بات مفهوماً أنّ الإخوان المسلمين هم الوجه الأكثر وضوحاً لكل الجماعات والتنظيمات الإسلاموية المتطرفة؛ فهذه التنظيمات إمّا خرجت من معطف الإخوان وإما أنها رضعت من ثدي التنظيم، بحكم أنه التنظيم الأقدم في النشأة والأخطر على مستوى الأفكار.
وهنا يبدو الارتباط واضحًا بين هذه التنظيمات من جانب والإخوان من جانب آخر؛ فكل منهما يبدو رديفًا للآخر، فكما أن أفكار هذه التنظيمات مستقاة جميعها من أفكار الإخوان المسلمين، فيبدو التشابه بينها وبين الإخوان الذين يمثلون العمود الفقري لتنظيمات الإسلام السياسي، بغض النظر عن الأفكار المتطابقة بينهم وهي كثيرة، أو تلك التي نقلتها هذه التنظيمات من الإخوان.
وهنا يمكن القول، إنّ الإخوان المسلمين هم العلامة الدالة والمميزة لتنظيمات الإسلام السياسي، فالقضاء على الإخوان يعني القضاء على تنظيمات الإسلام السياسي، ولا يمكن القضاء على الأخيرة إلا بالقضاء على الإخوان! فهذه المفاصلة مهمة لأولئك الذين يرفعون على كاهلهم عبء المواجهة.
الإخوان هم بمثابة الحبل السري لكل التنظيمات الراديكالية، فإليهم تعود فكرة النشأة ومنهم استقت هذه التنظيمات أفكارها، الإخوان هم العصب لهذه التنظيمات التي لا فائدة من وجودها في ظل غياب الإخوان، وهنا تبدو خطورة الإخوان فهم ليسوا مجرد جماعة أو تنظيم ولكنهم يمثلون حالة تُعبر عن تنظيمات الإسلام السياسي، وهذه الحالة تبدو الأخطر، والتعامل معها يستلزم بعض الوقت وإمكانات حرفية لتفكيكها، والانتباه لخطرها قد يُساعد في المواجهة.
ولذلك ارتبط العنف بجماعة الإخوان المسلمين على اعتبار أن التنظيم المسؤول عن إنجاب كل التنظيمات المتطرفة التي أتت بعده، بل الجماعة قامت بتأصيل مفاهيم العنف التي استقتها كل التنظيمات المتطرفة فيما بعد فضلًا عن ممارسة الجماعة للعنف؛ فهذه التنظيمات أخذت مفاهيم الحاكمية وتكفير المجتمع من سيد قطب، الذي تولى عضوية مكتب إرشاد الإخوان، وكان مسؤولًا عن قسم نشر الدعوة في التنظيم، الذي يعده البعض المؤسس الثاني للإخوان بعد حسن البنا.
ومن هنا يمكن القول، إن الإخوان هم من أسسوا لمفاهيم الإسلام السياسي؛ وهم أول من خلطوا الدين بالسياسة في العصر الحديث، وإليهم تعود فكرة تشويه الدين؛ ولعل الخنجر الذي طعن التنظيم فيه الدعوة لا يقل في سمومه عن ذلك الذي طعنت به فرقة الخوارج الدين بخروجها عن اجتماع المسلمين وجنوحها إلى التأويل والتحريف.
ولذلك سوف تظل تنظيمات الإسلام السياسي أكثر نشاطًا طالما لم ننتبه إلى خطر الإخوان المسلمين، وأي مواجهة لهذه التنظيمات بلا فائدة، طالما لم تستهدف هذه المواجهة في الأساس جماعة الإخوان المسلمين، على اعتبار أنها العمود الفقري لكل الجماعات الدينية حيث خرجت من رحم التنظيم.
سقط الإخوان في مصر، ومن علامات هذا السقوط زوال دولة الإخوان على خلفية ثورة المصريين في 30 يونيو/حزيران من عام 2013؛ هذه الثورة لم تستهدف فقط حكم الإخوان، ولكنها كانت بمثابة حالة تمرد على أفكار التنظيم، فالقاهرة التي شهدت ولادة التنظيم هي نفسها التي شهدت زوال دولتهم بل وتفكك فكرتهم.
أهمية ثورة 30 يونيو/حزيران أنها قضت على حلم التنظيم في تصدير هذه الثورة إلى العالم، فتبدل شعارها الذي كانت ترفعه في مراحل النشأة الأولى ممثلًا في أستاذية العالم حتى فرقهم الله أشتاتًا في الأرض بعد أن أضل أفكارهم؛ حيث انكشف التنظيم وباتت الفكرة عارية دون أي مساحيق تجميلية اعتاد التنظيم أن يضعها حتى يُحسّن من صورته.
لا أحد يستطيع أن يحكم على انتهاء زمن الإسلام السياسي أو التوقع بذلك، بحكم أن الإخوان لم ينتهوا بشكل كامل؛ صحيح تفكك التنظيم وبات أضعف مما كان عليه في السابق خاصة في القاهرة، ولكن أفكاره ما زالت حيًة تتنفس وتتحرك، وبالتالي إذا استمرت على هذا الوضع، فقد يعود التنظيم من جديد، وهنا تبدو الإشارة مهمة إلى ضرورة العمل على تفكيك هذه الأفكار، حتى يمكن الحديث عن القضاء على التنظيم بشكل كامل.
لا أحد يستطيع أن يُجزم بشكل كامل أنه لم يعد هناك مكان لتنظيمات الإسلام السياسي أو أنها قد انتهت بشكل مطلق، طالما أنّ هناك روحاً ما زالت تسري داخل هذه الجماعة، صحيح ضُرب رأس التنظيم في مصر، ولكن ما زالت خلاياه تتحرك في كل الدول الأوروبية وبعض الدول العربية، حيث تدخلت الأهداف السياسية والمصالح الخاصة، التي عطلت كثيرًا من فكرة المواجهة.
ولذلك لا بد أن يكون هناك اتفاق على مواجهة تنظيمات الإسلام السياسي، ولا بد أن يكون هذا الاتفاق برعاية المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، فخطر هذه التنظيمات ليس محليًا ولا يقل أهمية عن مواجهة أخطار تتعلق بحقوق الإنسان أو حتى بالحفاظ على المناخ كما جاء في بعض الاتفاقيات الدولية التي رعتها الأمم المتحدة مثلًا؛ فأيهما أقرب: الحفاظ على الإنسان أم الحفاظ على حقوقه فقط؟ وما فائدة الحفاظ على المناخ طالما تعرض الإنسان للخطر؟!
لا بد أن يُوضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته وعليه أن يُدرك أن الأخطار التي تحيق بالمنطقة العربية والعالم تتمثل في تنظيمات الإسلام السياسي التي تُعد أحد أهم أسبابها ومسبباتها، وعلى هذا المجتمع أن يُدرك أن خطر هذه التنظيمات سوف يؤثر على كل هذه الدول، ولذلك لا بد أن تكون مواجهته عالمية، بحيث تكون هناك ضمانة من كل دول العالم بعدم دعم هذه التنظيمات أو حتى التخاذل عن المواجهة.
زمن الإسلام السياسي قد خفت قليلًا ولكنه ما زال موجودًا، أو أنه يبحث عن وجود حقيقي بعد نكسات سياسية تعرض لها، وهذا أخطر ما في الموضوع، أن تكون هناك قراءة غير دقيقة تستشرف المستقبل وتفترض غيابه فهنا تبدو المشكلة التي يصعب معها الحل.
رغم أن الدلائل لا تحكم بغياب الإسلام السياسي بشكل كامل، ولعله أخذ استراحة بسيطة أراد من خلالها أن يعود مرة ثانية، عودة لن تتحقق، ولكنه لن يمل من محاولاته الدائمة، ولذلك لا بد أن تستمر المواجهة للتنظيم وللأفكار التي باتت تمثل خطرًا على الأمن الإنساني وقيمه، عندها نستطيع أن نقول إنّ زمن الإسلام السياسي ذهب بلا رجعة وأننا سوف نتحرر من قيوده التي غل بها الإنسانية جمعاء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة