في مثل هذه الأيام منذ 48 سنة، وتحديدا في يوم 2 ديسمبر 1971، تم الإعلان الرسمي عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وارتفع علم الدولة الجديدة لأول مرة.
في مثل هذه الأيام من 48 سنة، وتحديدا في يوم 2 ديسمبر 1971، تم الإعلان الرسمي عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وارتفع علم الدولة الجديدة لأول مرة. ولاقى هذا الإعلان تأييدا واسعا عربيا وعالميا، وسرعان ما انضمت هذه الدولة الجديدة إلى جامعة الدول العربية يوم 6 ديسمبر من العام نفسه، ثم إلى الأمم المتحدة بعد ذلك بثلاثة أيام. لم يكن الإعلان عن قيام دولة الإمارات بالأمر المفاجئ، بل سبقه مقدمات واستعدادات. واستند إلى قواعد وأسس تتمثل في التاريخ المشترك، والجوار الجغرافي، والتقارب بين أنماط الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. لقد جاء هذا الإعلان تصحيحا لأوضاع التجزئة القائمة وعودة بالأمور إلى وضعها الطبيعي.
رغم هذه التحديات فقد استطاعت دولة الإمارات أن تتعامل معها، واستمرت باعتبارها التجربة الاتحادية العربية التي استمرت لنصف قرن، في حين أن كل المحاولات الأخرى باءت بالفشل أو ظلت حبرا على ورق، ولم يقدر لها التنفيذ.
وللدلالة على ذلك، أشير إلى أنه في القرن الثامن عشر، ظهر اتحادان كبيران بين القبائل في المنطقة التي تقوم عليها دولة الإمارات الآن هما: اتحاد القواسم في الشمال، واتحاد بني ياس في الجنوب. وكان كل منهما يجمع بين عدد كبير من القبائل والعشائر التي ربطتها المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة وسلمت لهما إدارة أمورهم، وقبلت بالولاء لقيادة واحدة. وكان هذان الاتحادان تعبيرا عن اتجاه رؤساء القبائل إلى الترابط والتعاون فيما بينهم، وتقاسم هذان الاتحادان السيطرة السياسية وممارسة السلطة، كلٌّ في مجاله الجغرافي. وإن كان اتحاد القواسم قد تميز بأسطوله وقوته البحرية، فإن اتحاد بني ياس اتسم بمحاربيه وقوته البرية.
وكان من الممكن لهذين الاتحاديين أن تتوطد أركانهما ولكن ذلك لم يحدث بسبب التنافس بين القوى الكبرى في الخليج والتدخل البريطاني لفرض معاهدات حماية مع كيانات قبلية وجغرافية أصغر. مثل معاهدة الصلح العامة عام 1820 التي وقعها حكام شيوخ رأس الخيمة وأبوظبي وأم القيوين وعجمان، ومعاهدة السلام البحري الدائم عام 1853 والتي أعقبها تسمية المنطقة بإمارات الساحل المتهادن أو المتصالح، والمعاهدات المانعة عام 1892 والتي بمقتضاها قامت السلطات البريطانية بإدارة العلاقات الخارجية لهذه الإمارات. وكان من شأن هذه الالتزامات دعم الكيانات القبلية، وتكريس الانفصال بين بعضها والبعض الآخر.
وفي حقبتي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، نجد أن منطقة الخليج لم تكن منعزلة عن التطورات التي شهدتها المنطقة العربية وصعود حركة القومية العربية والدعوة إلى التحرر من الاستعمار الأجنبي "من المحيط إلى الخليج"، وذلك حسب الشعار الذي تردد وقتذاك. في هذا الإطار، شهدت الإمارات عددا من التطورات كان منها: في عام 1964 زيارة وفد من جامعة الدول العربية برئاسة الأستاذ سيد نوفل الأمين العام المساعد للجامعة للاطلاع على شؤونها، وظهور النفط في إمارة أبوظبي، وتبلور الاتجاهات الوحدوية لشيخها الشيخ زايد، وانتشار التعليم وعودة الرعيل الأول من الشباب الذين اتموا دراستهم بإحدى الجامعات العربية، وأدى ذلك إلى بروز دور مجموعة قليلة العدد ولكنها كبيرة التأثير. من هذه التطورات أيضا، إعلان الحكومة البريطانية في عام 1967 سياسة "شرق السويس" وقرارها بالانسحاب من منطقة الخليج قبل نهاية عام 1971، ومنح الاستقلال للإمارات التي ارتبطت معها بمعاهدات صداقة وحماية.
نشطت الدعوة إلى الاتحاد وتحركت في مساريين: أولهما، مستوى الإمارات السبع التي تتشكل منها دولة الإمارات الآن، إضافة إلى قطر والبحرين وهو ما سمي بالاتحاد التساعي. والمسار الثاني، هو مسار الإمارات السبع فقط.
على المسار الأول، انعقد اجتماع لشيوخ الإمارات التسع في دبي في فبراير 1968 الذي انتهى بإعلان قيام اتحاد بينها تحت اسم" اتحاد الإمارات العربية" وتم التوقيع على وثيقة تأسيس هذا الاتحاد، وورد في ديباجتها أنه جاء "استجابة لرغبة شعوب المنطقة في تحقيق أسباب الاستقرار في بلادها، وتحقيق الدفاع الجماعي عن كيانها وصيانة أمنها وسلامتها"، وذلك وفقا لمبادئ ميثاقي الأمم المتحدة والجامعة العربية.
ويبدو أن الإعلان عن هذا الاتحاد جاء متسرعا، لذلك ظهرت الخلافات في أول اجتماع للمجلس الأعلى لحكام دولة الاتحاد الذي انعقد في أبوظبي في مايو من العام نفسه، ولم يتم الاتفاق على رئيس الاتحاد أو عاصمته. وبناء على وساطة كويتية، انعقد اجتماع ثالث لحكام الإمارات في شهر يوليو بإمارة ابوظبي، وتقرر فيه إنشاء مجلس اتحادي مؤقت، وتشكيل لجنة من الخبراء القانونيين لصياغة دستور مؤقت للاتحاد، كان من أبرزهم الفقيه الدستوري المصري الدكتور وحيد رأفت. ولكن ذلك لم يحسم الأمور، فقد استمرت الخلافات فقررت كل من قطر والبحرين الابتعاد عن هذا المسار وأعلنت الأولى استقلالها في سبتمبر 1971، وتلتها البحرين في ديسمبر من العام نفسه.
على المسار الثاني، تشكلت في عام 1965 لجنة برئاسة الشيخ صقر القاسمي حاكم رأس الخيمة لإعداد مشروع دستور يكون نواة لاتحاد الإمارات، ولكن اللجنة لم تحقق الهدف المطلوب. لم يكن ذلك نهاية الفكرة بل استمرت الاتصالات والمشاورات بين إمارتي أبوظبي ودبي. وفي أعقاب المباحثات التي تمت بين الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في منطقة عرقوب السديرة بالقرب من السميح على طريق دبي-أبوظبي، تم الإعلان في فبراير سنة 1968 عن قيام اتحاد بين الإمارتين، ودعوة الطرفين إلى إنشاء اتحاد أوسع يضم الإمارات التسع، وهو المسار الذى لم يكلل بالنجاح كما أشرت.
استمرت المشاورات على مستوى حكام الإمارات السبع ومستشاريهم، وفي يوليو 1971 اجتمع حكام الإمارات -فيما عدا حاكم رأس الخيمة- وأعلنوا الاتفاق على إنشاء اتحاد فيما بينهم باسم "دولة الإمارات العربية المتحدة"، ووافقوا أيضا على الدستور المؤقت للدولة، على أن يتم الإعلان الرسمي عن قيام الدولة وبدء العمل بالدستور في اليوم الثاني من ديسمبر من العام نفسه.
في الأول من ديسمبر تم الإعلان عن إنهاء كل معاهدات الحماية بين الحكومة البريطانية والإمارات. وفي اليوم التالي. تم إعلان قيام الدولة ثم اجتمع حكام الإمارات باعتبارهم أعضاء في المجلس الأعلى للاتحاد، وتم انتخاب الشيخ زايد رئيسا للدولة والشيخ راشد نائبا له.. وجدير بالذكر أنه سرعان ما انضمت رأس الخيمة إلى ركب الاتحاد في فبراير 1972.
لم يكن مولد دولة الإمارات طريقا مفروشا بالورود، بل واجهتها تحديات جمة خارجية وداخلية. كان أبرزها أنه قبل يومين من إعلان قيام الدولة قامت إيران بإرسال قواتها واحتلال ثلاث جزر تابعة للإمارات هي طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى. ويلاحظ هنا أن هذا الاحتلال تم في الوقت الذي كانت بريطانيا تدير فيه العلاقات الخارجية للإمارات، وتتولى مسؤولية الدفاع عنها. وإلى جانب ذلك، كانت هناك تحديات داخلية صعبة منها عملية نقل السلطة والاختصاصات من بريطانيا إلى الدولة الجديدة، ومنها بناء المؤسسات الاتحادية للدولة وإصدار القوانين واللوائح المنظمة لعملها، واختيار الكفاءات والعناصر اللازمة لإدارتها.
ورغم هذه التحديات، فقد استطاعت دولة الإمارات أن تتعامل معها، واستمرت باعتبارها التجربة الاتحادية العربية التي استمرت لنصف قرن، في حين أن كل المحاولات الأخرى باءت بالفشل أو ظلت حبرا على ورق ولم يقدر لها التنفيذ.. تحية إلى الرجال الذين تجاوزوا هذه الصعاب، وحققوا استمرار دولة الإمارات العربية المتحدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة