يكتنفُ الملفَّ السوري كثيرٌ من العقبات التي تزيدُ طريق حلحلته وعورةً، وهو لا ينفصل عن وعورة طريق التوافق العربي بصورة عامة؛ فالملف السوري جزءٌ لا يتجزأ من كُلِّ الطريق العربي.
أبرز تلك العقبات هي القطيعة العربية مع سوريا التي طالَ أمدها، التي جاءت نتيجة شرخٍ في جسم السياسة العربية التي عاشت مرحلةً عاصفةً في خضمّ التقلبات والاضطرابات العسكرية والأمنية والسياسية التي نتَجَت عما يُسمى (الربيع العربي) الذي فرضَ سياساتٍ داخلية وإقليمية ودولية بقواعد جديدة.
لكنّ تلك السنوات الطويلة أكّدت المؤكَّد إذْ لا حلّ ولا استقرار للدول العربية وقضاياها إلا في أروقة السياسة العربية، وعلى طاولات الحوار العربي العربي، وهو ما تتبناه دولة الإمارات العربية المتحدة بنهجها السياسي القائم على لمّ الشمل العربي وجسر الهوة بين الأشقاء، من خلال فكِّ شيفرة الملف السوري الذي من شأنه أنْ يفتح الباب لتوافق عربيٍّ شاملٍ، لكن السؤال المشروع في هذا المقام؛ مفاده: لماذا دولة الإمارات العربية المتحدة؟
يعود الفضل في ذلك إلى عدة عوامل تتميز بها دولة الإمارات وسياساتها القائمة على إرساء دعائم السلام وترسيخ التآخي والحلول السياسية الواضحة البعيدة عن منزلقات العنف، والتطلع دوماً إلى نصف الكأس المملوء في البحث عن مفاصل الائتلاف ونبذِ مكامن الاختلاف، ومن ذلكَ على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: وقوف الإمارات من القضايا العربية موقف الداعم للحلول التوافقية المؤمنة بوحدة البيت العربي وسيادته عموماً بما يتوافق مع صيانة واحترام الشأن الداخلي والاستقلال التام لكل بلد عربي، وهو ما تترجمه على أرض الواقع المواقف الإماراتية من كلّ الأحداث التي دارت رحاها في الوطن العربي من تونس إلى مصر إلى ليبيا فاليمن فسوريا فالعراق؛ إذْ لم تسجَّل للإمارات أي مواقف عدائية مع كل هذه البلدان لا رسمياً ولا شعبياً ولا حتى على مستوى التصريحات، وإنما كانت دوماً تدعو إلى الحوار والتهدئة؛ مؤكّدةً استعدادها التام لبذل كل ما في وسعها لخلقِ أي فرصة للتوافق وإرساء السلام.
ثانياً: الدبلوماسية الإماراتية المهنية النشطة عربياً ودولياً، وذلك جعل منها طرفاً فاعلاً ومؤثراً مقبولاً من الجميع في السياسة الإقليمية والدولية، وهي الدبلوماسية التي ترفض مبدأ النأي بالنفس بمعانيه السلبية، وإنما كانت حاضرةً في كل المسارات والصراعات كوسيط داعٍ إلى التهدئة.
ففي تونس كانت دوماً تؤيد خيارات الشعب التونسي داعمةً لحكوماته المنتخبة، وفي مصر التي شهدت تقلبات حادة في الميدان السياسي لم تتقلّب السياسة الإماراتية على ساحاتها يوماً بل كانت منذ البداية وحتى اليوم مساندةً للشعب المصري وحكوماته التي تمخضت عنها تطلعاته، وفي ليبيا ما زالت المساعي الإماراتية قائمةً على نبذ العنف والدعوات الجادة لرأب الصدع بين الفرقاء، وكذلكَ في سوريا واليمن ولبنان والعراق، مما جعل السياسة الإماراتية والدور الإماراتي مُرحباً به على امتداد الوطن العربي شعبياً ورسمياً، مما يزيد الزخم في ثقل السياسة والدبلوماسية الإماراتية إقليمياً ودولياً.
ثالثاً: الهاجس الإنساني الذي يعد نبراس وقِبلة السياسة الإماراتية التي لا تتوانى عن تغليبه على أي ملفات أخرى مهما بلغت حساسيتها؛ وهو ما تبلور جلياً في وقوف الإمارات إلى جانب سوريا في كارثة الزلزال – مثلاً - إذ لم تقف دولة الإمارات عند حدود الكارثة الطبيعية التي نكأت الجراح السورية لتزيد المأساة أسى.
فعندما سارع العرب لمساندة أشقائهم في سوريا كانت دولة الإمارات العربية المتحدة في الطليعة، إلا أنّها لم تقتصر على ذلك، مؤكدةً أنَّ الكارثة الطبيعية مجرد وجه من وجوه المأساة وفصل صغير من فصولها الكبرى، وأنّ المأساة الكبرى تكمن في ترك القضية السورية وملفاتها العالقة على الرفوف.
لذلكَ فقد اضطلعت الإمارات بواجبها الإنساني والأخوي تجاه أشقائها إنسانياً وسياسياً ولم تقف عند حدود إغراق البلاد بالمساعدات الإنسانية وحسب؛ وإنما شفعتها بزيارات سياسية رفيعة المستوى بين البلدين في إطار إيجاد الحلول السياسية والاقتصادية التي من شأنها إرساء الحلول الإنسانية الدائمة من خلال إنعاش الحلول السياسية، وترسيخ السلام ولم الشمل العربي.
كل ذلك يجعل من دولة الإمارات العربية خير سفيرٍ للسلام بين الأشقاء العرب، وبين أبناء البلد الواحد في كل بلدٍ عربي، وخير سفيرٍ للقضايا العربية في المحافل الدولية وأروقة السياسة العالمية، متسمةً بنزاهة سياسية ومنهجية دبلوماسية بيضاء تجعل منها الوسيط المرحّب به دوماً أينما وُجدَ خلافٌ على امتداد رقعة السياسة العربية والإقليمية والدولية، لتكون جسراً لكل قطيعةٍ عربية ودولية.
تلك الإمكانات ما تؤهّل دولة الإمارات العربية المتحدة لحل المعضلة السورية؛ لتكون جسراً يبلغ من خلاله أشقاؤها السوريون ضفة أشقائهم العرب، وطي صفحات المأساة السورية، لتنسحب تلكَ الحلحلة كأُنموذجٍ يُحتذى على طول الطريق العربي مُعَبِّدةً إياه أمام جميع الأشقاء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة