إن الجبهة الشمالية لإسرائيل من الناحية العسكرية غريبة وعجيبة.
فهي من حيث انضباط مليشيات حزب الله اللبناني عبر التحرش العسكري المحدود بإسرائيل تعطيك مؤشرات مختلفة، فهناك من يقول لك: إن حزب الله "يشاغل" الإسرائيلي، ولن يدخل في الحرب، وآخر يقول: تل أبيب لا قدرة لها على فتح جبهتين عسكريتين في آن معاً.
وبكل الأحوال نحن أمام صراع جديد قديم لكن بصورة مختلفة وغير مسبوقة، والسؤال المطروح بحد ذاته خطأٌ فادح، حين يقولون: هل قرر حزب الله خوض المعركة مع إسرائيل؟ لأن السؤال الأدق والأصح: هل أمرت إيران حزب الله بفتح جبهة مع إسرائيل؟
والواقع يحدثنا عن أن مليشيات حزب الله وغيرها من الجماعات الولائية المسلحة هي مجرد أدوات عسكرية بيد إيران، وأن القدرة الإيرانية على فرض معادلات تفجير المنطقة لا تزال موضوعة على الطاولة، وبالتالي نحن أمام خيارات مخيفة ومعطيات معقدة.
أقول مخيفة ومعقدة لأنها أتت في سياق هدوء وتنظيم خلاف مع إيران، أقله بعد توقيع الاتفاق السعودي الإيراني بالصين في شهر مارس/آذار الماضي.
والذي من المتوقع أن يحصل بات يُنظر إليه الآن بحسبة الدقائق والساعات وليس الأيام والأسابيع، وهذا كله مرتبط بشكل سلبي بمستوى التصعيد الذي حصل فجأة دون سابق إنذار، وأعاد المنطقة برمتها إلى الوراء، في وقت كان الجميع يتحدث فيه عن السلام.
وكلمات وزير دفاع إسرائيل المتكررة بما يخصّ نصائح قدمها لحزب الله، ستعطيك خريطة طريق لعلاقات عسكريّة قائمة على مبدأ "أقل من الحرب وأكثر من الإشغال"، بمعنى آخر كل طرف يريد حفظ ماء وجهه، وإعطاء انطباعات معينة لأتباعه أو مواطنيه بأنه منتصر.
وحين أحيلك إلى مشهد استقبال وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان في مطار بيروت، وحضور ممثلي المليشيات الفلسطينية بصالة الشرف، ستدرك أن استباحة لبنان الدولة والحدود باتت سمة غالبة على أفعال حزب الله ومناصريه، وهي رسالة واضحة بأنّ الانتهاكات لحرمة الدولة اللبنانية وجلب الخراب لها صناعة إيرانية مليشياوية حصرية.
ويأتي أمير عبداللهيان إلى لبنان عارفاً بأن أحداً لن يستطيع منعه من الاستعراض، ويأتي ليستثمر في مصائب الأمهات اللاتي فقدن أطفالهنَّ في غزّة، ويأتي عارفاً بأن أحداً لن يستطيع الصراخ في وجهه.
وعلينا لربما أن نخفف انتقاداتنا لموقف طهران وأدواتها حيال ما يجري في قطاع غزة، كون الجماعة في "فيلق القدس" يؤمنون بالتخصص، وتخصصهم القدس - كما يقول أحدهم ساخراً - والقدس فقط طبعاً، كون غزة خارج نطاق تخصصهم وبعيدة جغرافياً عن القدس.
وتقاسم الأدوار الآن هو الوصف الصحيح لما يحصل، فإيران تشترط الاجتياح البري للتدخل، وأمريكا تشترط هجوم حزب الله للتدخل، وهكذا يضع كل طرف مسؤولية التصعيد على الآخر، وفي الأثناء جارٍ تدمير غزة وقتل أهلها.
وأغبى سؤال في الإعلام هو: مَن الذي أعطى الضوء الأخضر لحماس بالهجوم؟ والأغبى منه الجواب: لا نعرف، ولا يوجد دليل، بينما الحقيقة هي: أنَّ مراجعة لتغريدات علي خامنئي تخبرك بأنه هو الذي أعطى الضوء الأخضر يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول بعدد من التغريدات، وانقطع ثم عاودَ تشجيع الحرب يوم 7 من أكتوبر/تشرين الأول الجاري .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة