مما لا فيه شك أن هجوم حركة "حماس" على مستوطنات إسرائيلية وما تبعه من مواجهات الأسبوع الماضي، حدث غير مسبوق وجدير بالتوقف أمامه واستخلاص الدروس على المستويات العسكرية والاستخباراتية.
إلا أن التطورات المتلاحقة للأحداث التي تلت هجمات "حماس" على إسرائيل، جاءت أصعب وأشد خطورة من الحدث نفسه.
حيث بدأ الطرفان؛ "حماس" وإسرائيل، حرباً أشبه بلعبة عض الأصابع، يُضحي كل منهما في هذه الحرب بالمدنيين الأبرياء على الجانبين لتحقيق أغراض عسكرية أو أهداف سياسية. وبينما يركزان على التصارع العسكري العنيف، تجدهما يتبادلان الاتهام بقتل الأطفال والنساء واستهداف المستشفيات والمناطق السكنية.
وبينما حاول كل من الطرفين تسخير الإعلام لبناء رأي عام إقليمي وعالمي، كل لصالحه، انضم إلى دائرة الحرب النفسية حلفاء الطرفين. إلى حد اختلاق وقائع غير حقيقية ومحاولة بناء مواقف سياسية استناداً إليها. ولعل المثال الأبرز على ذلك تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي قال فيه إن الفلسطينيين يذبحون الأطفال الإسرائيليين، قبل أن يتراجع البيت الأبيض في اليوم التالي وينفي هذا الأمر.
إن هذه المواقف المتعجلة وغير المدروسة التي تبدو في ظاهرها تخدم هذا الطرف أو ذاك في لحظة تحتاج إلى التوازن والتهدئة، لا ينتج عنها سوى مزيد من الاحتقان وزيادة الصراع اشتعالاً وكارثيةً.
فمن جانب هي تُفاقم الضغينة بين الشعوب وتظهر المواقف العقلانية على غير شاكلتها وحقيقتها وهي الأخطر من خلافات السياسيين والمواقف الرسمية القابلة للتحول والتعديل لاحقاً وفقاً للمستجدات والمصالح.
ومن جانب آخر، فإن هذه المواقف المتعجلة، تزيد الوضع سوءاً وتعقيداً، إن كل طرف يقوم باختيار جزئية من الواقع وتسليط الضوء إعلامياً على جانب واحد هو ما يخصه من الخسائر البشرية والمادية، وتجاهل أن من ينتمون إلى الطرف الآخر هم أيضاً بشر ولهم الحق في الحياة والأمن.
وما يدعو إلى القلق أن الاتجاه الغالب على الأزمة سواء من جانب طرفيها المباشرين أو الأطراف الأخرى، فهو الاهتمام بحسابات المكسب والخسارة والتشبث بتحقيق انتصارات عسكرية أو سياسية وتجاهل أو تهميش الجانب الإنساني الذي يُفترض أن يكون الأهم والأولوية.
إن حالة الرعب التي يعيشها المدنيون الإسرائيليون والإبادة التي تجري للفلسطينيين، تقتضي من العالم كله الاستنفار والعمل سريعاً وبأقصى قوة على إنهاء تلك الأزمة والانتقال على الفور إلى واجب اللحظة الراهنة الذي ينبغي لكل الأطراف الانتباه إليه والالتزام به. وهو الحفاظ على حياة المدنيين الأبرياء، الذين صاروا وقوداً لمواجهات دامية وهجمات غير إنسانية راح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى من الجانبين.
وفي ظل كل ذلك، يبرز على سطح الأحداث بُعد نظر دولة الإمارات التي تدير سياستها الخارجية بعقلانية وتوازن سواء سياسياً أو إعلامياً.
فمن جانب، فإن دبلوماسيتها لا تتبنى مواقف أيديولوجية أو انحيازات مسبقة، وإنما تركز من ناحية على حق الشعب الفلسطيني التاريخي في الحصول على دولته وعاصمتها القدس الشرقية، وهذا الموقف لا يمكن أن يزايد عليها أحد، فالعقلانيون ومن يتسمون بالموضوعية يدركون ذلك.
ومن ناحية أخرى تؤكد دبلوماسيتها على مواقف دولة الإمارات الإنسانية التي طالما آمنت بها وأكدتها قولاً وفعلاً وفي أصعب اللحظات السياسية حيث تُفتقد الحكمة والتوازن لدى أغلب سياسيي العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة