بمعاقله في العراق وسوريا.
إن الأمن الفكري يتطلب جهداً تكاملياً من مختلف القوى السياسية والدعوية، وحتى الاقتصادية، فالمجتمعات الغارقة في الفشل الاقتصادي تعد بيئاتٍ باعثة للتطرف وخطاب الكراهية، وهي الحواضن التي تتطلب تعاملاً جاداً وفاعلاً لمساعدتها، ولعل القارة الأفريقية هي واحدة من أكثر مناطق العالم معاناة، خاصة أن تراجع الدور الدولي في مكافحة الإرهاب أضاف للنمطية التقليدية، التي يجب تطويرها بظهور "متحورات" من التنظيمات والجماعات المتشددة.
الإمارات تلتزم بمسؤولياتها في توسيع السلام والتعايش والتسامح ضمن استراتيجية ومنهجية تؤكد مدى الإيمان الوطني بهذه المبادئ والقيم السامية الواجب بعثها للشعوب حول العالم.. هذه رسالة ملهمة من وطن مُلهم يثابر لبذل كل ما يمكن لتحقيق السلام ونقل التنافس بين دول العالم لتنافس اقتصادي يعتمد على العلوم الإنسانية، فالإنسان بالنسبة لدولة الإمارات هو الذي يستحق الحياة.. فهذه رؤية وطن يسابق نفسه ويعمل على نشر ثقافته المتسامحة حول العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة