حين طرحت الإمارات مفهوم التسامح كانت ثابتة في طرحها لا تلين أمام الملمات، ولا ترضخ للنزوات ولا تستطيرها نعماء ولا تؤثر عليها بأساء.
إذ عُرف عن دولة الإمارات أنها ترتاد المستحيل، تتحدى الصعاب وتتجاوز المهالك ولا تعبأ بالعوائق، وتحاور بمصداقية وتفاوض بعقلانية وتلتقي مع الآخر لمصلحة البشرية وإرساء أسس الأمن والسلام العالميين، وبحكمة قيادتها تنظر إلى الأمور برويّة وعلمية، وهي الثابتة على صخرة لا تميد.
لقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع، بناء على مبادرة قدمتها الإمارات، الرابع من فبراير/شباط يوماً عالمياً للأخوة الإنسانية، وجاء القرار الأممي تقديراً للخطوة التاريخية التي أقدمت عليها الإمارات عام 2019م.
وبجهود دولة الإمارات الإنسانية جرى احتضان توقيع وثيقة "الأخوة الإنسانية" التاريخية، التي وقّعها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بالإمارات، الذي لم يدخر جهداً كي تظهر هذه الوثيقة إلى العالم بمبادئها السامية، التي تمهد الطريق نحو عالم أفضل.
وانطلاقاً من أهمية الوثيقة الإنسانية، لا بد من إلانة القلوب واستحباب العفو والمسامحة لتزول الأحقاد وكل ما يغيظها، وتلك حال الدول، التي تتطلع على الدوام إلى بارقة أمل تبث فيها معاني الحياة.
وانسجاماً مع أداء الإمارات الواسع في بسط السلام العالمي، تسلّم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، جائزة "رجل الدولة الباحث" لدوره في نشر السلام والتسامح بالعالم، حيث قدم "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" الجائزة العالمية لسموّه في حفل أقيم بعاصمة دولة الإمارات، لقيادته جهود السلام العالمية ونشر التسامح.
وقال المدير التنفيذي للمعهد، روبرت ساتلوف، في كلمة بهذه المناسبة، إن "جائزة رجل الدولة الباحث تُمنح للقادة والشخصيات العامة الذين تستند إنجازاتهم إلى المثل العليا، ويتمتعون بالحنكة السياسية، ويقدرون على نقل شعوبهم وبلدانهم إلى المكانة التي يستحقونها، ومن لديهم فهم عميق للعالم من حولهم".
وفي هذا السياق، لا يُعدّ "بيت العائلة الإبراهيمية"، الذي يضم كنيسة ومسجداً وكنيساً تحت سقف صرح واحد، مجرد مكانٍ للتعبد فحسب، بل هو منارة للتفاهم المتبادل والتعايش بين أبناء الديانات، ووجهة للتعلم والحوار والتعارف، وواحة تجمع الأخوة في الإنسانية نحو مستقبل يسوده السلام والوئام والمحبة، ومن المقرر افتتاح البيت في جزيرة "السعديات" بالعاصمة الإماراتية منتصف عام 2022م، ليشكل مركزا واسعاً لنشر التسامح والتعايش المشترك ونشر قيم السلام.
واستكمالا لجهودها في تعزيز قيم ومفاهيم الأخوة الإنسانية والسلام بين الشعوب، ومحاولات تقريب وجهات النظر بين الفرقاء، ونشر معاني الأخوة الإنسانية، كانت دولة الإمارات دائماً صاحبة المبادرات الخلاقة لإيقاف الصراعات بين الدول إقليمياً ودولياً، وتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية، وكانت قيمة الأخوة حاضرة بقوة في جهودها لنشر ثقافة التسامح والسلام في العالم، ونزع فتيل عدد من الأزمات والتخفيف من حدتها، وإخماد الفتن وإطفاء النزاعات، كما كانت على الدوام ساعية إلى المصالحات، بحثاً عن السلام العالمي وحقن الدماء وحفظاً للإنسان وصوناً لكرامته إقليمياً وعالمياً.
فمثلا رعت الإمارات عقد اتفاق سلام بين الحكومة السودانية وعدد من الحركات، لحل عقود من الصراعات والاقتتال في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، حيث وجدت الأطراف المتنازعة في الإمارات أملاً في إصلاح ذات البين وحلحلة النزاعات لنزاهتها وحسن نيّتها، فالسلام والتعايش سمة من السمات البارزة لسياسة دولة الإمارات، التي لم تألُ جهداً في تأييد ودعم أي مبادرة سلام تسهم في حقن الدماء وإشاعة ثقافة التسامح والحوار والتعايش بين الشعوب.. وكذا إنهاء الخلاف بين إثيوبيا وإرتيريا، ومتابعة خطوات المصالحة لإرساء علاقات استقرار في المنطقة واحترام حسن الجوار.
وإذا كانت دولة الإمارات حريصة على استراتيجية التنمية في رأس المال البشري، وفي نشدان السلام العالمي، فإن القيادة الإماراتية لا تتساهل في حالة تعرض مواطنيها والمقيمين على أرضها وأمنها إلى أي مخاطر أو تعديات من العابثين بأمن المنطقة، لذلك فإن الاعتداء الإرهابي العدواني الحوثي على منشآتها المدنية والمدنيين لم يمر دون عقاب، باعتباره انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، ليكون الرد الإماراتي وقتها حاسماً، وتتلقى المليشيات الحوثية -ذات التبعية للنظام الإيراني- ضربات موجعة في الميدان.
بالمقابل، فإن القيادة الإماراتية خلال السنوات المنصرمة ظلت مستمرة في دعمها الشعب اليمني ولم تتخلّ عن مؤازرته، وحرصاً منها على تخفيف معاناته جرّاء ما تتبعه المليشيات الحوثية من عمليات همجية وتدميرية بحق أبناء اليمن، فإن الإمارات على الدوام تسهم في تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية لليمنيين، إضافة إلى إقامة المشاريع التنموية، التي كان لها أكبر الأثر في تخفيف معاناة اليمنيين، خاصة في قطاع البنية التحتية ودعم مشاريع إعادة الإعمار وتطوير واستحداث مشاريع البنى التحتية الأساسية في اليمن، التي تدمرت بفعل ممارسات الحوثي الإرهابية.
وأعطت الإمارات أولوية كبيرة ودعماً مشهوداً لإعادة الإعمار، ما أحدث ارتياحاً لدى الشعب اليمني ضمن عملية إعادة الأمل للمناطق المحررة من أرضه من الانقلاب الحوثي، مقدمة دعماً سخياً لمشاريع تأهيل قطاع البنية التحتية الأساسية، التي شملت إمدادات التيار الكهربائي ومياه الشرب والصرف الصحي وغيرها من المرافق الخدمية المتنوعة.
والمبتغى مما تذهب إليه دولة الإمارات في سياستها الإنسانية هو إحكام القيم داخل المجتمعات البشرية، والأفكار المبدعة والخلاقة لترتقي بأهميتها ونجاحاتها، وتفرز نتائج باهرة لخدمة الإنسانية بقيمها السَّمحة ومقاصدها العميقة، ما يفيد تطلعات وطموحات سائر المجتمعات البشرية وصولاً إلى عالم أفضل تسوده المحبة والوئام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة