تمكين الإنسان.. كيف تستثمر الإمارات في رأس المال البشري؟
تأتي الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021 على رأس المجهودات لتمكين المواطن وتوفير بيئة تنصهر في بوتقتها مختلف فئات المجتمع.
يتجلَّى لمن يتابع التحركُّات الإماراتية الدؤوبة في مجال التنمية البشرية إدراك القيادة السياسية أنَّ الإنسان هو الذي يقود قاطرة التنمية المستدامة، فهو جوهر التنمية وغايتها، وأنَّ الاستثمار الأمثل والمستدام يكمن في الاستثمار في رأس المال البشري.
وتأتي الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021 على رأس المجهودات الإماراتية لتمكين المواطن وتوفير بيئة تنصهر في بوتقتها مختلف فئات المجتمع، كما تطمح الأجندة الوطنية لأنْ تكون دولة الإمارات من أفضل دول العالم في مؤشر التنمية البشرية وأكثرها سعادة، وكلها أهداف تعزِّز من انتماء الفرد لدولته وفخره بهذا الانتماء.
- محمد بن زايد بمناسبة اليوم الوطني الــ48 للإمارات: وحدتنا حماية لدولتنا
- الإمارات تحتفل بيومها الوطني بتفوق اقتصادي دولي غير مسبوق
"مجتمع متلاحم" أبرز مرتكزات رؤية الإمارات 2021
الأسرة هي نواة المجتمع، ولذلك أولت الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021 قدرًا كبيرًا من الاهتمام لتوطئة الروابط الأسرية باعتبارها أساسا لمجتمع متلاحم والبيئة التي تفرز إنسانًا سويَّا متوازنًا يقود قاطرة التنمية؛ ولذا فإنَّ المطلع على الأجندة الوطنية، يتبين أنَّ بناء مجتمع متلاحم محافظ على هويته يُعَد أحد المرتكزات الستة للأجندة.
كما وضعت الإمارات مؤشرًا لقياس عمق الروابط الاجتماعية بين أفراد الأسرة. وهو الحصيلة النهائية لاختبار وقياس مجموعة من المؤشرات الفرعية لعل أبرزها العلاقات بين الوالديْن، وعلاقات أولياء الأمور مع الأبناء، والعلاقات بين الأطفال، والعلاقات مع العائلات الكبيرة، وقد بلغ المؤشر في عام 2013 نسبة 86.4%، وتستهدف دولة الإمارات تحقيق نسبة 100% بحلول عام 2021.
وبالإضافة إلى مؤشر قياس الترابط الأسري، فإنَّ الإمارات قد دشَّنت العديد من الحملات التي تبتغي تثقيف ورفع الوعي لدى الأسر بأهمية ترسيخ الروابط الاجتماعية بين أفرادها وتربية النشء على العادات والتقاليد الإماراتية وأهمية هذا الأمر في بناء اللُحمة المجتمعية والحفاظ على الهوية الوطنية للدولة، كان من أهمها الحملة الوطنية "أسرتنا متماسكة 2021".
وتُعْد هذه الحملة ركيزة أساسية للبرنامج الوطني للاتصال الحكومي الذي انبثق عن الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021، وتتضمَّن مجموعة من الفعاليات والنشاطات التوعوية أهمها مبادرة "التعهد الأسري الإلكتروني"، والتي تستهدف تشجيع مواطني الدولة على توقيع "التعهُّد الأسري" من خلال الموقع الإلكتروني في لفتة إنسانية ترمي إلى تعظيم إدراك المواطن لحقوقه الأسرية ومسؤولياته تجاه أفراد أسرته، ومن ثم تعزيز الروابط بين أفراد الأسرة الواحدة.
وثمة مبادرات متنوعة في هذا المضمار أطلقتها وزارة تنمية المجتمع أبرزها مبادرة "تآلف" للاستشارات الأسرية، والتي تتيح لمواطني الدولة مجموعة من القنوات التي يمكن من خلالها تقديم استشارة أسرية لهم على نحو يتسم بالسرية والخصوصية بما يتيح التعاطي مع المشكلات الأسرية في مناخ صحي وسليم، كما أنَّ هناك مبادرة "كوَّن أسرة إماراتية"، وهدفها تقديم سبُل الدعم المستمر والشامل للشباب المقبلين على الزواج، وتتكفَّل بتغطية تكاليف الأعراس للشباب غير القادرين بالتعاون مع شركات تنظيم الحفلات التابعة لمؤسسة الشيخ خليفة بن زايد للأعمال الإنسانية.
تمكين الفئات المهمَّشة والضعيفة
ويندرج تحت هذه الفئات كلٌ من الشباب والمرأة والطفل وكبار السن وذوي الإعاقة (أصحاب الهمم)، وهي الفئات التي يُنْظر إليها في كثير من المجتمعات باعتبارها الحلقات الأضعف في البنية المجتمعية، وبالتالي يجري تهميش دورها لغياب إدراك حقيقة الدور المؤثر الذي تضطلع به في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. في المقابل، أولت الإمارات اهتمامًا بالغًا لتمكين هذه الفئات باعتبار أنَّ إحاطتها بالرعاية وتفعيل مشاركتها الإيجابية في مختلف قطاعات الدولة أساس الاستثمار في رأس المال البشري، وسنسلِّط الضوء في الأسطر القليلة القادمة على فئات 3 منها على النحو التالي:
بالنسبة للشباب، طالب نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في فبراير/شباط عام 2016 في تغريدة له عبر تويتر الجامعات بترشيح شباب وشابات لاختيار وزير شاب، وتم اختيار "شما المزروعي" البالغة من العمر 22 عامًا وزيرة دولة لشؤون الشباب؛ لتكون بذلك أصغر من يتولى حقبة وزارية على مستوى العالم.
وفي العام ذاته، اعتمد مجلس الوزراء إنشاء مجلس الإمارات للشباب، برئاسة "شما المزروعي"، لتمثيل تطلُّعات وقضايا الشباب لدى الحكومة ويضم نخبة من الشباب والشابات والبالغ عددهم 13 ليكونوا مستشارين للحكومة في قضايا الشباب. ويختص المجلس بصياغة استراتيجية للشباب، وإعداد دراسات حول دور الشباب في تنمية المجتمع وإتاحة جميع القنوات أمام الشباب للاستماع لآرائهم والتحديات التي يواجهونها من أجل تعاطي فاعل مع تلك التحديات، بالإضافة إلى ذلك، تحرص الإمارات على توفير منح دراسية للشباب تتيح لهم الالتحاق بإحدى الكليات أو الجامعات الخاصة حسبما تحدده وزارة التعليم، سواء داخل دولة الإمارات أو في الخارج.
أما فيما يتعلق بتمكين المرأة، أطلقت الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية "أم الإمارات"، الاستراتيجية الوطنية لتمكين وريادة المرأة في دولة الإمارات العربية المتحدة 2015-2021، وهذه الاستراتيجية توفِّر إطار عمل للقطاع الحكومي والخاص، ومؤسسات المجتمع المدني لوضع خطط وبرامج عمل، تسهم في جعل دولة الإمارات في مصاف الدول الأكثر تقدمًا في مجال تمكين المرأة وريادتها، وكانت أبرز ما نصَّت عليه الاستراتيجية إيجاد إطار تشريعي ومؤسسي داعم للمرأة يواكب أفضل الممارسات والسياسات في مجال تمكين المرأة، فضلًا عن اعتماد استراتيجيات سليمة وفعَّالة لتقليل الهُّوة بين الجنسين وتمكين المرأة في مختلف قطاعات الدولة.
وبالنسبة للمشاركة النسائية في السلطة التنفيذية، فإنَّ مجلس الوزراء يضم نحو 9 نساء من إجمالي 32 وزيرًا، أي ما يعادل 27% من إجمالي المجلس، وأُسْندت المناصب الوزارية المستحدثة إلى النساء كالتسامح والسعادة والشباب. أما فيما يخص توزيع وظائف القطاع العام تبعًا للجندر (النوع)، تمثِّل المرأة 46.6% من إجمالي القوى العاملة، وتشغل 66% من وظائف القطاع العام، 30% منها في مراكز صنع القرار، و15% في الأدوار التقنية والأكاديمية.
وفيما يخص أصحاب الهمم، فقد شهد عام 2019 أبرز المنجزات الإماراتية في مجال تمكين أصحاب الهمم؛ إذ انعقدت "خلوة الهمم" في مارس/آذار 2019 تزامنًا مع استضافة الإمارات لأولمبياد الخاص الألعاب. وجاءت أبرز مخرجات الخلوة على شاكلة اعتماد ما يربو على الـ31 مبادرة وبرنامج وطني تدعم مستقبل أصحاب الهمم بتعزيز كفاءتهم في مجالات عدة لعل من بينها الرياضة، وجودة الحياة، والصحة، والثقافة، والإعلام.
فضلًا عن حزمة المبادرات التي أطلقتها خلوة الهمم، أعلنت وزارة تنمية المجتمع مبادرة دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، وذلك بإصدار بطاقة "أثير" التي يتمتَّع حاملها بمجموعة من الخدمات والامتيازات في مجالات الصحة والإسكان. فعلى سبيل المثال، يُعفى حامل البطاقة من الرسوم على الخدمات المتعلقة بالسيارة كما تعمل مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم كمظلة ينضوي تحتها جميع مراكز ومؤسسات دور الرعاية الإنسانية والخدمات الاجتماعية لأصحاب الهمم بهدف تنسيق الجهود بين هذه المؤسسات في سبيل تقديم خدمات أفضل تعزِّز دمج أصحاب الهمم في المجتمع.
الاستراتيجية الوطنية للابتكار
إمعانًا في تعزيز أداء دولة الإمارات في مجال التنمية البشرية، أطلق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في أكتوبر/تشرين الأول 2014 الاستراتيجية الوطنية للابتكار مستهدفةً جعل الإمارات في مصاف الدول الأكثر ابتكارًا على مستوى العالم خلال السنوات الـ7 الأكثر المقبلة في 7 قطاعات وطنية من شأنها تحسين جودة حياة الأفراد ومستوى الرفاه الاجتماعي لديهم ألا وهي الطاقة المتجددة والنقل والصحة والتعليم والتكنولوجيا والمياه والفضاء.
وتتضمن المرحلة الأولى 30 مبادرة وطنية للتنفيذ خلال السنوات الـ3 المقبلة، وتشمل مجموعة من التشريعات الجديدة، دعم حاضنات الابتكار، وبناء القدرات الوطنية المتخصصة، ومجموعة محفزات للقطاع الخاص، وبناء الشراكات العالمية البحثية، تغيير منظومة العمل الحكومي لتكون أكثر ابتكارًا. وفيما يتعلق بأهم الخدمات التي يحتاجها أي إنسان من أجل حياة أفضل وهي الرعاية الصحية والتعليم، فقد خصَّصت الإمارات أكثر من 50% من الميزانية الاتحادية لعام 2019 للإنفاق على التعليم بمخصص يصل إلى 10.25 مليار درهم، وبالنسبة للرعاية الصحية، فقد تم تخصيص 4.40 مليار درهم للإنفاق على قطاع الصحة.
وختامًا، فإنَّ الجهود المبذولة التي تدور جميعها في فلك تنمية الإنسان، باعتباره الثروة الأهم للدولة، قد آتت أُكلها في تحقيق الإمارات المرتبة الأولى عربيًا والـ34 عالميًا في تقرير التنمية البشرية لعام 2018 الصادر عن الأمم المتحدة متقدمة بثمانية مراكز عن تصنيف عام 2017.
وهذا التقدُّم المحرز جاء انعكاسًا لمجموعة متنوعة من المبادرات والاستراتيجيات والتشريعات التي استهدفت بلوغ أعلى معدلات النمو والتطوُّر في مجالات التعليم والصحة وجودة الحياة، على رأسها رؤية الإمارات 2021 التي لا ترمي إلى تحقيق التنمية فحسب، وإنما استدامة تلك التنمية في المجالات قاطبةً.
واستطاعت الإمارات أيضًا أنْ تحافظ على المركز الأولى عربيًا للعام الرابع على التوالي، والمركز الـ20 على مستوى العالم، أي متقدمة بمركز واحد مقارنةً بعام 2017 وفقًا لنتائج تقرير السعادة العالمي لعام 2018. وكل هذه المؤشرات تدلِّل بما لا يدع للشك مجالًا على أنْ الإمارات تسير بخطى ثابتة على طريق الاستثمار في رأس المال البشري.