وافق يوم الثاني من ديسمبر الذكرى الحادية والخمسين لتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة،
بعد أن اتفق في 18 فبراير 1968، كل من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي، على تشكيل وحدة بين الإمارتين، ووجها بعدها دعوة إلى تشكيل اتحاد يشمل بقية الإمارات الخمس، لقيت استجابة من حكامها لتظهر للوجود دولة الإمارات العربية المتحدة على يد هؤلاء الآباء المؤسسين، لتصبح التجربة الوحيدة في العالم العربي لإقامة دولة موحدة التي نجحت واستمرت وازدهرت خلال نصف القرن الأخير.
وقبل تأسيس دولة الإمارات ولنحو نصف القرن تقريباً، لم تنجح محاولة عربية واحدة لتأسيس دولة موحدة واصلت الاستمرار والازدهار حتى اليوم، سوى قيام المملكة العربية السعودية في 23 سبتمبر 1932 بعد توحيد وزوال عدد من الممالك والإمارات والمشيَخات التي كانت قائمة في أرجاء مختلفة من الجزيرة العربية، على يد الملك عبد العزيز آل سعود.
وقد عرف نصف القرن المنصرم منذ تأسيس دولة الإمارات عدة محاولات عربية لتأسيس كيانات موحدة، بائت جميعها بالفشل ولم يبق منها أثر واحد حتى اليوم. ففي 27 ديسمبر 1969 وقع رؤساء مصر وليبيا والسودان، ميثاقاً للتحالف بين الجمهوريات الثلاث. وبعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر في سبتمبر 1970، خرج السودان من التحالف، وانضمت إليه سوريا ليتشكل اتحاد بين الجمهوريات الثلاث، تحت اسم "اتحاد الجمهوريات العربية"، بمقتضاه تنضوي دوله تحت دستور واحد وعلم واحد، وهو ما تمت الموافقة عليه في استفتاءات جرت في الدول الثلاث في سبتمبر 1971. إلا أن الاتحاد انحل عملياً بعد حرب أكتوبر 1973 لعديد من الأسباب، ومعه اتفاق وحدة اندماجية بين مصر وليبيا تم عقده قبل مرور عام واحد على الاتحاد الثلاثي، وانهار الاثنان معاً في وقت واحد تقريباً.
وبعد نحو عام (1974)، اتفق الرئيسان التونسي والليبي على تأسيس ما سمي "الجمهورية العربية الإسلامية"، ولكن بعد الإعلان عن الاتفاق بيوم واحد، تراجع عنه الرئيس التونسي. وفي أكتوبر 1978 قررت قيادتا حزب البعث الحاكم في سوريا والعراق، تشكيل هيئة عليا يقودها رئيسا البلدين، وسرعان ما انهار الاتفاق بسبب الخلافات بين الطرفين على أطر التوحيد. وبعد فشل هذه المحاولة، أعلن في سبتمبر 1980عن قيام وحدة اندماجية بين سوريا وليبيا، سرعان أيضاً ما اختفت بدون إعلان الأسباب. وفي أغسطس 1984 وقع ملك المغرب مع الرئيس الليبي معاهدة لإنشاء "الاتحاد العربي الإفريقي"، وهو ما تطور إلى تأسيس "اتحاد المغرب العربي" في فبراير عام 1989، بين ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، ولا يزال الاتحاد قائماً حتى اليوم دون أن يتطور إلى دولة اتحادية، ويهدف إلى التنسيق والتعاون بين دوله المستقلة والتعاون في مختلف المجالات.
وكانت آخر محاولات التوحيد العربي ما تم في اليمن عام 1990، حيث أعلنت الوحدة رسمياً بين إقليميه الشمالي والجنوبي برئيس واحد ومؤسسات دولة موحدة، إلا أنه بعد أربعة أعوام فقط راحت أسس هذه الدولة تترنح بفعل الصراعات المسلحة بين قوى مختلفة موجودة بداخلها، وصولاً إلى الحرب الضروس التي تدور منذ سنوات على أراضيه وبين مكونات شعبه.
في ظل كل هذه المحاولات الوحدوية الفاشلة طوال نصف قرن هي عمر التجربة الوحيدة الناجحة لإقامة دولة موحدة، وهي دولة الإمارات العربية المتحدة، يبدو واضحاً أن أسس قيامها وتطورها هي التي تمثل حتى اليوم أسباب نجاحها الباهر. ولاشك أن الخوض في شرح هذه الأسباب يحتاج دراسات موسعة وليس مجرد مقال قصير، إلا أنها إجمالاً خليط ما بين العوامل الذاتية التي تتمثل في الإرادة السياسية للآباء المؤسسين للدولة والتي انتقلت عبر الأجيال إلى كل نخبة وقيادات الدولة وإماراتها السبع، وبين العوامل الموضوعية التي تتمثل في الموحدات الاجتماعية والثقافية الراسخة جذورها بين مختلف مكونات الدولة، ومع هذه وتلك نجاح الدولة طوال نصف قرن في أن تكون راعية لجميع مواطنيها – ووافديها أيضاً – وموزعة عادلة لعوائد النمو والتقدم على شعبها الواحد في إماراتها السبع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة